الرياض - ياسر الجرجورة في الأحد 16 مارس 2025 03:20 صباحاً - يعد الشماغ من أبرز رموز الزي التقليدي في السعودية والخليج العربي، وهو ليس مجرد قطعة قماش ترتدى على الرأس، بل يحمل بين طياته تاريخ طويل من التجارة والتأثير الثقافي. لكن ما قد لا يعرفه الكثيرون هو أن الشماغ، الذي بات يعرف اليوم باسم "شماغ البسام"، لم يكن في الأصل سعودي، بل كان منتج بريطاني عرف باسم "الشماغ الخارق"، قبل أن يشق طريقه إلى الأسواق العربية عبر تجار الهنود الفرس، ليصل أخيرا إلى أيدي التجار السعوديين الذين أعادوا تعريفه وأطلقوا عليه اسم "وارد البسام".
هكذا ادخلت بريطانيا شماغ البسام الى السعودية
في هذا التقرير، نستعرض بالتفصيل القصة المثيرة لدخول شماغ البسام إلى السعودية، وكيف تحول من مجرد قماش مستورد إلى رمز للأناقة والهوية في الخليج.
البداية: شماغ إنجليزي يحمل اسم "الشماغ الخارق" ودوره في تجهيز الجيوش العربية
قبل أن يصبح الشماغ جزء من الزي السعودي، كان منتج يصنع في بريطانيا ويطلق عليه اسم "الشماغ الخارق"، حيث كان البريطانيون يصدرونه إلى الأسواق العالمية، خاصة إلى مستعمراتهم في الهند والخليج العربي.
وكان الهنود الفرس من أوائل التجار الذين حصلوا على وكالة هذا الشماغ من البريطانيين، حيث تولوا عملية استيراده وتوزيعه في المنطقة العربية.
وقد كان لهذا الشماغ أهمية كبيرة في تلك الفترة، حيث تم توريده بكميات ضخمة إلى الجيش الأردني، مما ساهم في انتشاره بين القبائل البدوية والمحاربين في المنطقة.
كيف انتقل الشماغ إلى السوق السعودي؟ التاجر الفارسي وصالح البسام وعقد الصفقة الحاسمة
مع ازدياد الطلب على الشماغ في الأسواق العربية، قرر أحد التجار الفرس عرضه على التاجر السعودي صالح البسام، الذي رأى فيه فرصة تجارية مميزة. لم يكن الشماغ حينها باللون الأحمر الذي نعرفه اليوم، بل كان مجرد قماش يحمل تصاميم مختلفة، وكانت معظم الفئات التي ترتديه هم كبار السن في المجتمعات العربية.
إلا أن البسام، بذكائه التجاري، أدرك إمكانات هذا المنتج وقرر شراؤه من التاجر الفارسي، ليحصل على وكالة استيراده الحصرية في المملكة العربية السعودية.
وهكذا، بدأت رحلة الشماغ في الانتشار داخل الأسواق السعودية تحت اسم "وارد البسام".
الشراكة الذهبية بين محمد العلي البسام ومحمد السعد العجلان: كيف ساهمت في توسيع انتشار الشماغ؟
لم يتوقف النجاح عند صالح البسام فقط، بل انضم إليه لاحقًا محمد العلي البسام، الذي التقى برجل الأعمال محمد السعد العجلان في عنيزة. كان العجلان تاجر حاذق يحمل السجل التجاري رقم 6 في الرياض، وكان معروف بقدرته على اقتناص الفرص التجارية الواعدة.
بعد لقاء جمعه مع البسام، قرر الاثنان الدخول في شراكة تجارية بحيث يمتلك العجلان نصف الحصة، مما ساعد على توسيع نطاق انتشار الشماغ في السعودية وخارجها.
التوسع إلى الأسواق الخليجية: نجاح العجلان في تصدير الشماغ إلى جدة والكويت
لم يقتصر العجلان على بيع الشماغ في عنيزة أو الرياض، بل قرر التوسع إلى الأسواق الإقليمية، حيث بدأ بتصديره إلى جدة والكويت، وهما من أهم المراكز التجارية في الخليج.
وبفضل هذه الخطوة، أصبح شماغ البسام أحد أكثر المنتجات رواج بين التجار والمستهلكين، خاصة في ظل تزايد الطلب عليه بين فئات المجتمع المختلفة.
ولم يمضي وقت طويل حتى أصبح الشماغ يحمل توقيع "وارد البسام"، مما رسخ اسمه في أذهان المستهلكين.
لماذا عرف الشماغ باسم "شماغ البسام"؟ قصة الاسم الذي أصبح جزءًا من الثقافة السعودية
مع مرور الوقت، أصبح من الشائع بين الناس في السعودية أن يشيروا إلى الشماغ باسم "شماغ البسام"، وذلك لأنه كان يكتب على القماش المستورد عبارة "وارد البسام"، مما جعل الاسم يرتبط مباشرة بالمنتج نفسه.
وقد ساعدت هذه العلامة التجارية على ترسيخ الشماغ كجزء لا يتجزأ من الأزياء التقليدية السعودية، حيث أصبح يعتبر رمز للأناقة والهيبة في المجتمع.
الشماغ الأحمر: من زي كبار السن إلى موضة لكل الفئات العمرية
في بداياته، كان الشماغ الأحمر محصور إلى حد كبير بين كبار السن، بينما كان الشباب يفضلون ارتداء الغترة البيضاء.
لكن مع انتشار شماغ البسام، بدأ اللون الأحمر يكتسب شعبية متزايدة بين جميع الفئات العمرية، حيث أصبح ينظر إليه كخيار أنيق يناسب مختلف المناسبات.
واليوم، يعتبر الشماغ الأحمر أحد العناصر الأساسية في الزي السعودي الرسمي، ويرتديه الجميع، من رجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين إلى الشباب والطلاب.
من منتج أجنبي إلى علامة سعودية مميزة – كيف تحول شماغ البسام إلى أيقونة في الأزياء الخليجية؟
ما بدأ كمنتج مستورد من بريطانيا، تاجر به الهنود الفرس، وتحولت ملكيته إلى صالح البسام، أصبح اليوم واحد من أهم رموز الهوية السعودية.
بفضل رؤية البسام وشراكته مع العجلان، تمكن شماغ البسام من الانتشار في جميع أنحاء المملكة والخليج العربي، ليصبح أكثر من مجرد قطعة قماش، بل جزء من التراث والثقافة العربية.
واليوم، لا يكتمل الزي السعودي التقليدي دون شماغ البسام، الذي يستمر في الحفاظ على مكانته كواحد من العلامات التجارية الأكثر شهرة في المملكة.