حال الكويت

تقنية مبتكرة وغير مسبوقة... تحلية مياه البحر وإنتاج الطاقة في آن واحد

  • 1/2
  • 2/2

كتب ناصر المحيسن - الكويت في الأحد 15 سبتمبر 2024 10:19 مساءً - كشف مدير برنامج تقنيات تحلية المياه في معهد الكويت للأبحاث العلمية الدكتور منصور أحمد، عن مشروع سينفذه المعهد قريباً، هو عبارة عن تقنية مبتكرة لتحلية مياه البحر وإنتاج الطاقة في آن واحد، عبر ترابط تقنيتي التناضح المباشر والتوربينات الغازية، حيث ستكون هذه التقنية من التكنولوجيات غير المسبوقة، والأولى من نوعها في العالم، من حيث التصميم والشكل وآلية التشغيل والسعة الإنتاجية للمياه العذبة، ما سيجعل لدولة الكويت السبق والريادة في تقديم تكنولوجيات مبتكرة في مجال تحلية مياه البحر.

وخلال جولة لـ«الراي» في محطة الدوحة الشرقية، تحدث الدكتور منصور عن محطات تحلية مياه البحر في البلاد، وأنواع التكنولوجيات المستخدمة فيها وتحدياتها، إضافة إلى الحلول المبتكرة لمواجهة تحديات شح الموارد المائية، ومحطات التحلية والأمن المائي في البلاد، مشيراً إلى أن الكويت تمتلك ثماني محطات لتحلية مياه البحر، سبع منها تدار عبر وزارة الكهرباء والماء والطاقة المتجددة، وواحدة منها تدار عبر القطاع الخاص بإشراف الوزارة.

وذكر أن الكويت تطبق أفضل التكنولوجيات المتاحة عالمياً، من خلال تقنية التقطير الفجائي متعدد المراحل، وتقنية التقطير متعدد التأثير، وتقنية التناضح العكسي، موضحاً أن تقنيتي التقطير الفجائي متعدد المراحل والتقطير متعدد التأثير، تصنفان ضمن التقنيات الحرارية التقليدية القائمة على تبخير مياه البحر، ومن ثم يتم تكثيف بخار الماء ليتم انتاج مياه مقطرة، أما التقنية الأخرى وهي تقنية التناضح العكسي فهي تصنف ضمن التقنيات الغشائية التقليدية وهي تعتمد على رفع الضغط الهيدروليكي لمياه البحر وتوجيهها نحو أغشية شبه نفاذة تسمح بمرور المياه العذبة ولا تسمح بالأملاح الذائبة بالمرور منها، محذراً من تركيب نظام التناضح العكسي على شبكة المياه العذبة في المناطق السكنية. وفي ما يلي نص الحوار:

ريادة وتعاون

• بداية، حدثنا عن نشأة محطات التحلية، والدور الريادي الذي لعبته الكويت في تطوير تكنولوجيات تحلية المياه.

- لعبت الكويت دوراً رئيسياً في تطوير تقنيات تحلية المياه على مستوى العالم، حيث تبنت الدولة تقنية التقطير الفجائي متعدد المراحل في بداية الخمسينيات، وكانت آنذاك غير مسبوقة أو مجربة في أي دولة أخرى. وقد تبنت الدولة هذه التكنولوجيا، وتم إنشاء محطة بسعة مليون غالون إمبراطوري من المياه العذبة في موقع الشويخ، وبعد نجاح هذه التجربة تمت توسعة محطة الشويخ، بإنشاء محطة أخرى بسعة مليوني غالون إمبراطوري، وقد أحدثت الدولة نقلة نوعية لجميع دول العالم في هذه التجربة الناجحة، حيث استفادت من تجربة الكويت جميع دول الخليج العربي، ودول شمال القارة الأفريقية والعالم.

• وهل تم تطوير هذه المحطات أو إدخال أي تكنولوجيات حديثة عليها؟

- نعم، فلم تقف الكويت عند هذا الإنجاز، بل لعبت دوراً ريادياً آخر في بداية الثمانينات، عبر تطوير تكنولوجيا تحلية المياه باستخدام تقنية التناضح العكسي، من خلال التعاون الإستراتيجي المشترك بين معهد الكويت للأبحاث العلمية ووزارة الكهرباء والماء والطاقة المتجددة، وكذلك بالتعاون العالمي بين الكويت وألمانيا واليابان. وقد أثمر عن ذلك الجهود البحثية مخرجات بحثية ومفاهيم علمية وعوائد تنموية، ساهمت في تصميم وإنشاء محطات تحلية مياه البحر، عبر تقنية التناضح العكسي في محطات الشويخ والدوحة والزور الجنوبية.

محطات

• كم عدد محطات تحلية المياه في الكويت؟ وما السعة الإنتاجية للمياه العذبة؟

- تمتلك الكويت 8 محطات لتحلية مياه البحر، 7 منها تدار عبر وزارة الكهرباء والماء والطاقة المتجددة، وواحدة منها تدار عبر القطاع الخاص بإشراف الوزارة، وهذه المحطات هي الصبية والدوحة الشرقية والغربية والشويخ والزور الشمالية والجنوبية والشعيبة الشمالية والجنوببة. وتبلغ السعة الإنتاجية الإجمالية للمياه العذبة 695 مليون غالون إمبراطوري يومياً، ومن المهم الإشارة إلى أن الكويت تحتل المرتبة الثالثة خليجياً والرابعة عالمياً في إنتاجية المياه العذبة من محطات التحلية.

• ما التكنولوجيات المستخدمة فيها؟ وكيف تتم عمليات التحلية؟

- الكويت تطبق أفضل التكنولوجيات المتاحة عالمياً، عبر تقنية التقطير الفجائي متعدد المراحل، وتقنية التقطير متعدد التأثير وتقنية التناضح العكسي. وبشكل عام تصنف تقنيتا التقطير الفجائي متعدد المراحل والتقطير متعدد التأثير، ضمن التقنيات الحرارية التقليدية القائمة على تبخير مياه البحر، ومن ثم يتم تكثيف بخار الماء ليتم انتاج مياه مقطرة.

أما التقنية الأخرى، وهي تقنية التناضح العكسي، فتصنف ضمن التقنيات الغشائية التقليدية، وهي تعتمد على رفع الضغط الهيدروليكي لمياه البحر وتوجيهها نحو أغشية شبه نفاذة، تسمح بمرور المياه العذبة، ولا تسمح بالأملاح الذائبة بالمرور منها. والمياه المنتجة من قبل جميع عمليات التحلية المذكورة تتم معالجتها لاحقاً للحصول على مياه عذبة صالحة للشرب، وفقاً للمعايير والقياسات والمواصفات التي وضعتها منظمة الصحة العالمية.

تكنولوجيا وجودة

• وما أفضل تكنولوجيا لتحلية المياه والأكثر تداولاً؟

- لا يوجد أفضل تكنولوجيا في تطبيقات تحلية مياه البحر، على اعتبار أن اختيار أفضل تكنولوجيا لتحلية المياه من موقع معين، ستعتمد على عدة عوامل مؤثرة، على سبيل المثال لا الحصر، نوعية ودرجة ملوحة مياه التغذية ونسبة عكارتها، بالإضافة إلى تركيبها الكيميائي وغيرها من العوامل المؤثرة.

• وماذا عن جودة المياه العذبة التي تنتجها محطات التحلية؟

- عند الحديث عن جودة المياه في الكويت، فلابد أولاً أن نثني على جميع المسؤولين والعاملين في وزارة الكهرباء والماء والطاقة المتجددة، لما يقدمونه من جهود حثيثة في تشغيل وصيانة محطات التحلية، وإنتاجهم للمياه وضبط جودتها وفقاً للمعايير المعتمدة عالمياً، وكذلك القيام بالتحقق من جودة المياه من خلال إجرائهم التحاليل الكيميائية والفيزيائية اللازمة للمياه العذبة في عدة مواقع مختلفة، مثل محطات التحلية ومراكز التجميع والتوزيع وشبكات المياه بشكل دوري ومستمر. كما لابد من الإشارة إلى تقارير دولية معتمدة صادرة من منظمة الصحة العالمية واليونيسيف التي رصدت جودة المياه العذبة حول العالم، وصنفت هذه التقارير جودة المياه المنتجة من محطات التحلية بالكويت بالمرتبة الأولى عربياً، والسادسة عالمياً. وهذا ما يؤكد أن درجة جودة المياه عالية في الكويت.

• لماذا يعكف الباحثون في معهد الأبحاث على تطوير تكنولوجيات تحلية المياه، في ظل وجود محطات تحلية أثبتت نجاحها في تحلية مياه البحر؟

- تقنيات التحلية المستخدمة في محطات التحلية من أفضل التقنيات المتوفرة تجارياً على مستوى العالم، ولكنها ليست مثالية لأنها تعاني من تحديات اقتصادية وفنية وبيئية، أسوة بالتقنيات الموجودة حول العالم، إضافة إلى أن الكلفة الرأسمالية والتشغيلية لهذه التقنيات تعد باهظة، وتستهلك كميات كبيرة من الطاقة، ونسبة إنتاجيتها للمياه العذبة محدودة، وتطرد كميات كبيرة من مياه عادمة عالية الملوحة، كما أنها تعاني تحديات فنية، مثل الترسبات الملحية والانسدادات والتآكل في معدات التحلية.

كما أن باحثي المعهد يكثفون جهودهم حالياً على تصميم تقنية جديدة ومبتكرة، لتحلية مياه البحر وإنتاج الطاقة في آن واحد، وستكون هذه التقنية الأولى من نوعها في العالم، من حيث التصميم والشكل وآلية التشغيل والسعة الإنتاجية للمياه العذبة، وفي حال بنائها وتشغيلها ستحقق للكويت السبق والريادة في تقديم تجربة جديدة فريدة من نوعها، ومبتكرة في عالم تطبيقات تحلية مياه البحر على مستوى العالم. وسيتم تقديم تفاصيل هذا المشروع للإعلام لاحقاً، بعد أخذ كافة الموافقات اللازمة لها من الجهات المعنية في هذا المشروع.

خطط وتحديات

• ما خطط المعهد لمواجهة تحديات الاقتصادية والبيئية لمحطات التحلية؟

- جميع أنظمة التحلية التقليدية تستهلك كميات كبيرة من الطاقة، حيث يتم حرق ما يعادل 350 ألف برميل يومياً من النفط، ليتم انتاج الطاقة للمستهلكين ولمحطات تحلية المياه، وهذه الكميات ضخمة، لابد من استبدالها بالطاقة المتجددة للقضاء على انبعاثات الغازات الضارة، مثل ثاني أكسيد الكربون من جهة، وكذلك الاستفادة من الاستثمار في هذه الكميات من النفط عبر تحويلها إلى إيرادات للدولة من جهة أخرى.

• هل لدى المعهد خطط لمواجهة تحديات محطات التحلية المتعلقة بطرد المياه الراجعة منها إلى البحر، مما لها أثر سلبي على البيئة البحرية؟

- يكرّس الباحثون جهودهم لمواجهة هذا التحدي، من خلال طرح تكنولوجيات جديدة وواعدة، للتخلص التام من المياه الراجعة، كما أن مركز أبحاث المياه التابع للمعهد أنجز عدة مشاريع بحثية بهذا الشأن، هدفت بالتخلص الآمن من المياه الراجعة من عمليات تحلية المياه، من خلال رفع إنتاجية المياه العذبة إلى الحد الأعلى، وفي نفس الوقت يتم استخلاص الأملاح والمعادن الثمينة، والقضاء على المياه الراجعة من محطات تحلية المياه بشكل كامل.

التنقية والتحلية

• ماذا تقول للمستهلكين الذين يشربون المياه من قناني المياه المعدنية؟ وهل للمياه المعدنية ضرر على صحة وسلامة الإنسان؟

- نحن دائماً نحرص ونحث المستهلكين على شرب المياه العذبة التي تنتجها محطات التحلية، ونوصي بتركيب فلتر لتنقية المياه في برادات المياه، مع الحرص التام على صيانة الفلتر بشكل دوري، وكذلك غسيل خزان برادة المياه بشكل دوري، وفقاً لتعليمات وتوصيات الشركات المصنعة لها.

أما قناني المياه فهي تتطلب تخزينا عند درجة حرارة معتدلة عند 25 درجة سيليزية، وألا تكون معرضة لأشعة الشمس لفترة طويلة لتفادي تحفيز تلوثها بسبب تكون البكتيريا، ما يجعلها غير آمنة وغير صالحة للشرب.

• لاحظنا أنك ذكرت أكثر من مرة تركيب فلاتر لتنقية المياه وليس تحلية المياه، فما الفرق بينهما؟

- الفرق بين عملية التنقية والتحلية أن عملية التنقية تقوم بفصل الشوائب عن المياه المنتجة، من دون أن تؤثر في التركيب الكيميائي للمياه المنتجة، في حين تقوم عملية التحلية بفصل الأملاح والمعادن الذائبة من المياه المنتجة منها، فتغير من التركيب الكيميائي للمياه المنتجة. لذا ندعو المستهلكين الذين قاموا بتركيب فلاتر التحلية في منازلهم إلى إزالتها فوراً واستبدالها بالفلاتر التي تعمل على تنقية المياه.

حلول للأمن المائي

أكد الدكتور منصور أحمد أن المعهد قدم حلولاً مبتكرة لمواجهة تحديات الأمن المائي، منها مشروع تقنية الشحن الاصطناعي للمياه العذبة على مستوى تجريبي، وذلك باستخدام مكامن المياه الجوفية كخزانات للمياه المحلاة الفائضة من محطات التحلية، أو المياه المنتجة من المعالجة الرباعية للصرف الصحي، بحيث يمكن اللجوء إليه كمخزون إستراتيجي، ليتم استغلاله عند زيادة الطلب على المياه أو لمواجهة حالات الطوارئ.

«كاظمة»... 6 آلاف عبوة في الساعة

تحدث الدكتور منصور عن مصنع كاظمة، مبيناً أنه «ينتج 6 آلاف عبوة في الساعة، وأن الهدف الرئيسي من إنشاء المصنع هو تقييم الجدوى الفنية والاقتصادية لهذا النموذج، لتحفيز المستثمرين في الكويت على إنشاء مصانع مياه مشابهة ترتقي بلاقتصاد الوطني وتساهم في زيادة الأمن المائي»، مؤكداً محدودية إنتاجية المصنع مقارنة بالشركات الخاصة التي يبدأ إنتاجها بـ36 ألف عبوة فما فوق في الساعة.

معوقات «التناضح العكسي»

قال الدكتور منصور إن «تكنولوجيا التناضح العكسي الأكثر شيوعاً وانتشاراً على مستوى العالم لتطبيقات تحلية المياه، بفضل مزاياها وقلة استهلاكها للطاقة، مقارنة بالنظم الحرارية، إلا ان هذه التكنولوجيا غير مجدية في محطات التحلية التي تعاني من ارتفاع نسبة عكارة مياه التغذية، والتي تحتوي على نسبة عالية من الطمي والرمال، مثل محطة الصبية على اعتبار أن أغشية التناضح العكسي حساسة، وستعرضها هذه النوعية من المياه إلى الانسداد، ما سيؤدي إلى توقف تشغيل محطة التحلية بشكل مستمر، لذا فالنظم الحرارية تعد الأفضل من تقنية التناضح العكسي لهذه النوعية من تطبيقات تحلية المياه».

صيانة الفلاتر والخزانات

أوصى الدكتور منصور المستهلكين للمياه بوضع مرشحات (فلاتر) لتنقية المياه من الشوائب، والتي عادة ما تكون مصادرها عند تركيب أو تحديث شبكات المياه، مشيراً إلى أن هذه الشوائب غير متجانسة مع المياه، ولا تؤثر سلباً على جودتها، كما شدد على ضرورة إجراء غسيل بشكل دوري ومستمر لخزانات المياه في مباني المستهلكين، بحيث تكون مرة واحدة بالسنة، لتفادي حدوث الترسبات والطحالب في خزان المياه.

مضار المياه الراجعة

كشف الدكتور منصور عن أن«محطات التحلية تنتج كميات كبيرة من المياه الراجعة، وهي مياه عالية الملوحة يتم تصريفها إلى البحر بعد تخفيفها، ما يترتب على ذلك من أثر سلبي على البيئة البحرية،خصوصاً أن المياه الناتجة عن عمليات التحلية تحتوي على كميات من الأملاح ودرجة حرارة أعلى نسبياً من مياه البحر. وفي ظل شح المصادر الطبيعية للمياه العذبة وقلة الموارد المائية في الكويت، تبقى عمليات التحلية السبيل الوحيد لتوفير المياه العذبة لسد حاجة المستهلكين سواء للأفراد أو للأنشطة الصناعية والزراعية والتجارية».

مشروع جديد... في طور التنفيذ

أعلن الدكتور منصور أن المعهد في طور تنفيذ مشروع تحلية المياه باستخدام الطاقة المتجددة حيث سيتم تنفيذ هذا المشروع على مرحلتين أساسيتين، الأولى مقارنة الجدوى الفنية والاقتصادية والبيئية، والثانية سيتم اختيار التكنولوجيات بناء على نتائج مخرجات المرحلة الأولى من المشروع، حيث سيتم تشييد محطات نموذجية تحاكي للتكنولوجيات المختارة بناء على مثيلاتها التي بحثت على مستوى وحدات تجريبية في المرحلة الأولى من المشروع. ومن بين التكنولوجيات المبتكرة التي سيتم تطويرها في هذا المشروع هي تقنيات التناضح المباشر وتقنيات التقطير الغشائي والتقطير الشمسي المتعدد وغيرها من التقنيات.

Advertisements

قد تقرأ أيضا