ابوظبي - ياسر ابراهيم - الاثنين 17 مارس 2025 12:05 صباحاً - أكد عدد من الأطباء وأخصائيي علم الاجتماع أن قرار الإنجاب بعد الخمسين بحاجة إلى دراسة شاملة توازن بين الرغبة في الإنجاب والمخاطر الصحية والاعتبارات الاجتماعية وذلك لضمان مستقبل صحي ومستقر للأم والطفل معاً والذي ينعكس بصورة مباشرة على المجتمع.
ويبقى الحمل بعد الخمسين حملاً عالي الخطورة، حيث تزيد احتمالية تعرض المرأة لمضاعفات صحية خطيرة، مثل ارتفاع ضغط الدم وتسمم الحمل، السكري الحملي، ومشاكل القلب والأوعية الدموية، زيادة خطر الولادة المبكرة والولادة القيصرية.
وأكد الدكتور سارج مطر، استشاري الإخصاب وأطفال الأنابيب إقبال بعض السيدات مؤخراً على الحمل بعد سن الخمسين، إلا أن هذا الأمر يحمل العديد من المخاطر الصحية.
وأضاف إنه في سن الخمسين، لا تزال النساء تحمل بويضات في مبايضهن، ولكن دون حدوث إباضة بشكل طبيعي، كما أن جودتها تكون غير مناسبة للتخصيب بسبب ارتفاع التشوهات الجينية ومع ذلك، بفضل التطور الكبير في تقنيات الإخصاب وحفظ الخصوبة، أصبح الحمل بعد انقطاع الطمث ممكناً، وذلك من خلال استخدام بويضات أو أجنة مجمّدة سابقاً في عمر أصغر أو من خلال بويضات متبرع بها.
وأشار الدكتور سارج إلى أنه إلى جانب التحديات الطبية، يطرح الحمل في سن متقدمة تساؤلات مهمة فمع التقدم في العمر، تزداد احتمالية تعرض الأم لمشكلات صحية خطيرة أو حتى الوفاة، ما قد يجعل الطفل يكبر في ظل أم غير قادرة على تربيته أو قد يفقدها في سنوات طفولته الأولى، كما أن هذا الطفل قد يجد نفسه في المستقبل مضطراً لرعاية أم مسنة بدلاً من أن تكون هي من ترعاه، مما يخلق عبئاً نفسياً واجتماعياً عليه.
خطورة
وأفادت الدكتورة هالة الخالدي أخصائية نساء وتوليد أن إنجاب طفل بعد الخمسين يمكن أن يكون أسهل من بعض النواحي، أيضاً أكثر صعوبة في نواحٍ أخرى، وأنه يصنف هذا الحمل تلقائيًا حملًا عالي الخطورة، حيث تتضمن بعض مخاطر الحمل في سن الخمسين تسمم أو انسمام الحمل (ارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل يمكن أن يهدد الحياة)، وسكري الحمل، والحمل خارج الرحم (عندما تنغرس البويضة خارج الرحم)، وارتفاع خطر الحاجة إلى ولادة قيصرية، والإجهاض، كذلك ولادة جنين ميت.
ولفتت إلى عوامل الخطورة المتعلقة بالطفل الذي تم الحمل به بعد سن الخمسين إلا أن هناك تغييرات في نمط الحياة يجب مراعاتها، إذ إنه من الشائع أن بعض النساء بعمر الخمسين تجده فرصة للحرية والانطلاق، ولكن إنجاب طفل يمكن أن يعطل الرغبة في التقاعد أو السفر، إضافة إلى ذلك، هناك عوامل خطر تتعلق بالطفل، حيث زادت مخاطر إصابته بحالات مثل صعوبات التعلم، والعيوب الخَلقية، والاختلافات المتعلقة بالكروموسومات، مثل متلازمة داون، وانخفاض الوزن عند الولادة.
وذكرت الدكتورة أمينة العسلي، أخصائية نسائية وتوليد أنه على الرغم من إمكانية حدوث الحمل لدى المرأة بعد انقطاع الطمث مع الدعم الهرموني، إلا أن معدل المضاعفات يظل مرتفعاً للغاية، وهذا يثير الحاجة إلى وضع إرشادات واضحة لإجراء التلقيح الصناعي للنساء في سن متقدمة، علاوة على ذلك، فإن تقديم المشورة للزوجين فيما يتعلق بمزايا وعيوب التلقيح الصناعي قبل الولادة سيساعدهم على تقييم المخاطر مقابل الفوائد، وأن الأمر ليس بالسهولة التي يعتقدها البعض.
وأوضحت أن المخاطر لا تقتصر على الأم فقط، بل تمتد إلى الجنين، حيث تزداد احتمالية انخفاض وزن المولود ومضاعفات في النمو الصحي والعقلي للطفل، إضافة إلى وجود موانع طبية، فبعض النساء قد لا يكنّ مؤهلات طبياً للحمل في هذه المرحلة العمرية، ومن الموانع الطبية الرئيسية أمراض القلب المتقدمة، والسكري غير المسيطر عليه، وأمراض الكلى المزمنة، والسرطان النشط أو التاريخ المرضي لعلاجات تضر بالصحة الإنجابية .
تواصل
وأشار الدكتور أحمد العموش أستاذ علم الاجتماع أن إنجاب طفل بعد سن الخمسين يحمل العديد من المخاطر الاجتماعية بسبب فارق العمر بين الأم والطفل وهو ما يعرف بعدم تواصل الأجيال، كذلك عدم قدرة الأم في العديد من الحالات على تنشئة طفلها تنشئة صحية واجتماعية ومشاركته الألعاب والهوايات بسبب تدني الحالة الصحية في معظم الحالات، حيث يشكل الأمر إجهاداً وضغطاً نفسياً وعصبياً على الأم، مما يجعل الطفل ينشأ في بيئة غير سوية.
وأكد أن الحرية الشخصية في إنجاب الأطفال مكفولة للجميع إلا أنه يجب وضع مصلحة الطفل في المقام الأول، فالطفل لديه الحق في أن يكون له أبوان، وفي الحالة الأمثل، يكون لديهما الكفاءة للقيام بمهمتهما والقدرة أن يسايرا أبناءهما ولو إلى حد ما من حيث مستوى النشاط البدني والتقني أيضاً، أما إذا كان الأبوان قد تخطيا الخمسين عند إنجاب طفلهما، فإنهما سوف يُحالان إلى المعاش قبل أن تغادر ابنتهما أو ابنهما المدرسة.
رفض مجتمعي
وشاع استخدام مصطلح «سن اليأس» لوصف مرحلة انقطاع الطمث، والتي تحمل في طياتها إيحاءً باليأس، وكأن المرأة تدخل عهداً من الانطفاء وهو الأمر الذي يقابل بالرفض المجتمعي، ويأتي اقتراح البروفيسور كرم كرم، وزير الصحة اللبناني الأسبق، بتسمية أكثر تفاؤلاً وهي «سن الوعاد» فهذه الكلمة، التي تتناغم مع «ميعاد» في اللغة العربية، تستلهم جذورها من «وعد»، أي البشارة ببداية جديدة، لا نهاية محبطة، فهي ليست مرحلة انطفاء، بل وقت نضوج وحكمة، وفرصة للمرأة لتعيش حياتها بنضج وحرية بعيداً عن قيود الدورة الشهرية والتغيرات الهرمونية المرهقة، وانه مع التقدّم في تقنيات الإخصاب وحفظ الخصوبة، أصبح هناك أيضاً وعدٌ بالأمومة حتى بعد هذه المرحلة، مما يضيف بعداً جديداً للتفاؤل، ويجعل من «سن الوعاد» اسماً يعكس الأمل، لا اليأس.