حال المال والاقتصاد

تحديات كبيرة أمام نجاح التحول الأخضر للشركات الأوروبية

ابوظبي - ياسر ابراهيم - الجمعة 11 أكتوبر 2024 01:23 صباحاً - ريتشارد ميلن

تدرس وكالة نرويجية للسيارات بيع سيارات تعمل بالبنزين أو الديزل، خلال العام المقبل، في الوقت نفسه، تواجه شركة صناعية سويدية ناشئة حاجة ماسة إلى رأس مال جديد رغم أنها جمعت بالفعل 15 مليار دولار، كما أن الإقبال ضعيف هذا العام على اقتناء المضخات الحرارية في جميع أنحاء أوروبا.

للوهلة الأولى قد تبدو هذه الأخبار الثلاثة عشوائية وغير مترابطة، إلا أنها مجتمعة تقدم دلالات على تحديات يواجهها بعض قادة الشركات في أوروبا فيما يتصل بالتحول الأخضر. ويعرب هؤلاء القادة عن مخاوفهم من أن صناع السياسيات في أوروبا غير مستعدين تماماً للتعامل مع التكاليف الكبيرة، التي قد تتحملها القارة في هذا التحول، مشيرين إلى الحاجة لمئات مليارات اليورو اللازمة وإعانات الدعم. كما حذر قادة الأعمال من أن المنافسين، مثل الصين والولايات المتحدة، مستعدون للانقضاض.

وقال أحد رجال الصناعة الأوروبيين «لا أعتقد أن الحكومات الأوروبية أدركت حقاً مدى التكلفة التي ستترتب على هذا التحول، لكن فيما يتعلق بالوظائف والأعمال التجارية من المهم ألا تتخلف أوروبا عن الركب».

ولنأخذ صناعة السيارات على سبيل المثال، فهناك معارضة هائلة من شركات تصنيع السيارات في القارة تجاه مقترح التخلص التدريجي من المركبات العاملة بالوقود الأحفوري بحلول عام 2035، إلا أن النرويج كان لها السبق في هذا السياق، وهي على المسار الصحيح لبيع السيارات الكهربائية فقط بحلول العام المقبل، بفضل الحوافز السخية التي تقدمها، لكن شركات صناعة السيارات التقليدية ليست مستفيدة، فغالباً ما تتصدر شركة تسلا بانتظام قائمة مبيعات السيارات الجديدة في النرويج، في حين تضم منطقة التسوق الرئيسية في أوسلو وكالة سيارات واحدة فقط للعلامة التجارية الصينية نيو، لكن إعلان ميزانية النرويج كشف نقاط الضعف في هذا التحول، حيث دفع الخفض الضريبي الطفيف على المركبات التي تعمل بالوقود الأحفوري أكبر وكالة سيارات في النرويج إلى التفكير في إعادة بيع سيارات البنزين والديزل العام المقبل.

وأي شعور بالراحة للصانع الأوروبي سيكون قصير الأجل، حتى مع مضي بروكسل في فرض رسوم جمركية على السيارات الكهربائية الصينية المدعومة، وأظهرت التجارب التي أجراها البنك المركزي الأوروبي، والتي استشهد بها رئيسه السابق، ماريو دراغي، في تقريره عن القدرة التنافسية، إلى أنه إذا تلقت شركات السيارات الصينية إعانات مماثلة للتي تتلقاها الشركات الصينية لصناعة الألواح الشمسية فإن الإنتاج المحلي الأوروبي من السيارات الكهربائية سينخفض بنسبة 70 %، وستنخفض الحصة السوقية العالمية لمصنعي السيارات الأوروبيين بنحو 30 نقطة مئوية.

ويقول فنسنت كليرك، الرئيس التنفيذي لشركة الشحن «إيه بي مولار ميرسك»، إن أوروبا تواجه «خياراً قاسياً»، فإما أن تفرض رسوماً جمركية «لرفع تكاليف المنتجات التي من شأنها تسريع التحول الأخضر لحماية الطرق القديمة»، أو السعي لخلق رواد صناعيين جدد يعتمدون على الابتكار.

وتسلط رحلة أحد المشروعات، وهو مصنع للبطاريات في السويد تابع لشركة نورثفولت، الضوء على الصعوبات، حيث يمكن اعتباره المشروع الأخضر الرائد في القارة، والذي يهدف إلى مواجهة الهيمنة الآسيوية داخل هذا القطاع الحيوي، لكن رغم أنه جمع أكثر من 15 مليار دولار في شكل أسهم وديون وإعانات فإن الشركة الناشئة السويدية تقاتل للبقاء، وهي بحاجة ماسة لرأس مال جديد، ولم تتمكن سوى من بدء الإنتاج بجزء ضئيل من طاقتها الكاملة.

ورداً على ذلك قدمت الولايات المتحدة حوافز ضخمة من خلال قانون خفض التضخم. وتقدر شركة نورثفولت أن القانون سيدعمها بأكثر من 8 مليارات يورو طيلة عمر مصنع البطاريات، في حين أبلغت فولكس فاغن مسؤولي الاتحاد الأوروبي أن المبلغ سيتراوح بين 9 - 10 مليارات يورو. وقدمت بعض الحكومات الأوروبية، مثلما الحال في ألمانيا، حوافز لشركة نورثفولت وشركات أخرى، ولكن ليست بنفس القدر. وفي الوقت نفسه استبعدت السويد إمكانية إنقاذ الدولة للشركة المصنعة للبطاريات. ويتساءل رجل أعمال سويدي «كيف ستبدو أوروبا بدون صناعة السيارات والبطاريات»، في إشارة إلى أن 14 مليون شخص يعملون في صناعة السيارات داخل الاتحاد الأوروبي.

والواقع أن العديد من الصناعات الأخرى تواجه وضعاً مماثلاً، حيث تكثر الأسئلة حول وتيرة وتكاليف التحول الأخضر، فخلال النصف الأول من العام الجاري، انخفضت مبيعات المضخات الحرارية - المصممة لتكون أكثر كفاءة وأقل تلويثاً من الغلايات التي تعمل بالغاز- إلى النصف تقريباً في أوروبا مع تضاؤل الإعانات، كما خففت ألمانيا الحظر المفروض على الغلايات الجديدة، التي تعمل بالغاز والنفط بعد أن أثار رد فعل شعبي وسياسي، وفي حين تواجه أوروبا صعوبات حتى في المجالات التي كانت تهيمن عليها في السابق أشار دراغي إلى أن الاتحاد الأوروبي كان يمثل ثلثي رأس المال الاستثماري في المراحل المبكرة للهيدروجين من عام 2015 إلى 2019، لكن هذه النسبة انخفضت إلى 10 % فقط في الفترة 2020 - 2022.

ودفع هذا الوضع رجال الصناعة في أوروبا لدق ناقوس الخطر باستمرار، مطالبين صناع السياسات بتقديم أموال كثيرة لتطوير الصناعات الخضراء المناسبة. ويرى فنسنت كليرك أن «التحول الأخضر هو عملية لم يخضها أي منا، ولا يمكن لأي منا تحقيقها بمفرده، فهي تنطوي على درجة عالية من التعقيد، وتستغرق وقتاً طويلاً».

Advertisements

قد تقرأ أيضا