ابوظبي - ياسر ابراهيم - الجمعة 27 ديسمبر 2024 12:33 صباحاً - وكالات
تسود حالة من عدم اليقين حول مسار السياسة النقدية الأمريكية بعد اجتماع الاحتياطي الفيدرالي الأخير الذي أثار قلقاً كبيراً في أسواق وول ستريت.
وكشف الاجتماع وجود خلافات داخل لجنة السوق الفيدرالية بشأن عدة قضايا رئيسية مثل أداء الاقتصاد، الحاجة لمزيد من خفض الفائدة، وهل يشهد التضخم تسارعاً مجدداً أم لا؟
وأشار بيان الفيدرالي في اجتماعه في ديسمبر إلى أن البنك يغير تركيزه من معالجة البطالة إلى السيطرة على التضخم، ما يلمح إلى توقف الفيدرالي بعد الإعلان عن خفضين آخرين للفائدة في العام المقبل، بدلاً من التخفيضات الأربعة التي كانت متوقعة في السابق. وبالتالي خففت توقعات لجنة السوق الفيدرالي المفتوحة في ديسمبر من احتمالات خفض الفائدة في 2025.
اجتماع يناير
خفض البنك الفائدة في اجتماع الثامن عشر من ديسمبر بنسبة 0.25 % إلى مدى من 4.25 إلى 4.5 %، كما كان متوقعاً على نطاق واسع. لكن من غير المرجح أن يخفض الفيدرالي الفائدة على نحو مماثل في اجتماعه المقبل في التاسع والعشرين من يناير لأنه في ظل معدلات التضخم الحالية في الولايات المتحدة واستمرار انخفاض البطالة، فإن الفيدرالي لا يواجه ضغوطاً لخفض الفائدة على وجه السرعة.
وقالت بيث هاماك رئيسة الفيدرالي في كليفلاند إن الفائدة يجب أن تظل ثابتة حتى نرى المزيد من الأدلة على أن التضخم يستأنف مساره نحو مستهدفنا البالغ 2 %.
وأكد رئيس البنك جيروم باول أن البنك يدخل مرحلة جديدة، حيث من المرجح أن تكون تخفيضات الفائدة المستقبلية بوتيرة تدريجية أكثر وتعتمد على مدى انحسار التضخم.
وذكر جان هاتزيوس كبير الاقتصاديين لدى «جولدمان ساكس»: أعتقد أنها رسالة قوية للغاية مفادها أن الخفض في يناير غير مرجح، وبعيداً عن ذلك فإن البيانات ستدفعه حقاً إلى ذلك.
ربما يتعقد النقاش بشأن الفائدة في العام المقبل بسبب سلسلة من التغييرات السياسية المحتملة من جانب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بما يشمل خططه لرفع التعريفات الجمركية وترحيل ملايين المهاجرين، وخفض الضرائب. لكن في الواقع قد يحتاج البنك المركزي إلى خفض الفائدة أكثر من مرتين في العام المقبل، وعلى الأرجح ربما يخفضها أربع مرات، لأن تراجع الفائدة في منطقة اليورو يتسبب في انخفاض عائدات سندات الخزانة الأمريكية في النصف الثاني من العام.
أوروبا
وفي أوروبا، من المتوقع أن يخفض المركزي الأوروبي الفائدة 4 أو 5 مرات في عام 2025 حتى تصل بين 1.75 و 2 %.
وربما تتفاقم مخاطر الركود في أكبر اقتصادات منطقة اليورو، إلى جانب احتمالية انزلاق فرنسا إلى الركود أيضاً، في ظل أزمة سياسية.
وحذرت البنوك المركزية الكبرى من أن التضخم يُظهر عناداً أكثر مما كان متوقعاً، وأنها ستخفض تكاليف الاقتراض تدريجياً فقط في عام 2025، ما أثر على أسواق السندات على جانبي الأطلسي.
ففي اليوم التالي لتقليل مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي توقعاتهم بشأن خفض أسعار الفائدة، ارتفع العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات، والتي تُعتبر من الركائز الأساسية للتمويل العالمي، إلى أعلى مستوى له منذ مايو عند 4.59 %.
وقفز العائد بمقدار 0.2 % خلال يومين فقط، حيث سارع المستثمرون لإعادة تقييم توقعاتهم لسياسة الاحتياطي الفيدرالي خلال الأشهر الـ12 المقبلة، وفي المملكة المتحدة، وصلت العوائد إلى 4.66 %، وهو أعلى مستوى لها منذ أكثر من عام، حيث حذّر مسؤولو بنك إنجلترا من زيادة خطر «استمرار التضخم»، مع إبقاء معدلات الفائدة الرئيسية دون تغيير.
وبدأ التضخم في الارتفاع مجدداً في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بينما تضيف حالة عدم اليقين بشأن سياسات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب غموضاً إلى التوقعات الاقتصادية العالمية.
السوق يترقب
وقال أندرو بيس، كبير استراتيجيي الاستثمار في «راسل إنفستمنتس»، إن المستثمرين قلقون من أن «وتيرة التيسير النقدي ستكون أبطأ بكثير حتى ينخفض التضخم».
القلق من أن التضخم العنيد سيبطئ وتيرة خفض أسعار الفائدة دفع إلى موجة بيع في أسواق السندات الأمريكية والبريطانية خلال الأسابيع الأخيرة، إلى جانب المخاوف من أن السياسات المالية التوسعية قد تزيد المشكلة سوءاً.
وتباينت لهجة الاحتياطي الفيدرالي وبنك انجلترا الحذرة مع رسالة البنك المركزي الأوروبي، الذي أصر على أن «أسوأ أيام التضخم قد ولّت»، مما يفتح المجال لخفض جديد في أسعار الفائدة.
وفي الأسابيع الأخيرة، خفض المستثمرون توقعاتهم بشأن تخفيف السياسة النقدية، فقد قام المتداولون بتسعير خفضين بمقدار 0.25 % لبنك انجلترا العام المقبل، مقارنة بأربع مرات للخفض كانت متوقعة في أكتوبر.
أما بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي، فتم تسعير خفض واحد فقط العام المقبل، مع احتمال بنسبة 50 % لخفض ثانٍ، في حين كان المتوقع قبل شهر خفض الفائدة في اجتماعين. وجاءت قراءات التضخم الأمريكية في سبتمبر وأكتوبر أعلى من المتوقع، مما عزز الحجج الداعية للحذر.
ارتفاع مخاطر التضخم
أما بنك انجلترا، فأبقى سعر الفائدة الرئيسي عند 4.75 %، مع إشارة معظم المسؤولين إلى ارتفاع مخاطر التضخم، رغم أن البنك توقع نمواً صفرياً في الربع الأخير من العام.
وأشار البنك إلى أن حالة عدم اليقين بشأن السياسة التجارية «زادت بشكل كبير»، في إشارة إلى خطط التعريفات الجمركية لترامب، مع التأكيد على أن تأثير ذلك على التضخم في المملكة المتحدة لن يتضح في الوقت القريب.
وفي اجتماع لجنة السياسة النقدية المكونة من تسعة أعضاء، دعا ثلاثة أعضاء إلى خفض فوري للفائدة، بينما فضلت الأغلبية الإبقاء على المعدلات دون تغيير بسبب زيادة «مخاطر استمرار التضخم».
وقال أندرو بيلي، محافظ بنك انجلترا، في بيان: مع زيادة حالة عدم اليقين في الاقتصاد، لا يمكننا الالتزام بتوقيت أو حجم خفض الفائدة خلال العام المقبل. فضلاً عن الفوضى السياسية والاقتصادية في أماكن أخرى من العالم، منها على سبيل المثال البرازيل التي تسعى لدعم عملتها الريال. ولكن مع عجز ميزانية يبلغ 10 % ، يبدو أنه لا نهاية للإنفاق الحكومي، كما يبدو أن البرازيل تحاكي الأرجنتين وقد تضطر قريباً لخفض قيمة عملتها.
وفي ظل الأوضاع الحالية في البرازيل وفرنسا وألمانيا، إضافة للنمو الاقتصادي المتعثر في الصين، تظل الولايات المتحدة محرك النمو في العالم.
ومع انخفاض الفائدة في مختلف أنحاء العالم، فإن رؤوس الأموال سوف تتدفق إلى سندات الخزانة الأمريكية، ما سيخفض العائد على تلك السندات. لذلك قد يضطر الفيدرالي كما يرى لويس نافيلييه مؤسس ومدير الاستثمار لدى «نافيلير آند أسويتشيس» لخفض الفائدة أربع مرات في 2025.
صندوق النقد
في غضون ذلك، أشادت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي، جولي كوزاك، بقرار الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بخفض سعر الفائدة في الاجتماع الأخير. وقالت إن تبني نهج أكثر حذراً من قبل صناع السياسة النقدية يُعتبر مناسباً نظراً لحالة عدم اليقين الاقتصادي التي تشهدها الولايات المتحدة.
وأوضحت كوزاك، في إفادة صحافية أن سوق العمل الأمريكي يُظهر بعض الضعف النسبي، في حين أن معدل التضخم لا يزال أعلى من المستوى الذي يستهدفه الفيدرالي.
وعند سؤالها عن رأيها في خطط الرئيس الأمريكي المنتخب لإنشاء احتياطي استراتيجي من البيتكوين، ذكرت كوزاك أن صندوق النقد الدولي سيقوم بتقييم سياسات ترامب بشكل كامل بعد توليه منصبه رسمياً في شهر يناير.