الارشيف / حال قطر

إضاءة في كتاب.. مؤمن آل فرعون في القرآن الكريم

الدوحة - سيف الحموري - د. علي محمد الصَّلابي

أخذت قصة كليم الله موسى (عليه السلام) النصيبَ الأكبر من الذِكر في كتاب الله سبحانه وتعالى، وذُكرت في سور كثيرة، وكانت كل سورة تَعرِضها بشكل مختلف عن الآخر، ولغايات مختلفة عن غيرها، وقد تميّزت قصة موسى (عليه السلام) في سورة غافر بِذكر قصّة رجل (مؤمن آل فرعون) الذي دافع عن رسول الله ونبيه موسى (عليه السلام) من بطش فرعون وملئِه، وقام خطيباً لقومه، محاوراً لهم بحججه العقلية والمنطقية، بعدما كان يكتم إيمانه خوفاً على نفسه من الهلاك.

وقف مؤمن آل فرعون موقفاً شجاعاً أَظهر فيه قوة اِنتمائه بالأصل لفرعون وآله وعصبته، وأبدى حرصه، وخوفه على مصالح قومه من عواقب تحدي موسى (عليه السلام)، ومجابهته بقوة الدولة المستبدة، والسلطان الفرعوني، وفي الوقت ذاته أبدى اعترافاً بموسى (عليه السلام)، ونبوءَته بعدما كان يكتم ذلك حرصاً على نجاح مهمته في الدعوة إلى الله.
بدأ التمهيد في سورة غافر لذكر مؤمن آل فرعون عند ذكر الله سبحانه قصةَ الإيمان والطغيان ممثلة في دعوة موسى عليه السلام لفرعون الطاغية الجبار، ففرعون يريد أن يقضي على موسى وأتباعه خشية أن ينتشر الإيمان بين الأقوام، فتبرز في ثنايا هذه القصة حلقة جديدة لم تعرض في قصة موسى في غيرها من السور (كما ذكرنا) ألا وهي ظهور رجل مؤمن من آل فرعون – يخفي إيمانه – يصدع بكلمة الحق في لطف وحذر، ثم في صراحة ووضوح، وقد ذكر الله سبحانه مشاهد من مُحاججته لقومه مليئة بالبراهين العقلية والحجج المنطقية، ثم تنتهي القصة بعلاقة فرعون الطاغية الجبار بالغرق في البحر مع أعوانه وأنصاره، ونجاة الداعية المؤمن وسائر المؤمنين.
1- التعريف بالكتيب وأصله:
يعدّ هذا الكتيّب: «مؤمن آل فرعون» جزءًا من كتاب «موسى كليم الله (عليه السلام)؛ عدو المستكبرين وقائد المستضعفين»، والذي يعتبر من موسوعة «نشأة الحضارة الإنسانية وقادتها العِظام»، والذي أعان الله عزّ وجل على إتمامها، إذ عِشت معها سنين عدّة باحثاً، ومتعلّماً، ودارساً في هذه المدرسة الربّانيّة العظيمة، أيّ مدرسة القصص القرآني وسير الأنبياء والمرسلين في القرآن الكريم.
أُتمّت – بفضل الله- الموسوعة بكتاب: موسى عليه السلام، وهي كالآتي:
1. قصة بدء الخلق وخلق آدم (عليه السلام)
2. نوح عليه السلام والطوفان العظيم، ميلاد الحضارة الإنسانيّة الثانية.
3. إبراهيم عليه السلام «خليل الله، وداعية التوحيد ودين الإسلام، والأسوة الحسنة».
4. موسى عليه السلام كليم الله، عدو المستكبرين، وقائد المستضعفين.
5. عيسى عليه السلام «الحقيقة الكاملة».
6. السيرة النبويّة: عرض حقائق وتحليل أحداث.
وفي ما يخص كتاب «موسى كليم الله (عليه السلام)؛ عدو المستكبرين وقائد المستضعفين»، قسّمته إلى ستّة فصول، وقد بحثت في الفصل الأول جذور بني إسرائيل التاريخية وحياتهم في مصر
وفي الفصل الثاني: موسى عليه السلام: اسمه ونسبه ومولده ومكانته بين الأنبياء والمرسلين، وعن السّور التي ذُكر فيها موسى وهارون في القرآن الكريم والتي ذُكر فيها اسم فرعون والتي ذُكر فيها بنو إسرائيل واليهود.
وفي الفصل الثالث: قصة موسى (عليه السلام) في سورة القصص وطه والشعراء والنمل ويونس وهود وغافر والزخرف والدخان والنازعات. وفي الفصل السادس من هذا الفصل تحدثنا عن قصة موسى (عليه السلام) في غافر والزخرف والدخان والنازعات، ففي سورة غافر كان الحديث عن مؤمن آل فرعون في دفاعه عن موسى (عليه السلام)، وأساليبه العقلية والعاطفية والدعوية في دعوة قومه للتوحيد والإيمان بموسى (عليه السلام)، وقمتُ بمقارنة بين مؤمن آل فرعون وأبي بكر الصديق رضي الله عنه في الدفاع عن دعوة التوحيد ودعوة الناس إليها، وكيف استخدم مؤمن آل فرعون أساليب الدعوة، وانتقل في مراحلها من السرية إلى المجاهرة، ووظّف سنن الله في خطابه للعقول والقلوب، وما هو مصيره ومصير آل فرعون في النهاية كما جاء في سورة غافر.
وفي الفصل الرابع كانت قصة موسى (عليه السلام) في سورة الأعراف وإبراهيم عليه السلام.
وفي الفصل السادس: أسباب هلاك فرعون وقومه، وفضائل موسى (عليه السلام) ووفاته.
2- نبذة عامة عن سورة غافر
لأننا نتحدث عن مؤمن آل فرعون في سورة غافر، فنذكر تعريفاً مختصراً عن السورة:
تسمى هذه السورة سورة غافر؛ لافتتاحها بتنزيل القرآن من الله غافر الذنب، وقابل التوب، والغافر من صفات الله وأسمائه الحسنى، وتُسمى أيضاً سورة «المؤمن» لاشتمالها على قصة مؤمن آل فرعون.
وسورة غافر والحواميم السبع مكية، فهي تُعنى بأصول العقيدة كسائر السور المكية، ولذا جاءت آياتها لإثبات العرش، وإنها الصراع بين أهل الحق وبين أهل الباطل أو فريق الهدى وفريق الضلال، وقد ابتدأت بإعلان تنزيل الكتاب الكريم من الله المتصف بالصفات الحسنى، وهاجمت الكفار الذين يجادلون بالباطل، ثم وصفت مهام ملائكة العرش وأخبرت عن طلب أهل النار الخروج منها لشدة العذاب ورفض هذا الطلب، وأقامت الأدلة على وجود الله القادر وخوّفت من أهوال القيامة وأنذرت الكفار من شدائد ذلك اليوم.
ثم لفتت الأنظار لموضع العبرة من إهلاك الأمم العابرة وهو كفرهم بالآيات البيّنات التي جاؤوا بها، وخصّت بالذكر قصة موسى عليه السلام مع فرعون وهامان وقارون، وما دار من حوار بين فرعون وقومه وبين رجل من آل فرعون يكتم إيمانه، وما فعله فرعون الطاغية من قتل أبناء بني إسرائيل واستحياء نسائهم خشية انتشار الإيمان في قومه، وانتهاء القصة بهلاك فرعون بالغرق في البحر مع جنوده، ونجاة موسى وقومه، جند الإيمان في ذلك العصر وتلك قضية الإيمان والطغيان.
وقد أردف ذلك بإعلان خذلان الكافرين ونصر الرسل والمؤمنين نصراً مؤزراً في الدنيا والآخرة، وختمت القصة بأمر النبي ﷺ بالصبر على أذى قومه كما صبر موسى وغيره من أولي العزم، ثم أوردت السورة الأدلة الكونية على وحدانية الله وقدرته وضربت المثل للمؤمن بالبصير وللكافر بالأعمى؛ فالمؤمن نيّر القلب والبصيرة بنور الله والكافر مظلم النفس يعيش في ظلمة الكفر، وأتبعت ذلك ببيان نعم الله على عباده من الأنعام والفلك وغيرها.
وختمت السورة بما يؤكد الغرض المهم منها: وهو الاعتبار بمصرع الظالمين المكذبين وما يلقونه من أصناف العذاب ومبادرتهم إلى الإيمان حين رؤية العذاب ولكن لا ينفعهم ذلك، فإن سنة الله الثابتة ألا يقبل إيمان اليأس أو حال رؤية البأس.
وبعد:
تناولت الحديث في هذا الكتيّب عن مؤمن آل فرعون في دفاعه عن موسى (عليه السلام)، وأساليبه العقلية والعاطفية والدعوية في دعوة قومه للتوحيد والإيمان بموسى (عليه السلام)، وقمتُ بمقارنة بين مؤمن آل فرعون وأبي بكر الصديق رضي الله عنه في الدفاع عن دعوة التوحيد ودعوة الناس إليها، وكيف استخدم مؤمن آل فرعون أساليب الدعوة، وانتقل في مراحلها من السرية إلى المجاهرة، ووظّف سنن الله في خطابه للعقول والقلوب، وما هو مصيره ومصير آل فرعون في النهاية كما جاء في سورة غافر.
تم إعداد كتيب «مؤمن آل فرعون» من كتاب موسى كليم الله (عليه السلام) في بداية عام ٢٠٢٤م. وهو قيد التحرير والمراجعة والطباعة في دار الأصالة التركية ودار ابن كثير.
وإن الفضلُ لله عزّ وجل من قبل ومن بعد، فأسأله سبحانه وتعالى أن يتقبل هذا العمل قبولاً حسناً، وأن يكرمنا برفقة النبيّين والصّديقين والشهداء والصالحين.
والحمد لله رب العالمين.

Advertisements

قد تقرأ أيضا