الدوحة - سيف الحموري - نظم المركز القطري للصحافة ندوة بعنوان "الحرب على لبنان وما بعدها"، تحدث فيها السيد فؤاد السنيورة رئيس وزراء لبنان السابق، وأدارها الإعلامي حسن جمول، بحضور نخبة من المهتمين بالشأن اللبناني وعدد من الكتّاب والصحفيين والإعلاميين.
وأكد فؤاد السنيورة خلال الندوة أن الدبلوماسية القطرية لعبت دورًا محوريًا خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، لافتًا إلى تكفل دولة قطر آنذاك بعد وقف إطلاق النار بإعادة إعمار المناطق التي دمرتها الآلة العسكرية الإسرائيلية، متولية ما بين عامي 2006-2010 إعادة إعمار عدد من الوحدات السكنية التي كانت هدفًا للقوات الإسرائيلية، متطلعًا للدور القطري ما بعد إعلان توقف العدوان الإسرائيلي الحالي على لبنان.
وأوضح السنيورة أن وقف الحرب على لبنان بات بيد الولايات المتحدة الأمريكية بعد إقصاء فرنسا، ورفض إسرائيل مشاركتها في أي اتفاق بشأن لبنان.
ورحب السنيورة بقرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرتَي اعتقال بحق رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتيناهو ، ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة، مؤكدًا أن القرار يعد صفعة لإسرائيل، ومن المهم متابعة تنفيذ القرار في ظل الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول لوأد القرار في مهده.
شرق أوسط جديد
وأشار السنيورة في حديثه إلى ما جاء على لسان بنيامين نتيناهو - رئيس الوزراء الإسرائيلي- في أن هدفه من الحرب الدائرة اليوم على غزة ولبنان هو تغيير صورة الشرق الأوسط، مؤكدًا أنه إذا تركت الأمور تسير على ما هي عليه الآن، فسيتحقق ما يريده رئيس الوزراء الإسرائيلي، مطالبًا بضرورة توحيد الصف العربي على قلب رجل واحد؛ للتصدي لمخططات إسرائيل.
وقال السنيورة: لدينا كعرب الإمكانات للخروج من الأزمات التي تمر بها لبنان، وغزة، والضفة الغربية، والعراق، وسوريا، والسودان، وليبيا.. ولكننا منقسمون ومتنازعون.
وأضاف: السؤال الآن هو كيف سنواجه التحديات الجديدة في ظل ولاية الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، وتأثيره على مسار القضية الفلسطينية على وجه الخصوص، وعلى المنطقة بصورة عامة، فنحن لسنا بصدد تغيير سياسة الولايات المتحدة الأمريكية، أو تغيير الرئيس المنتخب، فلابد أن يكون لنا دور لإعادة تصويب السياسات، وأن نتعامل مع التحديات التي تمر بها المنطقة كفريق.
الحكم الرشيد
وفي رده على سؤال المحاور الإعلامي حسن جمول بشأن مشروع تغيير صورة الشرق الأوسط، قال السنيورة: علينا أن ندرك أن هناك متغيرات، وعلينا أن نستخلص الدروس من أخطائنا، وتطبيق الحكم الرشيد في دولنا، وأن نتعامل مع المتغيرات التي مرَّت علينا بالكثير من الحكمة، وأريد أن أستذكر هنا ما جرى عام 1979 وخلال 12 شهرًا جرت عدة أحداث في المنطقة العربية، وما حولها، فكانت لها تداعيات هائلة على المنطقة، منها الغزو السوفييتي، والثورة الإيرانية، وحادثة الاقتحام التي شهدها الحرم المكي، فجميع تلك الأحداث حملت الكثير من المتغيرات للعالمين العربي والإسلامي، وما زلنا نعاني من تبعاتها من ظهور للجماعات المتطرفة، وكان هناك حاجة لإلباس الموضوع لباسًا دينيًا عن طريق ما يسمى ولاية الفقيه العابر للحدود السياسية، فهذا الأمر كان له تأثير كبير ليس على إيران فقط، بل على الدول المجاورة.
إسرائيل قاعدة لأمريكا
وتابع السنيورة في رده على سؤال حول ما إذا كان يلمّح بأن الحرب الحالية في لبنان هي حرب بالوكالة بين إسرائيل وإيران على الأراضي اللبنانية بيد حزب الله، قائلًا: دون شك إن الحرب الحالية ليست فقط إيران وإسرائيل، وإن كانت كذلك، وعلينا ألا ننسى أن ما يهم إيران هو صمام الحكم في إيران، فهذا الأمر يجب أن نأخذه بعين الاعتبار، والحرب باتت بين الولايات المتحدة وإيران، فعندما ترسل الولايات المتحدة أساطيلها للبحر المتوسط، فهذا يجب أن يؤكد للجميع أن إسرائيل قاعدة أساسية ومهمة للولايات المتحدة في المنطقة.
أجندة إيران
وعلّق السنيورة حول ما إذا كان تدخل حزب الله في الحرب هو إسناد لغزة، قائلًا: "إن كل من دخل في هذه الحرب يحاول أن يبرر تواجده فيها، فالفكرة بدأت بالعمل كفريق مؤلف من حماس وحزب الله، أو ما يعرف بوحدة الساحات، حيث إن "وحدة الساحات" عبارة براقة ومثيرة للانتباه، فمثلًا إيران أيدت عملية طوفان الأقصى، وعند اشتعال وطيسها على لبنان اكتشفنا أن لإيران أجندة ومطالب أخرى.
حرب 2006
وأشار السنيورة إلى أن حزب الله استهدف من وراء إسناد غزة مشاغلة إسرائيل حتى لا تقوم بكل ما تودّ عمله في غزة، إلا أن هذا لم يتحقق، فما قام به حزب الله في 8 أكتوبر 2023 ضد إسرائيل، وتسبب بمعارك، يماثل ما فعله عام 2006 دون التشاور مع الدولة اللبنانية، ففي عام 2006 بادر بإشعال الجبهة في لبنان مع إسرائيل بعملية عسكرية نفذها عبر الخط الأزرق، بالرغم من أن السيد حسن نصر الله - الأمين العام لحزب الله السابق- قد تعهد في ذلك الوقت خلال الحوار الوطني وقبل أسبوعين من العملية بعدم القيام بأي عملية عسكرية، خاصة مع اقتراب فترة الصيف، إلا أنه قام بالعملية في 12 يوليو، وعلى إثر ذلك أعلنت الحكومة اللبنانية أنها لم تكن على علم بالعملية، وأن الدولة اللبنانية تتبرأ مما حصل لخلق مسافة بينها وبين حزب الله، كما أعلنت الحكومة اللبنانية أنها ستتولى التصدي لإسرائيل، إلا أن هذا الأمر لم يحدث في عام 2023 .
الأزمات اللبنانية
وشدد السنيورة في حديثه على ضرورة ألا يتم استدراج لبنان في تلك الحرب، خاصة أن لبنان يشهد عدة أزمات أهمها فراغ كرسي الرئاسة، والحكومة الحالية هي لتصريف أعمال، فاللبنانيون يواجهون أزمات عاصفة في ظل عدم اكتمال السلطات الدستورية، إلى جانب الأزمة الاقتصادية والمعيشية، ويضاف إليها مشكلة النازحين السوريين.
وقال: المشكلة الكبرى أن لبنان لا يود التورط بهذه الحرب التي لم يتم قبلها حساب التبعات والتكلفة التي دفعها اللبنانيون قتلًا وتهجيرًا، عاتبًا على حزب الله توريط لبنان دون تقدير ردة الفعل الإسرائيلي.
حكومة تصريف الأعمال
ووصف السنيورة حكومة تصريف الأعمال الحالية في لبنان بالحكومة المخطوفة من قبل حزب الله، مؤكدًا أنها لم تتعاطَ مع حزب الله بالطريقة التي تعاملت معها الحكومة عام 2006 من حيث خلق مسافة بينها وبين حزب الله لما كان وقع العدوان عام 2023، كما أن الحكومة آنذاك استطاعت أن تستعيد مظلومية الشعب اللبناني، بعكس حكومة تصريف الأعمال الحالية التي لم تتبرأ من الفعل، أو تتدخل أو تعلن عدم معرفتها بتدخل حزب الله.
القرار 1701
وحول القرار الأممي 1701 الصادر في 2006 الذي يلزم إسرائيل ولبنان، بوقف الأعمال القتالية وإخلاء المنطقة الفاصلة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني جنوبي لبنان من أي مسلحين.. قال السنيورة: " ليس هناك أي خيار آخر سوى القرار 1701 ، مع ضبط الحدود البرية البحرية والجوية، ولكن السؤال من سيضمن التزام لبنان، لذا من المهم العودة إلى الدستور، وأن يتم انتخاب رئيس جمهورية، وحكومة كاملة الصلاحيات، ويجب أن يكون موقفنا صارمًا وواضحًا، وأن تتم حماية السيادة اللبنانية، والضمانة تكون في مدى إدراك حزب الله للمتغيرات الكبرى، في ظل رفض الجميع لازدواجية السلطة، ولم يعد أحد مستعدًا لاستمرار السلاح مع حزب الله، كما أن الظروف الدولية تغيرت ليس من منطلق الاستقواء، بل على حزب الله أن يعود إلى الدولة اللبنانية، كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، فلبنان لم يعد محتملًا أن يكون هناك منتصر ومهزوم، فلبنان قائم على فلسفة قوة التوازن وليس توازن القوى".
انتهاء الحرب
وحول كيفية انتهاء الحرب، أشار السنيورة إلى أن جميع أطراف الصراع يعانون من أزمة كبرى حتى إسرائيل التي ارتكبت إبادة جماعية وقتلت وهجّرت، لديها تحديات تتعلق بالرهائن والنازحين، فهاتان معضلتان بالنسبة لإسرائيل لم تحلّهما، فالفرقاء جميعهم يعانون سواء حماس، وحزب الله وإسرائيل.
وردًا على سؤال الأستاذ سعد بن محمد الرميحي رئيس المركز القطري للصحافة بشأن تداعيات الحرب الإسرائيلية على لبنان، ومخاطر الانقسام الداخلي في مواجهة ذلك العدوان الغاشم.. قال السنيورة: الحرب الدائرة على الأراضي اللبنانية ليست حربًا ضد حزب الله، بل هي حرب ضد لبنان، والذي تدمّر هو لبنان، حيث تم تدمير قرى عن بكرة أبيها، فلبنان مخطوف في حكومته وإرادته وقراراته، إلا أن هذا ليس وقت لوم طرف ضد آخر، بل يجب إنقاذ لبنان وإخراجه من هذه الأزمة.
وفي رده على سؤال لرئيس الجالية الفلسطينية في دولة قطر بشأن الدور الأمريكي المنشود في وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، دعا السنيورة إلى تكوين مجموعات ضغط في الولايات المتحدة الأمريكية للقيام بدورها في وقف الحرب، مطالبًا الفصائل الفلسطينية بترتيب بيتها الداخلي؛ بهدف تكريس جهودهم للقضية الفلسطينية وتحرير الأرض من المحتل.
وفي سؤال من الإعلامي فهد المعيبد حول ما إذا كان لبنان سينهض ثانية، أكد السنيورة جازمًا أن لبنان سينهض، مؤكدًا أهمية إعلاء حكم الدستور وحكم القانون، مشددًا على أن لبنان دولة لا ينقصها القوانين بل ما ينقصها هو الالتزام به، وترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات.