الارشيف / حال الكويت

«المذيع الافتراضي»... وجاهة أم ضرورة تفرضها ثورة الميتافيرس والذكاء الاصطناعي؟

كتب ناصر المحيسن - الكويت في الأربعاء 31 مايو 2023 10:14 مساءً - كونا- تتداعى المؤسسات الإعلامية لتنهل من «عطايا» الذكاء الاصطناعي، الذي أذهل العالم بتطبيقاته العجيبة بداية من الخوارزميات التي تقدم مواد وإعلانات تلائم تجارب الجمهور وانتهاء بفضاء الميتافيرس ومروراً بالمذيع الافتراضي.

وكالة الأنباء الكويتية أخذت بأطراف تلك «العطايا» العصرية من بدايتها، فدشنت مساحتها في عالم الميتافيرس، وأطلقت «الأفتار» المعبّر عنها مستخدمة إياه في نشر موجز صوتي يحمل أهم الأخبار المحلية والدولية.

ومع زخم منتجات الذكاء الاصطناعي وتشعب اهتمامات متابعي أخباره ما بين سعي المؤسسات إلى تقليل نفقاتها وتوجس العاملين من الانتقال إلى «دكة البدلاء» يبرز سؤال تشخص له الأبصار: أيكون المذيع الافتراضي ضرورة ذات قيمة مضافة للمؤسسة الإعلامية أم من كماليات العصر الحديث؟

ضيف جديد

«كونا» حملت هذا السؤال إلى خبراء وأكاديميين ومستخدمين من الكويت و8 دول عربية، لاستقصاء الأمر وبلورة تصور واقعي لـ«الضيف الجديد» على «مأدبة» الإعلام المعاصر، لاسيما بعد توالي التجارب المحلية والإقليمية الواعدة بفيض زاخر من «الضيوف» الإلكترونيين.

سبق كويتي

ترى أستاذة علم الاتصال والإعلام الرقمي بجامعة الكويت الدكتورة بشاير الصانع، أن المذيع الافتراضي «مقبول إعلامياً إذا كان يُحاكي الواقع، لاسيما مع النماذج التي نكاد لا نفرق معها بين المذيع الحقيقي والمفترض»، معتبرة إياها مقبولة ومستحسنة رغم وجود نماذج بدائية ركيكة البرمجة.

ووسط هذا الخضم الهائج من التسابق التكنولوجي في المجال الإعلامي تلفت الصانع إلى أن الإعلام الكويتي مبادر في المنافسة بمضمار الذكاء الاصطناعي عبر أكثر من منصة إعلامية وخدمات إخبارية قدمت نماذج مختلفة تضمنت مذيعة افتراضية والعديد من تطبيقاته.

وتشير إلى أن «مواكبة وكالة الأنباء الكويتية للتطور التكنولوجي الحتمي أمر مهم» لأنها «يفترض أن تكون واجهة إعلامية متطورة تبرز وجه الكويت إلى العالم».

الروبوت جامد

لماذا لا يكون المذيع الافتراضي مساعداً للمذيع الحقيقي لا بديلاً له؟ بهذا التساؤل بيّنت الأستاذة المساعدة بكلية الاتصال وتقنيات الإعلام بالجامعة الخليجية بمملكة البحرين الدكتورة ميرهان محسن، أن المشاهد في العصر الحالي يحتاج إلى قوة تأثير لإقناعه وجذبه بشكل كبير، ولن يتأتى ذلك إلّا من خلال التواصل الطبيعي للمذيع.

وترى أن التواصل البشري يؤثر في الجمهور ويتفاعل معه وفقاً لمتطلبات المحتوى المطروح بعكس «تلقين المعلومات لروبوت جامد لا ولن يشعر به الجمهور ولن يحدث التأثير المطلوب» مبينة ان لجوء المؤسسة إلى المذيع الروبوتي يكون من باب الضرورة لمساعدة المذيع البشري في إطار المحتوى الخالي من المشاعر.

لا بديهة للافتراضي

وعند مقارنة البشر بالروبوت من حيث طاقة العمل لن تكون النتيجة في مصلحة «بني جلدتنا» لذا تقول أستاذة الإعلام السياسي بالمعهد العالي للاعلام وفنون الاتصال في مصر الدكتورة سارة نصر إن «المذيع الافتراضي أدهش الكثيرين لتواصل عمله بلا كلل أو ملل».

وتمنح الدكتورة سارة ذلك المذيع «سهاما» يضيفها إلى «جعبته» لتعينه في «معركته» مع بني البشر، حين أكدت «جودته في القراءة بأكثر من لغة مع قلة تكلفة الاستعانة به» ما يعني أنه ذو قيمة مضافة للمؤسسة التي تعتمده.

ولكنها تعود فتنزع عنه بعضا من مزاياه بالقول، إن «تطور الذكاء الاصطناعي متغوّل ومتسارع، ولكنه لن يستطيع المنافسة في كل المجالات بالكفاءة نفسها»، فمثلا المذيع الحواري يحتاج إلى التلقائية وسرعة البديهة واستقاء الأسئلة من واقع الحوار للحفاظ على حيوية اللقاء وهو ما لا يتوافر لدى المذيع الافتراضي.

للموضوعات العلمية

قد تكون بعض المجالات أنسب للمذيع الافتراضي منه للمذيع البشري، فالصحافية سلمى الأمين رئيسة القسم بجريدة «أخبار اليوم»، تستصعب الاستعانة به في كل أنواع المحتوى فمن الممكن أن يكون ضرورة مثلا عند تخصيصه في الموضوعات العلمية والحسابية والمجالات التي لا تحتاج إلى تفاعل أو إظهار المشاعر أو التصرف الآني المناسب لحدث طارئ.

ضد الآلة

وعلى النقيض من الآراء «الممسكة بالعصا من المنتصف» تؤكد الكاتبة والصحافية بقناة الجزيرة في قطر دعاء الشامي، أنها تدعم «المذيع العادي» في معركته مع الآلة.

فهي لا تحب فكرة المذيع الافتراضي حتى «إن صار واقعاً نعيشه وبدأ يظهر في كثير من وسائل الإعلام سواء للتجربة أو الوجاهة»، فهو في نظرها يفتقد المشاعر وسرعة البديهة وفهم طبيعة المجتمعات ومغزى بعض المعاني والجمل.

الإحساس البشري

ومستشهداً بمواقف واقعية يتخذ مصطفى مخلوف وهو منتج محتوى بمؤسسة (الشرق للأخبار)، موقفاً مشابها لموقف الشامي، حيث يتساءل «مَنْ ينسى صوت المذيع أحمد سعيد في نكسة 1967؟ ومَنْ لا ينطبع في ذاكرته صوت إعلان عبور خط بارليف في 1973؟ ومَنْ ينسى صوت خيري حسن وهو يتلو البيانات العسكرية في حرب الخليج الثانية؟».

ويُقرّر مخلوف بصوت الواثق «مهما بلغت تقنيات توليد الصوت بشكل آلي فلن يبلغ إحساس وعاطفة المذيع البشري الذي ينقل الخبر إلى جوارحك بتعبيرات الوجه ولغة الجسد والبُعد عن النمطية».

سيد المرحلة المقبلة

وبعكس مخلوف والشامي، يُشيد مصطفى مكرم صانع المحتوى بالمذيع الافتراضي الذي «يتطور بشكل رهيب وسريع»، حتى «أصبح في صورة تقارب البشر بشكل كبير خصوصاً في ما يخص نبرة الصوت إلى درجة تجعله مشابهاً لحد التطابق مع المذيع الواقعي»، الأمر الذي يؤكد «سيادته وضرورته في المرحلة المقبلة».

المذيع تعبير ومشاعر

قد يكون المذيع الافتراضي غير صالح في المهمات الوظيفية المتحركة. فالمواطنة صفية الخطيب التي تعمل في مجال الترجمة، رأت أنه «غير مقبول» لحاجة المذيع إلى التعبير عن المشاعر ولغة الجسد وتعبيرات الوجه.

وتشير الخطيب إلى أنه «جامد ولا يستطيع التفاعل مع طبيعة الرسالة التي يؤديها» إلا أنها قد يكون ضرورة فعلية للمؤسسة الإعلامية عند تقديمه النشرة الجوية مثلا أو الأخبار الموجزة.

الرد الآلي

وقصر صحافي التخطيط بقناة سكاي نيوز عربية أحمد بدري، ضرورة المذيع الافتراضي على المنصات التي تتطلب الرد الآلي «لافتقاده التفاعل الإنساني» إذ إنه «لا يصلح لقراءة الأخبار والحوار مع الضيوف على الهواء مباشرة».

وتحدث عن تجربة عملية مع الذكاء الاصطناعي في شأن الشق التحريري حيث طلب وزميل له في سكاي نيوز عربية من موقع يستخدم الذكاء الاصطناعي كتابة نص عن التغير المناخي «فتضمنت إجابته مقالات عامة ومعلومات سطحية إضافة إلى ما كان في النص من خلل واضح في تركيب بعض الجمل باللغتين الإنجليزية والعربية».

أخبار صماء

«لا فرح ولا حزن.. فقط أخبار صماء تقارع الكتاب الصوتي بلا تفاعل أو مشاعر» هذه فحوى الرسالة التي يُمكن أن يقدمها المذيع الافتراضي من وجهة نظر حسان الشعري، وهو مدير محتوى ومدير أخبار في عدد من المؤسسات العربية.

ويشير الشعري، إلى أن هذا النوع من المذيعين «تطور حتمي»، وضرورة فرغم أن «ما يقدمه هو محتوى مصنوع من قبل البشر فذلك لن يتجاوز الوقت الحاضر إذ إن تلك المهمة دخلت ضمن مهمات الذكاء الاصطناعي ورويداً رويداً لن يقوم على النشرة الإخبارية إلا بشري واحد يدير تلك العناصر».

لا شغف ولا حماس

بدأ مدير المحتوى في إحدى الجهات الحكومية بالسعودية أحمد الخطيب، بالتأكيد على أن الذكاء الاصطناعي وكل تطبيقاته، ومنها المذيع الافتراضي ضرورة عصرية فاعلة وعملية، إلا أن «كل منتجاته قائمة على الفكرة والفكرة مصدرها البشر، فهم عنصر مهم في المعادلة شريطة أن يتطوروا».

واستبعد الخطيب الأخبار من بين اختصاصات المذيع الافتراضي «لافتقاده الشغف والحماس وتغيير نبرة الصوت مع تغير نوعية الأخبار ما بين الطريفة والحزينة والمفرحة».

موافقة 84 في المئة

استطلعت (كونا) آراء مجموعة متنوعة من مستخدمي وسائل الإعلام تراوحت أعمارهم بين 25 و55 عاماً مع مستويات تعليمية عالية.

أظهرت النتيجة موافقة 84 في المئة ممن استشرفت (كونا) آراءهم على ضرورة استعانة المؤسسات الإعلامية بالمذيع الافتراضي ضمن متطلبات عصر «ما بعد السرعة» وإن اشترط أغلبهم إسناد أعمال نوعية إليه كنشرات الطقس والموجز العلمي والرياضي والاقتصادي.

230 ألف مذيع افتراضي

بحسب موقع (العربية نت) يبث 230 ألف مذيع افتراضي منذ 2019 محتواهم على منصة شركة (Bilibili) الصينية العملاقة ما رفع وقت بث البرامج الافتراضية خلال 2022 بنسبة 200 في المئة عن العام السابق له.

انخفاض التكلفة 80 في المئة

يؤكد رئيس مشروع الأشخاص الافتراضيين وأعمال الروبوتات في شركة (Baidu) لي شيان، انخفاض تكلفة الشخص الافتراضي بنحو 80 في المئة منذ 2022، متوقعاً استمرار صناعة الشخصيات الافتراضية بشكل عام في النمو بنسبة 50 في المئة سنوياً حتى 2025.

فضة ونورا وابتكار

على وقع التنامي اللافت ظهرت تجارب في مصر كالمذيعة (أنا) في فبراير 2023، وفي قطر مثل (نورا) و(ابتكار) في مارس 2023 وفي الكويت (فضة) في أبريل 2023، لتتعلق الدول العربية بركب هذه «الصرعة» التي بدأت بـ«زيانغ شاو» مذيع وكالة الأنباء الصينية «شينخوا» في نوفمبر 2018 و«كيم» الكورية الجنوبية في نوفمبر 2020.

Advertisements

قد تقرأ أيضا