ابوظبي - ياسر ابراهيم - الثلاثاء 31 ديسمبر 2024 01:09 صباحاً - وضعت التكنولوجيا المؤسسات التعليمية والأكاديمية أمام تحديات كبرى لمواكبة التغيرات وتحديث المناهج والأدوات وتلبية احتياجات متطلبات سوق العمل، إذ تفرض العديد من الوظائف الحالية والمستقبلية مهارات تتجاوز مخرجات التعليم خاصة في قطاعات الذكاء الاصطناعي والأتمتة الأمر الذي ضاعف أعباء العملية التعليمية التي يقع على عاتقها تخريج كوادر مؤهلة وكفؤة تستطيع النزول إلى سوق العمل.
وتعيد الطفرة التكنولوجية صياغة الوظائف؛ فبعضها قد يختفي أو يتغير بشكل جذري مثل وظائف السكرتارية وإدارة الأرشفة، والمحاسبة، والتصميم نظراً لقيام البرامج بهذه المهام بكفاءة أعلى وسرعة ودقة فيما تظهر وظائف أخرى جديدة تتعلق بمجالات علوم البيانات والتعلم الآلي والخوارزميات، كما سيكون الذكاء الاصطناعي بؤرة الوظائف الأكثر إلحاحاً في المستقبل وذلك وفقاً للعديد من المختصين.
وتعد دولة الإمارات سباقة في مواكبة التقنيات والتكنولوجيا عبر البرامج والمبادرات الوطنية التي أطلقتها حكومة الإمارات في إطار جهود توسيع استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في القطاعات الحيوية.
بدورها، بذلت وزارة التربية والتعليم وما زالت تبذل جهوداً ريادية واستشرافية، على مستوى قيادة التحول الرقمي وربط التعليم باحتياجات سوق العمل، فيما تتبنى وزارة التعليم العالي تحديث البرامج الأكاديمية لتلبية احتياجات سوق العمل.
«حال الخليج» حاورت المعلم الافتراضي بتقنية الهولوغرام التابع لوزارة التربية والتعليم، بشأن وظائف المستقبل مستعرضة التحديات الراهنة ووجهات النظر، والذي أكد أن منظومة التعليم ستشهد تحولات جوهرية تواكب التغيرات في سوق العمل مع ظهور تخصصات أكاديمية جديدة ستنعكس مباشرة على احتياجات السوق، ومن أبرز هذه التخصصات «علم البيانات الضخمة» الذي يدمج بين تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي ويُعد من التخصصات الأكثر طلباً مستقبلاً.
وأشار إلى تخصص «التكنولوجيا الحيوية» الذي يركز على إيجاد حلول مبتكرة في مجالات الصحة والبيئة وتخصص «الأمن السيبراني» الذي سيظل على رأس الأولويات مع تزايد التحديات الرقمية، مضيفاً أن تخصص «التفاعل بين الإنسان والآلة» سيكون له دور محوري في تحسين تجربة المستخدم مع التكنولوجيا الحديثة.
نظام متطور
من جهتها، أكدت وزارة التربية والتعليم التزامها بتسخير جميع الإمكانات لإعداد أجيال تتمتع بالمعرفة والقدرة على اغتنام الفرص المستقبلية.
وقالت معالي سارة الأميري، وزيرة التربية والتعليم: إن الوزارة أجرت تعديلات شاملة على المناهج الدراسية، بهدف تعزيز تكاملها مع الواقع التطبيقي وتلبية احتياجات الميدان التربوي، استجابة للتغذية الراجعة المستمرة، مشيرة إلى أهمية تقييم المناهج بشكل دوري لتحديثها بما يواكب المستجدات العالمية ومتطلبات سوق العمل وتوجهات الدولة.
وأكدت معالي سارة الأميري حرص الوزارة على تحقيق التكامل بين المناهج الدراسية والواقع العملي، منوهة بأن التعليم يجب أن يتجاوز حدود القاعات الدراسية ليعكس التحديات والفرص في العالم الحقيقي، موضحة أن تطوير المناهج يأخذ في الاعتبار التحولات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية، بهدف تزويد الطلبة بالمعارف والمهارات اللازمة لتحقيق طموحاتهم.
وشددت معاليها على ضرورة التأكد من أن جميع مكونات المناهج الدراسية تلبي احتياجات الطلبة وتساعدهم على اكتساب مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات، مضيفة: لا يقتصر هدفنا على تقديم المعرفة فحسب، بل نركز أيضاً على المهارات العملية التي تهيئ الطلبة للتحديات المستقبلية.
وفي ظل التقدم التكنولوجي المتسارع، شددت معالي سارة الأميري على أهمية دمج التكنولوجيا في التعليم لتعزيز التجربة التعليمية وجعلها أكثر تفاعلية، مع تطبيق أساليب تدريس حديثة قائمة على التعلم النشط والتعليم القائم على المشروعات.
رؤية مستقبلية
وأشارت معالي سارة الأميري إلى أن التعديلات التي تم إدخالها على المناهج تعكس رؤية الوزارة المستقبلية، التي تسعى إلى إعداد جيل قادر على مواجهة التحديات العالمية والمحلية.
وأكدت أن التعليم الجيد يمثل حجر الزاوية في تمكين الطلبة ليصبحوا قادة المستقبل.
ولفتت إلى أن إحدى أولويات الوزارة هي تعزيز مهارات الطلبة، بما يدعم استعدادهم للمراحل الدراسية المتقدمة وسوق العمل، مشددة على أهمية تنسيق الجهود بين مختلف جوانب العملية التعليمية، لضمان رفع كفاءة التعليم بما يتماشى مع رؤية القيادة.
وفي سياق حديثها عن الذكاء الاصطناعي، أشارت معالي وزيرة التربية والتعليم إلى أنه يمثل أداة رئيسية يمكن استخدامها في تطوير التعليم، شريطة تجربته علمياً لقياس فاعليته وضمان دمجه بطريقة سلسة في الميدان التربوي، دون أن يترتب على ذلك أعباء إضافية للطلبة أو أولياء الأمور.
تحولات رقمية
من جهته، رأى مكتب التربية العربي لدول الخليج، وهو منظمة إقليمية تعنى بالتربية والتعليم في سبع دول، أن التحولات الرقمية ستسهم في ظهور عشر وظائف جديدة خلال السنوات العشر القادمة، تشمل مدير الصحة الرقمية، ومهندس الزراعة الرقمية.
ومهندس الذكاء الاصطناعي، ومحلل البيانات الكبيرة، ومصمم الروبوتات، وأخصائي التسويق الرقمي، وخبير الطاقة المتجددة، ومتخصص الأمن السيبراني، ومدرب الواقع الافتراضي، ومدير الابتكار في التعليم.
وقال الدكتور محمد الشريكة، مدير المركز العربي للبحوث التربوية لدول الخليج في الكويت التابع لمكتب التربية العربي، إن المكتب يبذل جهوداً كبيرة في استشراف مستقبل التعليم، وهذه الجهود تتجلى في التعاون مع منظمات عالمية ودولية، وترجمة العديد من الإصدارات التي تسلط الضوء على مستقبل التعليم، إلى جانب إعداد دراسات متخصصة.
وأشار الدكتور الشريكة إلى أن المكتب أصدر في العام 2021 دراسة حول الفجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل، إضافة إلى دراسة أخرى عن مهارات المستقبل ومتطلبات الوظائف المستقبلية، ونتج عن الدراستين تحديد عدد من الوظائف المستقبلية التي تمثل خارطة طريق لكافة المؤسسات التعليمية الخليجية.
وأضاف أن المكتب حرص على تسليط الضوء على النماذج العالمية وتحليل متطلبات سوق العمل الدولي، مع مواءمتها مع السياق الخليجي، مؤكداً أن هذا العمل يهدف إلى التنبيه لأهمية المهارات الأساسية التي يجب أن تركز عليها الأنظمة التعليمية في دول الخليج، باعتبارها مهارات تتوافق مع متطلبات سوق العمل المستقبلي، وتسهم في تأهيل وتمكين الخريجين لتحقيق النجاح في وظائفهم المستقبلية.
تحديث البرامج
وأكد الدكتور عبداللطيف الشامسي، الخبير التربوي والأكاديمي، أهمية تحديث البرامج الأكاديمية بشكل دوري لتلبية احتياجات سوق العمل المتغير، موضحاً أن الجامعات بحاجة إلى تضمين تخصصات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي، علوم البيانات، والطاقة المتجددة، والتكنولوجيا الحيوية، مشيراً إلى أن هذا التحديث المستمر للبرامج الدراسية يضمن للخريجين التأهيل المناسب للتكيف مع متطلبات المستقبل.
وأشار الشامسي إلى أن البحث العلمي المبتكر يأتي كذلك في صدارة الاستراتيجيات، مؤكداً ضرورة تشجيع أعضاء هيئة التدريس والطلاب على البحث في تحديات المستقبل، مقترحاً أن تتبنى الجامعات مراكز أبحاث متخصصة في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، مما يعزز من قيمة البحث العلمي ويسهم في تقديم حلول مبتكرة.
في سياق تعزيز الجانب العملي، شدد الدكتور الشامسي على أهمية التعلم التجريبي والمختبرات الافتراضية، موضحاً: لا بد للجامعات من تفعيل نماذج تعليمية تتيح للطلاب التعلم من خلال المشاريع والتجارب الواقعية، واعتبر أن المختبرات الافتراضية أداة تعليمية فعالة تتيح للطلاب ممارسة التجارب العلمية عملياً ضمن بيئة رقمية، دون الحاجة للبنية التحتية التقليدية، مما يعزز من مهاراتهم ويعمق فهمهم.
ودعا الشامسي إلى إقامة شراكات مع القطاعات الصناعية، بحيث يتم توفير برامج تدريب وتوظيف مشتركة، وهذه الشراكات تتيح للطلاب اكتساب خبرات عملية ومهارات تخصصية تعكس احتياجات السوق، وبالتالي يصبحون أكثر تأهيلاً لسوق العمل المستقبلي.
ولفت إلى أن الجامعات يجب أن تُولي اهتماماً كبيراً لتنمية مهارات ريادة الأعمال، مقترحاً تقديم مساقات وبرامج تدريبية تركز على إدارة المشاريع والابتكار.
من جهة أخرى، شدد الشامسي على أهمية المهارات الناعمة للطلاب، إذ اقترح أن تدرج الجامعات مساقات تعزز من قدرات الطلاب في مجالات التواصل والعمل الجماعي والقيادة وحل المشكلات، ويعتبر أن هذه المهارات باتت ضرورية في بيئات العمل العصرية التي تتطلب المرونة والقدرة على التكيف.
وأشار إلى أن التعلم المدمج والرقمي يمكن أن يلعب دوراً محورياً في التعليم الجامعي الحديث، مضيفاً: الجمع بين التعليم التقليدي والتعليم الرقمي يفتح آفاقاً جديدة للطلاب، حيث يمكنهم الوصول إلى مصادر تعليمية متنوعة وبأسلوب مرن يتماشى مع التقنيات الحديثة.
أدوار وتطوير
وأكدت الخبيرة التربوية نورة سيف المهيري أن المدرسة والمعلم عليهما دور كبير في تأهيل الطلاب لوظائف المستقبل، مشيرة إلى ضرورة تعزيز المهارات الشخصية والتكنولوجية لدى الطلاب من خلال برامج تعليمية متخصصة تواكب متطلبات سوق العمل الحديث.
وقالت إن تزويد الطلاب بمهارات العصر الحالي هو الأساس لتأهيلهم للمهن المستقبلية، ولفتت إلى أن المعلمين يجب أن يكونوا على دراية بالتطورات الحديثة في مجالات الذكاء الاصطناعي والروبوتات.
مشيرة إلى أهمية تنظيم برامج تدريبية دورية لهم لتعزيز مهاراتهم في هذه المجالات، مشددة على ضرورة تعزيز دور المدارس في توفير بيئة تعليمية تحفز على الابتكار والتعلم المستمر. وأوضحت أن سد الفجوة في التعليم التقليدي بات ضرورة ملحة تفرضها متطلبات المستقبل سريع التطور.
لافتة إلى أن التحول نحو تعليم يركز على تنمية مهارات التفكير النقدي والإبداعي أصبح أساسياً لمواكبة التغيرات المستمرة في سوق العمل، حيث يتطلب المستقبل جيلاً من الشباب يمتلكون المهارات التي تمكنهم من التكيف مع وظائف وتخصصات لم تكن موجودة من قبل.
وذكرت أن الجهات المعنية بالتعليم أدركت ذلك بشكل مبكر وباتت التكنولوجيا جزءاً أساسياً في التعليم، إلى جانب تركيزها على التعلم القائم على المشاريع، والذي يمكن الطلاب من تطبيق معارفهم على تحديات واقعية وهذا ما أعلنته وزارة التربية والتعليم في مطلع العام الدراسي الجاري.
وأضافت أن التطوير المستمر للمعلمين يعد خطوة أساسية، حيث يتلقى معلمو الدولة تدريباً على أحدث الأساليب التربوية، بما في ذلك دمج التكنولوجيا في التعليم لإيجاد بيئة تعليمية تفاعلية تعزز من مشاركة الطلاب.
التحول الرقمي
من جهته، قال الدكتور عيسى البستكي، مدير جامعة دبي ورئيس نادي الإمارات العلمي، إن التحول الرقمي أصبح واقعاً لا مفر منه، خاصة في المجال التعليمي، موضحاً أن التعلم المستقبلي يتجه نحو طفرة تعليمية تكنولوجية، إذ سيعتمد التعليم على التعلم الشخصي الحر.
مما يعني أن عملية التعلم ستتم من أي مكان وفي أي وقت وباستخدام أي جهاز، مع التركيز على تكنولوجيا البيداغوجيا، وهي استراتيجية تربوية تعليمية تأخذ بعين الاعتبار وجود فروق فردية بين المتعلمين، كضرورة تربوية وإنسانية، وتعتمد على بنية تقنية واتصالية فائقة السرعة وآمنة وموثوقة.
وأكد الدكتور البستكي أن الطفرة التكنولوجية تؤثر على كافة القطاعات، بما في ذلك قطاع الأعمال، مشيراً إلى أن عناصر الثورة الصناعية الرابعة التي نعيشها الآن ستعيد تشكيل قطاع الأعمال خلال العقد المقبل، معتمدة على تكنولوجيا متقدمة.
وتشمل هذه التوجهات تقنيات مثل صناعة أجزاء الجسم للرياضيين والجنود، والعلاجات النانوية، والزراعة المعدلة وراثياً، وسياحة الفضاء، وتقنيات المناخ النظيف، والخدمات الآلية التي تعتمد على الروبوتات والذكاء الاصطناعي.
مهارات مستقبلية
وأوضح الدكتور البستكي أن المهارات المستقبلية ستلعب دوراً رئيسياً في تطويع التكنولوجيا لخدمة ودعم مختلف المجالات، وذكر أمثلة على ذلك، مثل صانع أجزاء الجسم، مستشار صحة المسنين، جراح الذاكرة لتحسين ذاكرة المرضى، طيار الفضاء والمرشد السياحي الرقمي، إضافة إلى الصناعات المؤتمتة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وانتشار تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز للدخول إلى عالم الميتافيرس.
ونصح الدكتور البستكي الشباب بأن يجعلوا هدفهم الأساسي خدمة الإنسانية وتعزيز تنافسية وطنهم دولة الإمارات على وجه الخصوص.
ودعاهم إلى التخطيط للغد من اليوم، مع ضرورة وجود طموحات تساهم في بناء مستقبل الإمارات من خلال اقتصاد مستدام، وبيئة مستدامة، ومجتمع مستدام.
مشدداً على أن الإخلاص والاجتهاد والعطاء يجب أن تكون ركائز أساسية في عملهم لتحقيق رؤية الإمارات في التفوق الاقتصادي العالمي، مؤكداً أنهم قادة المستقبل والورقة الرابحة لضمان استمرار المسيرة التنموية وتحقيق الأمن والتقدم والريادة العالمية.
استراتيجيات تعليمية
من ناحيتها، أوضحت الدكتورة إيناس أبو لبدة، اختصاصية في الذكاء الاصطناعي من جامعة العين أن تبني استراتيجيات تعليمية حديثة، مثل التعليم القائم على المشاريع (PBL)، يعد أمراً ضرورياً في مواجهة تحديات المستقبل.
لافتة إلى أن هذا النوع من التعليم يساعد الطلاب على تطوير مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات، مما يجعلهم أكثر استعداداً للاندماج في سوق العمل.
وأكدت أن التعليم القائم على المشاريع يمكّن الطلاب من ربط المعرفة النظرية بالتطبيقات العملية، مما يمنحهم رؤية أعمق حول ما يتعلمونه، مضيفة أن هذا النهج يساعد في بناء جيل مؤهل يمتلك المهارات اللازمة للوظائف المستقبلية.
وفي إطار آخر، شدد المستشار التربوي يوسف الحوسني، على أهمية دور أولياء الأمور في إِعداد أبنائهم للمستقبل، مؤكداً أنَّ على أولياء الأمور توجيه أبنائهم ونصحهم نحو اكتساب المهارات الحديثة التي تتطلبها وظائف المستقبل المختلفة، مثل البرمجة والروبوتات.
وأضاف أن دور أولياء الأمور لا يقتصر فقط على تقديم الدعم المالي والرسوم والاشتراكات وغير ذلك، بل هم شركاء في رسم المسارات التي تنير طريق الأبناء وتعينهم في اختيار التخصص الأمثل والأفضل، وذلك بمتابعتهم لتطورات سوق العمل وما يتطلب من تخصصات.
وأوضح أن تسجيل الأبناء في دورات تدريبية متخصصة بمهارات العصر يسهم كثيراً في تعزيز فرصهم الوظيفية في المستقبل، مؤكداً أن دعم أولياء الأمور لأبنائهم من خلال توجيههم للتعلم المستمر هو من الركائز الأساسية لتأهيلهم لسوق العمل المتغير.
ذكاء اصطناعي
ووفق الخبير التربوي الدولي محمد العبيدات فإن ملامح سوق العمل تتغير بشكل متسارع بفعل الأتمتة وتطورات الذكاء الاصطناعي، مما يفرض علينا تحديات كبيرة في إعداد الأجيال الجديدة.
ومن أبرز هذه التحديات فقدان الوظائف التقليدية، إذ تشير التقديرات إلى أن العديد من الوظائف الحالية قد تختفي أو تتغير بشكل جذري خلال السنوات المقبلة، ومن بين التخصصات التي يحتمل أن تختفي نجد وظائف السكرتارية وإدارة الأرشفة، والمحاسبة، والتصميم.
حيث يمكن للأنظمة الإلكترونية والبرامج القيام بهذه المهام بكفاءة أعلى وسرعة ودقة، وكذلك، تظهر الدراسات أن وظائف خدمة العملاء الأساسية قد تتراجع، إذ تتجه الشركات إلى استخدام الدردشة الآلية والروبوتات الذكية لتلبية احتياجات العملاء.
وأوضح العبيدات أن التعليم يلعب دوراً محورياً في إعداد الجيل القادم لمواكبة الأتمتة والذكاء الاصطناعي، ويجب أن تشمل المناهج الدراسية في وطننا العربي مهارات هذا المستقبل، مثل التفكير النقدي، والإبداع، والقدرة على حل المشكلات، ومن خلال دمج هذه المهارات، يمكن للطلاب تعلم كيفية التفكير بشكل مستقل والتكيف مع التغيرات السريعة في بيئة العمل.
وأضاف العبيدات أنه من الضروري تعزيز التعلم العملي من خلال مشاريع تطبيقية وتدريبات مهنية، حيث يمكن للطلاب تطبيق معرفتهم في سياقات حقيقية.
كما يمكن أن تشمل هذه المشاريع التعاون مع الشركات المحلية لتطوير حلول فعلية لمشكلات قائمة، من خلال هذه التجارب، يتعلم الطلاب كيفية العمل ضمن فرق متعددة التخصصات، مما يعزز من قدرتهم على التواصل والتعاون، وهما مهارتان حيويتان في عصر الأتمتة.
وأشار إلى أهمية تنمية القدرة على التكيف والتعلم المستمر، مؤكداً أنه في عالم سريع التغير، لن يكون لدى الأفراد نفس الوظائف طوال حياتهم المهنية، لذلك يجب أن يكون الطلاب مستعدين لمواكبة هذه الحقيقة.
ويمكن تحقيق ذلك من خلال تشجيعهم على متابعة التعلم المستمر، سواء من خلال الدورات التدريبية أو التعليم الذاتي، ومن خلال تزويد الجيل القادم بهذه المهارات، يمكننا مساعدتهم على أن يكونوا جاهزين لمواجهة التحديات المستقبلية بثقة ونجاح.
مجالات
بدوره، أوضح الخبير الاقتصادي أحمد عرفات أن الذكاء الاصطناعي أصبح قادراً على اختصار أكثر من 50 % من الوظائف التقليدية، خاصةً في مجالات «فرونت أوفيس» و«باك أوفيس»، دون التأثير على أصحاب القرار أو القادة.
مؤكداً أن الوظائف المتعلقة بالمبيعات وخدمة العملاء تعد من أبرز الفئات التي قد تتأثر بشكل كبير. وأضاف أن هذا التحول سيؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة، مما سينعكس مباشرة على الاقتصاد، حيث تصبح معدلات البطالة عاملاً رئيسياً في تحديد السياسات النقدية، مثل أسعار الفائدة التي تؤثر في الاقتصادات العالمية.
وأشار عرفات إلى أن فقدان نسبة كبيرة من القوى العاملة دون تأهيل بديل لها ربما يؤدي إلى آثار سلبية، سواء على مستوى الاقتصاد أو المجتمعات، مضيفاً أن الدولة التي لا تهتم بتطوير قواها العاملة ستواجه صعوبات كبيرة في تحقيق النمو الاقتصادي، كما شدد على أهمية الحفاظ على دور العنصر البشري باعتباره العامل الأساسي الذي صنع الذكاء الاصطناعي.
ودعا عرفات الحكومات والشركات إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتقليل الخسائر المحتملة من الاعتماد المفرط على برامج وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، موضحاً أن الشركات عليها تعيين كوادر شابة مدربة على التكنولوجيا الحديثة، مع التركيز على برامج تدريب متقدمة.
كما ينبغي على الحكومات تطوير المناهج التعليمية لتشمل المهارات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، مثل البرمجة والابتكار، لتأهيل الطلاب لسوق ا لعمل المستقبلي، وحذر من أن الشركات الصغيرة والمتوسطة التي لا تتكيف مع هذه التغيرات قد تواجه خطر التوقف عن النمو وعدم القدرة على التنافس في المستقبل القريب.
فرص جديدة
كما أكد المهندس أحمد صبري، مدير عام معهد الحكومات الاجتماعية في مصر والمتخصص في الذكاء الاصطناعي، أن زيادة حضور الذكاء الاصطناعي سيخلق فرص عمل جديدة، وفقاً لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2022.
موضحاً أن الذكاء الاصطناعي حسب بعض التقديرات سيوفر أكثر من 97 مليون وظيفة جديدة في مجالات متعددة، مثل علوم البيانات والتعلم الآلي والخوارزميات، ما يعكس الإمكانات الهائلة لهذا النمو حالياً ومستقبلاً.
وفي المقابل، أشار صبري إلى أن الذكاء الاصطناعي سيؤثر على الوظائف التقليدية التي تعتمد على نمط متكرر ولا تتطلب إبداعاً، مثل الوظائف منخفضة المهارة وبعض الوظائف الخدمية البسيطة مثل مندوبي خدمة العملاء.
مؤكداً أن هذه الوظائف ستكون الأكثر عرضة للتراجع، حيث قد تنخفض الحاجة إليها بنسبة تصل إلى 75%، كما قد تتأثر وظائف أخرى، مثل المحاسبين والسكرتارية، مع انخفاض الطلب عليها، ولكن دون اختفائها بالكامل. أما في مجال التعليم، فشدد صبري على أهمية تبني الذكاء الاصطناعي لتطوير المناهج وطرق التدريس.
موضحاً أن الذكاء الاصطناعي سيتيح ما يُعرف بـ«التعلم الفردي»، حيث يمكن تكييف المناهج لتتناسب مع قدرات كل طالب، مضيفاً أن الدول التي تستثمر في الذكاء الاصطناعي، مثل دولة الإمارات على المستوى الإقليمي، ستتمكن من تحقيق تقدم اقتصادي واجتماعي كبير، بينما ستواجه الدول المتأخرة في تبنيه تحديات صعبة، أبرزها نقص القوانين المنظمة، وحرمان الأفراد من فرص عمل تتطلب هذه التقنيات.
تجربة فريدة
وأوضح أحمد زكي بدر وزير التربية والتعليم الأسبق في جمهورية مصر العربية ورئيس مجلس أمناء جامعة 6 أكتوبر أن مستقبل التعليم في العالم العربي يحتاج إلى تطوير مستمر يتم فيه التركيز على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، مطالباً المؤسسات التعليمية بإعادة النظر في طرق التدريس والمناهج المطروحة.
وضرورة دراسة أسواق العمل العربية والعالمية وما تتطلبه من تخصصات في المستقبل. وأضاف أنه من الضروري إلغاء مساقات قديمة وطرح أخرى جديدة تتوافق مع نمط الحياة المتغير، وفق خطط جريئة ومرنة في الوقت نفسه، بهدف تخفيض التكلفة وتقليل حجم البطالة، وتأهيل الخريجين بشكل يتجاوز الأسلوب التقليدي المتبع في كثير من الجامعات العربية حالياً.
وأشار إلى أن الإمارات قدمت تجربة فريدة أثبتت جدارتها في أسواق التكنولوجيا المتقدمة، لأنها تعاملت مع هذا المجال ووفرت له الدعم اللازم بنظرة استشرافية من قيادتها الرشيدة، واستفادت في دفع عجلة التنمية والتطور بجميع القطاعات الاستراتيجية، خصوصاً الطاقة والصناعة والتكنولوجيا والصحة والتعليم.
حيث جاءت الإمارات في المرتبة الثالثة عالمياً في استقطاب الكوادر والخبراء في مجال الذكاء الاصطناعي شريان الحياة للمجتمعات المستقبلية، ويعد التزامها ببناء قوة عاملة ذات مهارات عالية محركاً رئيساً للتحول الرقمي في الدولة، بدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل فعال في العديد من القطاعات.
ضمن إطار منظم لخدمة المجتمعات البشرية بشكل عام، من خلال طرق آمنة ومسؤولة تتبع أفضل برامج الأمن السيبراني، لتحقيق أهداف الدولة في تحسين جودة الحياة وأداء الشبكات، وتطوير بيئة عمل متصلة ومستدامة ودفع عجلة الاقتصاد، وتحسين مستوى التعليم الذي وصل إلى مراحل مميزة في الإمارات، مدفوعاً بطموح الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي 2031.
وأكد أن دولة الإمارات حققت الريادة في عالم الذكاء الاصطناعي ورسخت مكانتها وجهة رائدة ومركزاً إقليمياً ودولياً للتكنولوجيا المتقدمة، خصوصاً في مجال التعليم العام والجامعي، وفق رؤية تنموية تستند إلى أفضل الممارسات العالمية عبر الشراكات الدولية.
بالإضافة إلى تأهل الكوادر البشرية المواطنة، لافتاً إلى أن الإمارات في طليعة الدول الأكثر تقدماً في مجال التقنيات، وارتكزت استثماراتها، التي تقدر بمليارات الدولارات على هذا المجال لضمان مستقبل أكثر ازدهاراً واستدامة، ونجحت في تأسيس شركات كبيرة متخصصة في هذا المجال الحيوي الذي اعتبرته محوراً رئيساً في خططها التطويرية.
تطوير المهارات
من جهته، شدد المهندس عمر الشاعر مدير إدارة تكنولوجيا المعلومات في مؤسسة دبي للإعلام على أن الذكاء الاصطناعي سيغير مسار العديد من الوظائف والمهن، مما يجعل من الضروري على المؤسسات والشركات أن تقوم بتدريب موظفيها على المهارات التي تواكب هذا التغيير.
وقال الشاعر: إن الشركات عليها دور رئيس في تطوير المهارات الوظيفية للموظفين ليكونوا قادرين على العمل في الوظائف التي يمكن الاعتماد عليهم فيها كعنصر بشري في ظل التطورات التكنولوجيا المتسارعة، ومن المهم أن يتم تزويد الموظفين بالأدوات والمهارات اللازمة لتطوير أنفسهم بما يتماشى مع المسارات المهنية الجديدة التي يخلقها الذكاء الاصطناعي.
وأضاف الشاعر: على المؤسسات التي تسعى للحفاظ على كوادرها الكفؤين أن تركز على تطوير مهارات موظفيها ضمن مجالات العمل الجديدة، خصوصاً التي سيخلقها الذكاء الاصطناعي، ويجب أن يكون التدريب مستمراً، إذ إن من لا يطور نفسه اليوم، سيكون خارج اللعبة في المستقبل.
وأشار إلى أن التطوير لا يجب أن يقتصر على المهارات التقنية فقط، بل يجب أن يشمل جميع المجالات الوظيفية، لافتا إلى أن الشركات لا تطلب من الموظفين بناء وابتكار تطبيقات للذكاء الاصطناعي، بل تطلب منهم فهمه.
والتعامل معه، والاستفادة من إمكانياته، لتحقيق الأهداف المرجوة في ظل وجوده لذا، يجب على الأفراد أن يستمروا في تطوير مهاراتهم في مختلف المجالات لتواكب التغيرات التكنولوجية، كما شدد الشاعر على أهمية أن يكون الموظفون استباقيين في تطوير أنفسهم، بدلاً من انتظار التدريب من الشركات، لأن التحسين المستمر هو المفتاح للبقاء في المسار المهني المستقبلي.
68 % من الجامعات تخطط لتبني الشهادات المصغّرة خلال 5 سنوات
أصدرت «كورسيرا»، إحدى أكبر منصات التعلم عبر الإنترنت في العالم، تقريراً جديداً تكشف فيه عن الاستخدام المتزايد للشهادات المصغّرة المعتمدة من قبل المؤسسات الأكاديمية حول العالم ويُظهر التقرير أن مزيداً من الجامعات تعمل على رفد برامج الدرجات العلمية التقليدية بشهادات معتمدة مصغّرة لتخريج أفراد جاهزين للعمل وتعزيز النمو المهني للخريجين وأعضاء هيئة التدريس على حدٍ سواء.
ويستند التقرير إلى استطلاع أجرته «كورسيرا» لأكثر من 1,000 من قادة التعليم العالي، بمن فيهم عمداء كليات ورؤساء جامعات ومستشارون في أكثر من 850 مؤسسة أكاديمية في 89 دولة، وأكد دور الشهادات المصغّرة في رسم مستقبل التعليم. وبينما تقدم «كورسيرا» ما يزيد على 125 شهادة احترافية، تواصل المنصة خدمة 155 مليون متعلم على مستوى العالم، ودعم المؤسسات الأكاديمية لرفد الطلاب بالمؤهلات المطلوبة في سوق العمل.
وبحسب التقرير، يعتقد 88 % من قادة التعليم العالي المشمولين بالاستطلاع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن الطلاب يفضلون الالتحاق بالبرامج التي تقدم شهادات مصغّرة معتمدة في قطاعات العمل. ويوافق 92 % منهم على أن الخريجين الذين يحصلون على هذه الشهادات مؤهلون بشكل أفضل لسوق العمل، ويؤكد جميع المشاركين أن هذه الشهادات تساهم بشكل كبير في تعزيز النتائج المهنية للطلاب.
وينعكس هذا الشعور كذلك بين الطلاب أنفسهم، حيث كشف تقرير سابق لشركة «كورسيرا» أن 97 % يجمعون على أن الحصول على شهادات احترافية من شركات عالمية رائدة سيميّزهم لدى أصحاب العمل ويساعدهم في الحصول على وظائف بعد التخرج.
وبالرغم من هذا، يكشف التقرير أن 41 % فقط من المؤسسات الأكاديمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تمنح حالياً شهادات مصغّرة معتمدة. ومع ذلك، تبقى التوقعات إيجابية إلى حد كبير، حيث يخطط 68% من القادة المشمولين بالاستطلاع لدمج هذه الشهادات ضمن مناهجهم الأكاديمية في غضون السنوات الخمس المقبلة.
ويسلط التقرير الضوء كذلك على التحديات الرئيسية التي تواجه تبني الشهادات المصغّرة. وتشمل التحديات قلة الدراية بهذه الشهادات (50%)، وصعوبة دمجها في المناهج الدراسية الحالية (45%)، وعدم اليقين بشأن جودتها (35%).
وقال قيس الزريبي، المدير العام لشركة «كورسيرا» في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا لـ«حال الخليج»: «يتعين على المؤسسات الأكاديمية التعاون مع الجهات الحكومية والقطاعات لمواءمة مناهجها الدراسية مع المتطلبات المتطورة لسوق العمل.
ومع دمج المحتوى المرتبط بمتطلبات العمل والشهادات المصغّرة ضمن برامجها، يمكن للجامعات أن تساعد الطلاب على اكتساب المهارات اللازمة للنجاح في حياتهم المهنية. وعليه، يجب على المؤسسات الأكاديمية المسارعة في تبني الشهادات المصغّرة المعتمدة وتوفير الأدوات اللازمة لفتح آفاق الفرص المهنية للطلاب».
65 % يطالبون بتدريس الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي
أكد 65 % من المشاركين في استطلاع أجرته حال الخليج أهمية تدريس المجالات الحديثة مثل الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي بشكل عملي في المدارس لمواكبة مهارات المستقبل، وركز الاستطلاع على احتياجات الطلاب لاكتساب المهارات اللازمة لمواكبة سوق العمل المتغير لضمان تأهيل أبنائهم لمتطلبات الوظائف المستقبلية، وأشار 35 % من أولياء الأمور إلى أن أبناءهم يدرسون في المدارس بشكل نظري تقليدي.
وأظهر الاستطلاع، الذي شمل 100 من أولياء الأمور، أن 70 % من أولياء الأمور يعتقدون أن المهارات التكنولوجية خصوصاً مثل الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات وغيرها ستكون أساسية في الوظائف المستقبلية، بينما رأى 30 % منهم أنها تأتي في المرتبة الثانية بعد التفكير النقدي وحل المشكلات التي يرونها أساسية لمواكبة التغيرات المستمرة في سوق العمل.
وأيد 60 % من أولياء الأمور إدخال هذه المهارات في المناهج الدراسية منذ المراحل المبكرة، مؤكدين أن ذلك سيسهم في إعداد الطلاب بشكل تدريجي وعملي واستشرافي لمتطلبات سوق العمل المستقبلي، ورأى 40 % منهم وجود ضرورة لإدخالها في المرحلة الثانوية حتى يكون الطلبة في سن الاستيعاب.
كما أكد المشاركون أهمية تدريب الطلبة على استخدام التقنيات الحديثة في التعليم بما يسهل عليهم الإلمام بمتطلبات المستقبل الذي يتطلب مهارات متقدمة في مجالات تكنولوجية إذ رأى 90 % منهم أن هذا التدريب سيساهم في تحسين فعالية تعلم الطلاب وتقديم المواد الدراسية بشكل مبتكر، بينما 10 % من المشاركين يرون أن الطلبة ليسوا بحاجة إلى تدريب وأنهم يتعلمون بشكل ذاتي.