الارشيف / حال قطر

خطبة فضيلة الشيخ د. محمد حسن المريخي بجامع الإمام محمد بن عبد الوهاب عن حلاوة الإيمان بالله وأثره في الدنيا و الآخرة

الدوحة - سيف الحموري - أوضح فضيلة الشيخ د. محمد حسن المريخي خلال خطبة الجمعة التي ألقاها بجامع الإمام محمد بن عبد الوهاب أن الذي ينظر في دنيا الناس وأحوالهم ومعيشتهم يجد فريقا من الناس يعيش أشكالا من التعب والشقاء تفور صدورهم وتنفث ألوانا من التعب والشقاء، ضجر وشقاء يعصف بأمنهم وأمانهم وطمأنينة قلوبهم، ضجر يفقد الراحة والسعادة ومعه يغيب الرضا والسكينة، نفوس منغمسة في أضغانها وأحقادها وبؤسها وأنانيتها، وإذا أعاد الناظر المتبصر الكرّة فنظر إلى الجانب الآخر رأى فئاما من الناس راضية مرضية، قد نعمت بهنيء العيش وفيوض الخير، كريمة على نفوسها كريمة على الناس طيبة القلب سليمة الصدر طليقة المحيا طيبة ودودة مباركة.

وأضاف: فما الذي فرّق بين الفريقين؟ وما الذي بين هذين؟ إنه الإميان وحلاوة الإيمان، الإيمان بالله سبحانه والشهادة بوحدانيته والاستسلام له من أجلّ النعم وأعظم المنن، درجة عالية ومقام رفيع يتفضل الله سبحانه به على من يشاء من عباده، هو عز الدنيا وفلاح الآخرة "قد افلح المؤمنون" ويقول عز وجل "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات.."  يرفع أهله ويسمو بهم في علياء المعالي والمكارم، له حلاوة وطعم ومذاق خاص، طعم يفوق كل الطعوم ومذاق يعلو على كل مذاق، ونشوة دونها كل نشوة، حلاوة الإيمان حلاوة في نفس رضية وسكينة قلبية تسري سريان الماء في العود وتجري جريان الدماء في العروق فلا أرق ولا ضيف ولا حرج ولا قلق بل سعة ورحمة ورضا ونعمة وأمل "ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما"، "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم".

وذكر الخطيب أن الإيمان حصن حصين في الدنيا والآخرة يحفظ بإذن الله صاحبه  "إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون"، والإيمان هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، هذا هو الإيمان أو بعض معانيه هو السكينة للنفوس والهداية للقلوب ومنار وسراج للسالكين وأهل لليائسين وأمان للخائفين ونصرة للمجاهدين.
وأردف: وأما المؤمن الذي شرفه الله بالإيمان فما أظلت العلياء ولا أقلت الغبراء وما مشى على وجه البسيطة أحد مثله منذ خلق الله الخليقة، أثنى عليه ربه عز وجل ووعده خيري الدنيا والآخرة، وعده بالرحمة والجزاء الضافي فقال "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم" ووعده بالحياة الطيبة والجزاء في الآخرة فقال "من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون" ووعده بالأمان والاطمئنان فقال "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة" وقال تعالى "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون".

ولفت الشيخ د. محمد المريخي أن في القرآن الكريم خمسون آين في الذين آمنوا وعملوا الصالحات، تبشرهم وتطمئن قلوبهم وتزكيهم وتثني عليهم وتشكر سعيهم وتبارك مسعاهم وتشد من أزرهم، وإذا رأيت ثم رايت حال المؤمن رأيت العجب، عبد آمن بالله ورسوله قد غسله إيمانه ووجهه وطهره والبسه من الحلل وأجلسه في الظلل أينما يولي وجهه فثم وجه الخير والبركة.

وقال: إن المؤمن هو من آمن بالله ورسله وكتبه ولا يستحق هذا الاسم والشرف غيره، وأكد على هذا المعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مثبتا هذا الشرف للمؤمن، نافيا أن يكون لغيره ممن شرقت بهم الدنيا وغربت بهم آراؤهم وأفكارهم وتوجهاتهم ومذاهبهم فقال "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا" رواه مسلم، فهو المؤمن حقا، تذوق حلاوة الإيمان وتذوقه بقلبه وهذا لا يدركه إلا من امتلأ صدره بالإيمان.

وأكد الخطيب أن للإيمان مذاقات وطعوم يصل المؤمن بها إلا الإيمان ويشرف بعالي الدرجات ورفيع المقامات، أولها: الرضا بالله ربا والاستسلام له وتسليم الأمور له واليقين به تبارك وتعالى والاعتقاد الجازم بتدبيره وإدارته للكون وحده لا شريك له، فما يريده يكون وما لا يريده لا يكون على كل شيء قدير لا يكون شيء في الكون إلا بإذنه، بيده الخلق والأمر وإليه يرجعون هو الحق وغيره الباطل، والمذاق الثاني: الرضا بالإسلام دينا وحيدا من عند الله هو المعتمد عند الله ومن جاءه بغيره فهو في الآخرة من الخاسرين، بسط ظله وكيانه على الأرض كلها ولو كره الكافرون، من حكم به عدل ومن قال به صدق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن لم يحكم به فأولئك هم الكافرون والظالمون والفاسقون، والمذاق الثالث: الرضا بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا ونبيا ناصحا ورحمة وأسوة وقدوة لا ينازع في طاعة ولا يزاخم في حكم، "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما"، والرضا به هداية واقتداء وسنته استضاءة ونور وبصيرة مهدد من خالف أمره وعصاه ومصنف من لم يستجب له بأنه متبع لهواه، يقول صلى الله عليه وسلم"ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وان يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود ي الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار ..".

ونوه الشيخ محمد المريخي أن المؤمن بالله عز وجل بركة على البلاد والعباد والأرض كلها "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" تحصن المؤمن بأقوى الحصون -حصن الإيمان- وتدرع باشد وأقوى الدروع درع حماية الرحمن وتدثر بأبهى الدثور والحلل دثار الإسلام ثوبه وغطاؤه، يرحم الله بالمؤمن أقواما ويبارك به فيهم ويتفضل به على آخرين، إذا مشى المؤمن على الأرض مشى سويا وإذا سار سار تقيا وإذا اؤتمن أدى وإذا استودع حفظ وإذا صدق صدق وإذا حرث اخلص لا يكدب ولا يخون ولا يخفر الذمة، أحبه الله تعالى لإيمانه وغخلاصه فكان سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر بها ويده التي بطش بها ورجله التي يمشي عليها، ولئن سأله ليعطينه ولئن استعاذه ليعيذنه.

وقد أبدى رسول الله صلى الله عليه وسلم إعجابه بالمؤمن فبلغ العلا في مدحه والثناء عليه فنعم المتعجب والمتعجب به، يقول صلى الله عليه وسلم "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابه سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له" ، قال العلماء العجب على وجه الاستحسان لشأن المؤمن لأنه في أحواله وتقلباته لا يخرج عن الخير والصلاح والنجاح وهذا الخير ليس لغيره إلا المؤمن فإن حاله المبارك هذا يستدعي العجب، فإنه مأجورن يؤجر في الأحوال كلها في سرائه وضرائه، فالخير يدور معه في كل أحواله، ألا يستدعي هذا العجب؟ بلى والله، والله يدبره ويقيض له الأسباب التي ترفع له الدرجات بإذن الله ويهيأ له مغفره الذنوب.

وتابع الخطيب: فما أحوجنا نحن أهل هذه الأزمنة التي طغت فيها الماديات وقل فيها الإيمان ما أحوجنا إليه لمواجهة الفتن والمحن والعواصف والكوارث وما انتشر وينتشر من الإلحاديات والكفريات والانسلاخات وخبث التصرفات والمكيدات، ألا وإن ما في النفوس والقولب من الحيرة والقلق والاصطراب والوساوس، والأفكار الشيطانية لا يطردها ويسوقها إلا الإيمان وتحطها طاعة الرحمن، وللأسف فإن الناس اليون يبحثون عن علاجات لما في قلوبهم في الشرق والغرب بل من العمى أنهم يصدقون ما يردده الكفار والملحدون من أن الموسيقى وأخواتها توصف علاجا لضيق الصدور وعمى القلوب وما علموا أنه ستزيدهم بلاء إلى بلائهم.

وتعالوا إلى ما نصح الله به ورسوله، لزيادة الإيمان وطرد أعوان الشيطان من ملازمة الطاعة والمتابعة لرسول الله وقبل ذلك اليقين بالله رب العالمين، والاعتقاد الجازم بأنه وحده مذهب الهمةم وطارد الظنون ومطهر القلوب من الأضغان والأحقاد، ثم ملازمة الذكر الحكيم ومرافقته والتزود منه "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وغذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون" وملازمة الذكر والأوراد والتفكر في ىيات الله الشرعية والكونية واجتناب المعاصي والذنوب وما يقسى القلوب وما أكثرها ي هذا الزمان.

من ذاق حلاوة الإيمان طاب عيشه وعرف طريقه وسار على بصيرة، فما رات الدنيا ولن تر منظرا وزيا أو لباسا أجمل من سمت الصالحين، لم تر تواضعا وخضوعا أحسن من انحناء الراكعين وجباه الساجدين ولن تر جنة في الدنيا أمتع وأطيب من جنة المؤمنين وهم في محاريبهم يتعبدون.

كما أكد الشيخ د. محمد المريخي أنه بالإيمان ومذاقه وحلاوته يتخلص المؤمن من رقة الهوى ونزغاتا لنفس الأمارة بالسوء وهمزات الشياطين وفتن الدنيا، وحلاوة الإيمان يها ترطيب لجفاف المادة الطاغية وحدّ ومنع للجشع والجزع وغرس لخلال الخير والبر والرحمة، فآمنوا بالله ورسوله رحمكم الله واعتنوا بالإيمان ولا تغفولا عنه فقلوبكم وأنفسكم في أمس الحاجة للغيمان والدنيا اليوم بمحنها ومصائبها لا يؤدبها إلا الإيمان بالله ورسوله ولا يضبط بوصلتها إلا هو، فآمنوا خيرا لكم.

Advertisements

قد تقرأ أيضا