حال المال والاقتصاد

هل انتهى فعلياً عصر المال الرخيص؟

ابوظبي - ياسر ابراهيم - الجمعة 4 أكتوبر 2024 01:23 صباحاً - مارتن وولف
نشهد حالياً بداية دورة تيسير في السياسة النقدية، ويتساءل كثيرون عن مدى انخفاض أسعار الفائدة المحتمل وما قد يعنيه ذلك لاقتصاداتنا. مع ذلك، فإن الأسئلة الأكثر إثارة للاهتمام بالنسبة لي هي تلك التي تتعلق بالمدى الطويل.
على وجه التحديد، هناك ثلاثة أسئلة رئيسية:


أولاً: هل قفزت أسعار الفائدة الحقيقية أخيراً إلى مستوى أعلى بشكل دائم، بعد انحدارها إلى مستويات منخفضة بشكل غير عادي؟


ثانياً: هل توقف تقييم أسواق الأسهم عن العودة إلى المتوسط، حتى في الولايات المتحدة، حيث كان الانحراف عن المتوسط هو القاعدة لفترة طويلة؟


ثالثاً: هل يمكن أن يكون لإجابة السؤال الأول أي تأثير على إجابة السؤال الثاني؟


في الإجابة عن السؤال الأول، لدينا معلومة مهمة وتقدير مباشر لأسعار الفائدة الحقيقية في المملكة المتحدة مقدمة من سندات الخزانة البريطانية المرتبطة بالمؤشر لمدة عشر سنوات، لمدة تقل قليلاً عن أربعين عاماً. وتقدم سندات الخزانة الأمريكية المحمية من التضخم معلومات مماثلة للولايات المتحدة، ولكن منذ عام 2003 فقط. وتتطابق هذه البيانات بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بشكل جيد من 2002 إلى 2013. لكن منذ ذلك الحين، انخفضت أسعار الفائدة الحقيقية بشكل ملحوظ في المملكة المتحدة مقارنة بالولايات المتحدة.


ويمكن تفسير هذا الانخفاض بتنظيم خطط المعاشات التقاعدية ذات المزايا المحددة في المملكة المتحدة، حيث أدت تلك الخطط إلى تمويل الحكومة بأسعار فائدة حقيقية منخفضة بشكل غير منطقي، وهو ما كلف الاقتصاد الكثير. وبين أعلى مستوى لأسعار الفائدة الحقيقية في المملكة المتحدة في سبتمبر 1992 وأدنى مستوى لها في ديسمبر 2021، انخفضت أسعار الفائدة الحقيقية بأكثر من 8 نقاط مئوية.


وفي الولايات المتحدة، انخفضت أسعار الفائدة الحقيقية بأكثر من 4 نقاط مئوية بين ذروتها في نوفمبر 2008، بداية الأزمة المالية، وديسمبر 2021، بعد جائحة كورونا.


وكان هناك عاملان رئيسيان وراء هذا الانخفاض: تراجع طويل الأمد في أسعار الفائدة الحقيقية، يليه انخفاض حاد بسبب الأزمة المالية العالمية والجائحة. ويعود الانخفاض طويل الأمد بشكل كبير إلى تأثير العولمة، ولا سيما الفوائض الهائلة في مدخرات الصين. رغم ذلك، فإن الارتفاع الأخير في أسعار الفائدة الحقيقية لم يعد بأسعارها إلى مستويات ما قبل الأزمة المالية.


وحالياً، تبلغ الفائدة الحقيقية في الولايات المتحدة 1.5%، وهي تعتبر متواضعة. وتشير تقديرات بنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس (باستخدام منهجية مختلفة) إلى أن أسعار الفائدة الحقيقية في الولايات المتحدة تجاوزت 2% في التسعينيات.


ولدينا بعض الأسباب لتوقع ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية أكثر في المستقبل. فهي بعد كل شيء، لا تزال غير مرتفعة بشكل كبير. والمواقف المالية متوترة، خاصة في الولايات المتحدة. كما أن هناك حاجة لتمويل الاستثمارات المطلوبة للتحول في مجال الطاقة.


كذلك، فقد تحركنا من مجتمعات تتجه نحو الشيخوخة إلى مجتمعات مسنة بالكامل، ما سيؤدي لانخفاض المدخرات وزيادة الضغوط المالية في الدول ذات الدخل المرتفع والصين. كما أن الاضطرابات العالمية سترفع بالضرورة حجم الإنفاق على الدفاع. وهكذا، فإن زيادات أخرى في أسعار الفائدة الحقيقية تبدو أمراً معقولاً.


في الوقت نفسه، تميل المجتمعات المتقدمة في السن إلى إنفاق أقل على السلع الاستهلاكية المعمرة والإسكان، ما سيضعف الطلب على الاستثمار. علاوة على ذلك، وكما تشير التوقعات الاقتصادية المؤقتة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإنه لا يتوقع على نطاق واسع أن يشهد النمو الاقتصادي العالمي انتعاشاً قوياً.


من الصعب إذن تكوين رؤية حاسمة بشأن أسعار الفائدة الحقيقية في المستقبل، سواء بالاتجاه الارتفاع أو الانخفاض. ومع ذلك، يمكن أن يكون هناك تصور بأن التضخم قد يعود، ربما نتيجة لعجز الموازنة والديون المتصاعدة.
وهذا التضخم سيظهر في صورة ارتفاع أسعار الفائدة الاسمية إذا، أو عندما، تبدأ الثقة في قدرة البنوك المركزية على تحقيق أهداف التضخم تتآكل. وحتى الآن، تمكنت البنوك المركزية من احتواء الزيادة الأخيرة في الأسعار، لكن الضغوط التضخمية قد تعود بسهولة بالغة.


والآن إذ نظرنا إلى أسعار الأسهم، ما الذي تعنيه أسعار الفائدة الحقيقية المرتفعة لها حتى الآن؟ الجواب: تأثير طفيف. وإذا نظرنا إلى نسب السعر إلى الأرباح المعدلة دورياً التي طورها الحائز على جائزة نوبل روبرت شيلر، فسنجد أن النسبتين اللتين يستخدمهما حالياً في الولايات المتحدة تقتربان من أعلى مستوياتهما على الإطلاق. والعائد المفترض المعدل دوريا على الأرباح في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 لا يتجاوز 2.8%. وهذا أعلى بنقطة مئوية واحدة فقط من معدل السندات الحكومية المحمية من التضخم. وهو أيضاً أقل كثيراً من أي سوق أسهم رئيسية أخرى.


ويبدو أن السوق يطلق صيحة للبيع، ومع ذلك، فإن هذا لم يحدث حتى الآن. لماذا؟ لأن العائد الحالي على الأرباح، بعد كل شيء، يقل بنسبة 60% تقريباً عن متوسطه التاريخي.


وأحد التفسيرات التي طرحها أسواث داموداران من كلية شتيرن لإدارة الأعمال هي أن الماضي لم يعد ذا صلة. ومن المؤكد أنه محق، حيث كانت نسب التقييم المستندة إلى الماضي غير موثوقة في التنبؤ بالعوائد المستقبلية، على الأقل منذ الأزمة المالية.


ولا يمكننا معرفة ما إذا كان ذلك سيظل صحيحاً، ولكن من السهل فهم سبب تخليه عن الماضي في توقعات الأرباح المستقبلية. وعموماً، فإن المستقبل مليء بالغموض. وليس من الصعب تخيل صدمات قادرة على تعطيل الأسواق أسوأ بكثير من الصدمات التي شهدناها مؤخراً.


وما نعرفه هو أن الهامش بين معدل الفائدة الحقيقي والعائد المضمون من الأرباح المعدلة دورياً ضئيل للغاية. ويبدو أنه من المنطقي القول إن العوائد المستقبلية من امتلاك الأسهم الأمريكية لن تتحقق إلى حد كبير (إن حدثت على الإطلاق) من عمليات إعادة التقييم، نظراً لارتفاع تقييماتها الحالية بالفعل. وحتى هذه التقييمات تعتمد بشكل كبير على الاعتقاد بأن الأرباح ستنمو بمعدلات مرتفعة للغاية لفترات طويلة في المستقبل، ربما لأن الشركات الاحتكارية الحالية (أو المحتملة) ستظل مربحة مثل شركات التكنولوجيا العملاقة اليوم (بما في ذلك إنفيديا الآن).


وهذا الرهان في جوهره يعتمد على قدرة الرأسمالية الأمريكية اليوم على تحقيق أرباح استثنائية إلى الأبد، بينما يعكس ضعف الأسواق الأخرى رهاناً على النتيجة المعاكسة. وإذا كان المستثمرون على حق، فإن الارتفاعات الأخيرة في أسعار الفائدة الحقيقية تصبح غير ذات أهمية. باختصار، وهم يراهنون على فرضية «الأمور مختلفة حقاً هذه المرة».


شخصياً، أجد صعوبة في قبول ذلك، لكن ربما تكون تأثيرات الشبكات والتكاليف الهامشية القريبة من الصفر حولت الربحية إلى «نعمة من السماء». وأولئك القادرون على جمع هذه الأرباح سيستمتعون بمأدبة الأرباح إلى الأبد.
وماذا عن الفائدة الحقيقية؟ هي لا تهم، لكن التضخم المتصاعد قد يكون أمراً مختلفاً تماماً.

Advertisements

قد تقرأ أيضا