حال قطر

إعلاميون ومثقفون يدعون إلى تعزيز دور الصحافة الثقافية في قطر

الدوحة - سيف الحموري -  لا يخفى على المتابع للشأن الثقافي في قطر أهمية الصفحات المتخصصة في الصحف المحلية القطرية، والمجلات المتخصصة في تنوير الرأي العام المحلي والعربي والعالمي بالحراك الثقافي والفني في البلد، ووضع القارئ في الحدث عبر الكلمة المرصوفة.

لكن، في السنوات الأخيرة، ومع انحسار عدد القراء النهمين بفعل التطورات المتسارعة في عالم اليوم في كل الاتجاهات، بات من الضروري طرح سؤال: "هل الصحافة الثقافية في قطر لها متابعون.. وهل ما يزال دورها قائما"، والذي حملته وكالة الأنباء القطرية " قنا "إلى عدد من المهتمين بالشأن الثقافي من إعلاميين متخصصين وأدباء، حيث أجمعوا على أن الصحافة الثقافية تعاني من انحسار عدد متابعيها، واكتفائها بملاحقة الخبر اليومي وبعدها عن الغوص في أعماق القضايا، غير أنهم ينظرون بأمل لواقعها، وأنها تقاوم للبقاء رغم طغيان ثقافة الصورة على ثقافة الكلمة، داعين إلى دعمها وإسنادها لتقوم بدورها المنوط بها حتى لا ترفع الراية البيضاء.

وفي هذا الصدد، قال السيد فالح حسين الهاجري رئيس تحرير صحيفة  "العرب"، لوكالة الأنباء القطرية " قنا ": "من خلال عملي في المجال الثقافي والإعلامي خلال عقدين من الزمن، حيث إني حاليا أتولى رئاسة تحرير صحيفة " العرب" وفي السابق، كنت رئيسا لتحرير مجلة الدوحة (2016 - 2021)، فأرى أن للصحافة الثقافية، متابعين وقراء ومهتمين كثرا في دولة قطر وخارجها، وتتناول قضايا مهمة، حيث تعتبر الثقافة جزءا هاما من الهوية الوطنية في الدولة".

وأشار إلى أنه توجد صحف ومجلات ومؤسسات تهتم بالشأن الثقافي، ومن أبرزها مؤسسة قطر للإعلام وتلفزيون قطر وقناة الريان، وقناة الجزيرة، وصحيفة  " العرب" والصحف الأخرى وغيرها كثير، حيث تنشر تحليلات ومقالات تتعلق بالأدب والفنون والموسيقى والتاريخ والرياضة، بالإضافة إلى ذلك، فإنها تنظم الفعاليات والمعارض الثقافية والندوات الفكرية والإعلامية، والتي تحظى بتغطية إعلامية واسعة، مما يعكس اهتمام الجمهور بالموضوعات الثقافية.

ولفت فالح الهاجري إلى أن الصحافة الثقافية في دولة قطر، أثرت ولعبت دورها الجوهري في تعزيز الهوية الثقافية والتاريخية، والحفاظ على التراث الوطني، والقيم والأخلاق والضوابط العامة، من خلال تغطية فعاليات من قبيل مهرجان الدوحة الثقافي، ومعرض الدوحة الدولي للكتاب، وكذلك إسهامها في نشر الوعي الثقافي، وتعزيز القراءة، كما تلقي الضوء على المبادرات الفنية والفعاليات الثقافية الوطنية المختلفة.. فضلا على إبراز الجهود المبذولة في مجال الفلكلور الشعبي، والمسرح والسينما والشعر، مثل مهرجان أجيال السينمائي. حيث إن هذه الأنشطة تساعد في تعزيز الحوار الثقافي بين الشعب القطري وشعوب المنطقة والعالم، مما يعزز من مكانة قطر كمركز ثقافي مهم في الشرق الأوسط والعالم، ويشكل أحد مرتكزات خطط التنمية المستدامة، وهو ما يتطلب مزيدا من الدعم والإسناد لهذه الصحافة الثقافية، وتطوير دورها في المواكبة والنهوض.

ويرى رئيس تحرير صحيفة  " العرب " أن الصحافة الثقافية تعمل على التقارب بين الشعوب بمختلف انتماءاتهم واحترامها المتبادل وذلك بتقبل الثقافات الأخرى واحترامها.

من جهته، يرى السيد محسن عتيقي الكاتب والمحرر العام لمجلة الدوحة سابقا في تصريح مماثل لـ " قنا"، أن الصحافة الثقافية في راهنها العربي عموما تعاني من قلة المنتجين للمادة الثقافية التحليلية والنقدية المواكبة للأحداث، مقارنة بالتحليل السياسي أو حتى الرياضي الذي استولى على حصة الثقافة، وهو ما اعتبره أمرا طبيعيا مستحضرا في هذا الخصوص رأي المفكر المغربي محمد عابد الجابري، القائل بأن الثقافة ليست شأن العامة كما هو الحال مع كرة القدم.

وقال: "يأخذ تشخيص واقع الصحافة الثقافية بعين الاعتبار أيضا امتدادها الجغرافي من المحيط إلى الخليج، بحكم المشترك اللغوي والقيمي، والذي عبرت عنه مجلة الدوحة، مثلا، حين حددت في عددها الأول عام 1969 خطها التحريري ليكون جسرا بين القراء من الخليج العربي إلى العالم العربي الأوسع".

وأضاف الكاتب محسن عتيقي: أي تساؤل عن واقع الصحافة الثقافية القطرية اليوم، يقتضي تلقائيا، استحضار مجدها السابق، لما كانت الصفحات الثقافية والملاحق الأسبوعية والمجلات منابر أساسية للكتّاب والباحثين والقراء على حد سواء. أما اليوم فقد انكمشت حصة الثقافة في الصحف اليومية، وتوقفت مجلات تقليدية عن الصدور، كما ترجل فرسان كثر عن صهوة الكلمة، ثم بهيمنة المحتوى السريع والمرئي، حيث لم نعد نسمع بالقراء الأوفياء، وهذا ينطبق، بتفاوت، على الصحافة الثقافية العربية بصورة عامة وقال : "ومع ذلك، فإن النظرة الأكثر تفاؤلا فيما يخص الصحافة الثقافية القطرية، ترتبط بالجانب الإخباري، والذي يرتبط بدوره بالبنية التحتية الثقافية المتطورة في البلاد، حيث تسهر الصحف المحلية على تغطية وتوثيق الأنشطة والفعاليات الثقافية، مساهمة في الترويج لها وجذب الجمهور إليها، وهي تقاوم البقاء في لعب هذا الدور الحيوي، وإن كانت المؤسسات الثقافية اليوم، تميل إلى الإخبار والتغطية المباشرة والتفاعل الظرفي مع الجمهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حتى وإن كان ذلك على حساب الأرشفة والتوثيق الذي تقوم به الصحف على أكمل وجه.

أما فيما يرتبط بالجانب التحليلي للصحافة الثقافية القطرية، والمتمثل في مواكبة الأحداث والإنتاج الثقافي بالنقد والتفسير والتقييم بغية تثقيف الجمهور والرفع من ذائقته، فأشار إلى أنها أدوار يتولاها مهنيا المختصون في الصحافة الثقافية على قلتهم، محيلا بهذا الخصوص إلى إحصاء نشرته سابقا منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة " اليونسكو"، حصر النسبة العظمى لجمهور المجلات الثقافية في فئة الشباب. وهو ما يدل على أن التحديات المطروحة أمام محرري الصحافة الثقافية اليوم هو تقديم محتوى ثقافي يجذب الشباب في ظل أنماط الاستهلاك الثقافي الجديدة.

وختم الكاتب محسن عتيقي تصريحه بالقول: "إن كانت هناك من نظرة تشاؤمية، فمردها إلى عجز الصحافة الثقافية عن المنافسة، وإلى حد ما عجز النخبة الجامعية عن الموازنة بين الثقافة النخبوية والثقافة الشعبية التي هي المحرك الأهم للصحافة الثقافية، ثم أخيرا، وهذا هو الأهم، ندرة الاستثمار في المشاريع الصحفية الثقافية، والتي ما أن تتوفر لها الإمكانيات والدعم حتى تتمكن من النفاذ إلى جمهور أوسع وتسد الفراغ الذي يملأه المؤثرون وصناع المحتوى بعشوائية كبيرة في الغالب.

بدورها، قالت الدكتورة الأديبة ابتسام الصمادي، عضو اتحاد الصحفيين والكتاب"  العرب" فرنسا، باحثة في مجالات ثقافية وتخصصية، وأكاديمية وأستاذة جامعية لوكالة الأنباء القطرية:" إن الثقافة تشبه أهلها تقف أمامهم وخلفهم، فإذا كانوا شجعانا تكون هي أشجع، حيث يصعب أن نفصل بينهما"، مؤكدة في الوقت نفسه، أن الصحافة الثقافية هي رافد من روافد الوعي.

ودعت الشاعرة والأديبة ابتسام، المتلقي إلى أن يشكل وعيه الخاص بنفسه ويبرز من يستحق فبيده الكثير من المنصات عبر وسائل التواصل، وأضافت: "لا بد من التنويه أن دور الصحافة الثقافية بدأ بالانحسار تدريجيا بدءا من إلغاء الصحافة الورقية إلى بروز الصحافة الإلكترونية إلى العزوف عن الاهتمام بها والذهاب إلى التشتت والتسطيح خاصة في مجال الكتابة الإنسانية الأدبية التي توثق للإنسان بكل حالاته، وثورات الشعوب جزء من تجاربه، إذ من المعروف أن التاريخ يكتبه المنتصر، لكن الإبداع يتحدث بأفواه الجميع.. إنه فم الحق الذي يحتاج دوما لشربة ماء صافية يغب قسطا منها ويرشق الباقي على وجه الزمان، لذلك هي المنطقة الأكثر استهدافا، وما يبرز منها لا يصنف في دائرة الأكثر أهمية وإنصافا".

من جانبه، لفت السيد عيسى الشيخ حسن، شاعر وأديب سوري في تصريحه لـ " قنا "، إلى أن سؤال "الصحافة الثقافية" يحيل على أزمة الصحافة، وقال عن ذلك: "لقد باتت الصحافة في جسمها الورقي على وشك النهاية؛ وبالتالي فنحن أمام أزمة مركبة: تراجع الهم الثقافي منذ ربع قرن تقريبا بضمور الصراع بين الشرق والغرب ومن جهة أخرى ساهم التطور العالمي الجديد التكنولوجي في تراجع دور الكلمة مقابل هيمنة الصورة، وبخاصة بعد تطور الشاشة الافتراضية، وتمددها وتنوعها، وتحقيق نمط حياة جديد (لكل إنسان شاشة).

وأكد أن الصحافة الثقافية ساهمت في الحراك الثقافي هنا في دولة قطر منذ نحو ربع قرن (في العام 2000) وشهدت ولادة أكثر من ملحق ثقافي أسبوعي أو شهري، وصفحات متخصصة بالأدب المحلي، والكتابات الواعدة، والأدب المترجم، ونشرت في الصحف الثلاث أعمدة يومية لكتاب وأدباء قطريين وعربا.

ولاحظ أن هذه الصحف ساهمت في تغطية النشاطات الثقافية ـ (مهرجان الدوحة الثقافي ـ مهرجان الدوحة المسرحي ـ معرض الدوحة الدولي للكتاب) ـ تغطية احترافية لا تكتفي بتقرير مبسط، بل بنشر آراء كتاب وأدباء ومقابلات ثقافية جعلت من الصفحات الثقافية منارات أدبية خالصة، تشارك الصحافة العربية المرموقة في حمل مشعل الثقافة.

وأرجع الشاعر عيسى الشيخ حسن، انحسار الصحافة الثقافية في السنوات الأخيرة إلى ظروف الكورونا والحجر الصحي وتحول الصحافة في وقتها إلى صحافة إلكترونية وحسب، وتطور الشاشات الافتراضية بأجهزة مختلفة مثل الحاسوب والهاتف المحمول وغيرها، ما غير من ظروف التلقي، مشددا على أن التحدي الأكبر، هو التحول التدريجي المتسارع من عالم الكلمة إلى عالم الصورة.

وخلص إلى أن هذا ليس خاتمة المطاف، وأن الأدب دائما يواجه التحديات منذ فجر الإنسانية البعيد، وإن كانت الصحافة اليوم تعاني، فلا بد من تشجيع الصحافة الثقافية باقتراح حلول تعيد أمجادها.

 

Advertisements

قد تقرأ أيضا