ابوظبي - ياسر ابراهيم - الثلاثاء 25 مارس 2025 06:24 مساءً - جاي هندرسون، النائب الأول لرئيس المنتجات في ألتريكس
لطالما نُظر إلى محللي البيانات على أنهم العمود الفقري للبيانات المؤسسية، وذلك بفضل قدرتهم الاستثنائية على التعامل مع الأرقام وتحضير التقارير وضمان حصول صناع القرار على أهم المعلومات التي يحتاجون إليها. ولكن عصر الذكاء الاصطناعي والأتمتة أدى إلى تغييرات كبيرة في دور المحلل. على مدى السنوات العشر الماضية، خضع دور محلل البيانات لتحول جذري، إذ تقدر التوقعات زيادة الطلب بنسبة 35% بحلول عام 2031.
بالإضافة للارتباط الوثيق بين هذا التحول واستبدال التكنولوجيا للجهد البشري، يمكننا أن نعزو هذا التوجه إلى قدرة الذكاء الاصطناعي على تعزيز الخبرات البشرية، وتحرير المحللين من القيام بالمهام المتكررة حتى يتمكنوا من التركيز على ما هو أهم: استخلاص الأفكار، وتشكيل استراتيجيات فاعلة للعمل، وتعزيز ثقافة تقود فيها البيانات القرارات على كل مستوى.
قضت النماذج المتقدمة لتعلم الآلة، والتي تتميز بقدرتها على تنظيف البيانات وتصنيفها وتفسيرها بصورة لحظية، على حاجة المحللين إلى آليات مخصصة لمعالجة البيانات. بدلاً من ذلك، أصبح عليهم سرد قصص مقنعة باستخدام البيانات يقومون من خلالها بتوفير السياق، وشرح السببية، وتوجيه القيادة نحو اتخاذ قرارات أفضل.
هذا التحول يؤكده استبيان أجرته شركة ألتيريكس أخيراً لمحترفي البيانات. وفقاً للاستبيان، أفاد 94% من المحللين أن لدورهم الحالي تأثيراً بشكل مباشر على اتخاذ القرارات الاستراتيجية، بينما شهد 87% زيادة التأثير على نتائج أعمالهم مقارنة بالعام الماضي. يسلط هذا التحول الضوء على الاعتراف المتزايد بأن البيانات ليست مجرد مورد يتطلب الإدارة، بل أصل استراتيجي يحدد نجاح المؤسسات عند الاستفادة منه بشكل صحيح.
تعتبر إمكانية الوصول إلى الذكاء الاصطناعي أحد أهم الحواجز التي تحول دون الاستفادة من إمكاناته الكاملة. يتطلب بناء نماذج الذكاء الاصطناعي عادة خبرات تقنية راسخة، مما يحصر استخداماته ضمن فرق متخصصة للغاية من علماء البيانات. لكن ذلك قد تغير مع ظهور منصات تعمل دون الحاجة إلى التشفير البرمجي أو تعمل بمعدل قليل من التشفير، مما وضع قوة الذكاء الاصطناعي مباشرة في أيدي المحللين.
تسمح هذه المنصات للمحللين ببناء واختبار ونشر نماذج تنبؤية دون الحاجة إلى كتابة برمجيات وشفرات معقدة. هناك علاقة كبيرة بين هذا التحول نحو الذكاء الاصطناعي والكفاءة لتمكين جيل جديد من المتخصصين في البيانات من العمل بشكل مستقل دون الحاجة للاعتماد المستمر على فرق تكنولوجيا المعلومات أو علوم البيانات. نتيجة لذلك، تشهد المؤسسات أوقات استجابة أسرع ومرونة أكبر في اتخاذ القرار وسلاسة أكثر عند دمج الذكاء الاصطناعي في عملياتها اليومية.
كما أن هناك تحولاً حاسماً جديداً في القطاع يتمثل في التوقعات المتزايدة للمحللين للتعاون على إنجاز مهام متعددة. في الماضي، كانت فرق البيانات تعمل في عزلة وتسلم التقارير ببساطة. أما الآن فترى المؤسسات أن القرارات القائمة على البيانات تحتاج إلى التعاون بين الإدارات.
يعمل المحللون الآن جنباً إلى جنب مع فرق التسويق والتمويل والعمليات والمنتجات لترجمة البيانات إلى إجراءات ذات صلة، مما يزيد تأثير التحليلات ويضمن استخدام البيانات بطرق عملية وفي الوقت المناسب وتوافقها مع أهداف الشركة.
مع قدرات الذكاء الاصطناعي المتنامية، يتساءل الكثيرون عما إذا كان دور المحلل سيتلاشى عن قريب. ومع ذلك، تشير بيانات القطاع إلى خلاف ذلك. يرى 90% من المحللين أن الذكاء الاصطناعي سيعزز نموهم الوظيفي، بينما يشعر 17% فقط بالقلق من أن الذكاء الاصطناعي يحل محل وظائفهم.
يعود هذا المنظور المتفائل إلى حقيقة أن الذكاء الاصطناعي لا يلغي الوظائف، بل يحولها. من خلال أتمتة المهام المتكررة، يسمح الذكاء الاصطناعي للمحللين بالتركيز على أعمالهم لتطوير حلول مبتكرة، تحقيق أكبر تأثير، تحديد الأنماط الناشئة، وتقديم التوصيات والمشورة القائمة على البيانات لصناع القرار.
سيحدد الذكاء المعزز مستقبل التحليلات، حيث تتكامل الخبرات البشرية والأتمتة القائمة على الذكاء الاصطناعي. وبالنسبة للمحللين الحريصين على تعلم أفضل الطرق لتسخير الذكاء الاصطناعي، سيجدون أن الطلب قد ازداد عليهم من أي وقت مضى، ليس فقط لمهاراتهم التقنية ولكن لقدرتهم على تفسير البيانات المعقدة، وطرح الأسئلة الصحيحة، وترجمة الأفكار إلى أفعال.
مع تسارع تبني الذكاء الاصطناعي، ينبغي أن تعيد الشركات التفكير في كيفية تجهيز وتمكين محترفي البيانات ضمن المنظومة المؤسسية بسرعة. سيصبح محللو المستقبل مسؤولين عن إدارة البيانات واستراتيجيين مبتكرين، ورواة قصص يقودون التغيير ويعززون الميزة التنافسية.
في هذا المشهد المتطور، ستزدهر المؤسسات التي تستثمر في قدرات التحليلات المتقدمة، ومعارف الذكاء الاصطناعي، والثقافة القائمة على البيانات، وسيصبح المهنيون الذين يتبنون هذه التغييرات ويركزون على التعاون والتواصل وتفسير البيانات باستخدام الرؤى المدعومة بالذكاء الاصطناعي في طليعة العصر القادم من البيانات المؤسسية.
هذا هو عصر ثورة البيانات. والسؤال الوحيد الذي ينبغي طرحه هو: هل نحن مستعدون لاحتضانها؟