حال المال والاقتصاد

مخاوف من انهيار نظام شنغن بعد تشديد القيود على حدود ألمانيا

ابوظبي - ياسر ابراهيم - الثلاثاء 8 أكتوبر 2024 01:05 صباحاً - دول أخرى في الاتحاد الأوروبي تنظر في تبني تدابير مماثلة لقرار برلين

غاي شازان - لورا دوبوا - رافاييل مايندر

ينطوي قرار ألمانيا بفرض قيود على حدودها البرية على خطر إحداث تأثير الدومينو، أو رد الفعل المتسلسل، على نحو يُضعف نظام «شنغن»، الذي يعتمد على سهولة التنقل، والذي يُعدّ أحد أبرز إنجازات الاتحاد الأوروبي.

وفرضت برلين هذه القيود خلال الشهر الماضي، ضمن مجموعة من الإجراءات الأمنية التي اعتمدتها عقب حادثة الطعن التي أسفرت عن مقتل ثلاثة أشخاص في مدينة زولينغن غربي ألمانيا. وأعلنت فرنسا أيضاً أنها ستحذو حذو ألمانيا. وصرح ميشال بارنييه رئيس الوزراء الفرنسي الجديد، أمام البرلمان منذ أيام، بأن بلاده قد توسّع القيود على الحدود «وفق ما تتيحه القواعد الأوروبية، ومثلما فعلت ألمانيا». ويثير ذلك الكثير من المخاوف بشأن مستقبل «شنغن». وتتسم المخاوف بالحدة على وجه الخصوص في المناطق القريبة من الحدود الداخلية للاتحاد الأوروبي. وتعمل الشرطة في مثل هذه الأماكن حالياً على فحص قائدي السيارات الذين اعتادوا العبور إلى داخل ألمانيا طيلة عقود، دون أي مشاق، وبصورة روتينية، إما للعمل، أو التسوق، أو لمجرد تمتين العلاقات الإنسانية.

ويرى أوفي كونرادت عمدة مدينة ساربروكن المتاخمة للحدود الألمانية الفرنسية: «الطريقة التي نعيش بها حياتنا باتت حالياً عُرضة للخطر». وأوضح كونرادت أن الوضع يذكّره بالأيام العصيبة في عام 2020، عندما أغلقت ألمانيا حدودها مع فرنسا تماماً، للحد من تفشي فيروس «كورونا». وتابع: «يشعر الكثيرون بأن هذا يعيد فتح جراح قديمة بدأت في التعافي».

وفي يونيو من عام 1985، وقّعت ألمانيا الغربية وفرنسا وبلجيكا ولوكسمبورغ وهولندا، اتفاقية في مدينة شنغن الصغيرة الواقعة في لوكسمبورغ، ترمي إلى إلغاء التفتيش عند الحدود المُشتركة. وتتألف منطقة «شنغن» حالياً من 25 دولة عضواً في الاتحاد الأوروبي، الذي يبلغ قوامه 27 دولة، بالإضافة إلى آيسلندا وليختنشتين، والنرويج، وسويسرا. وتغطي منطقة «شنغن» نحو 4 ملايين كيلومتر مربع، وتضم تعداداً سكانياً يقارب 420 مليون نسمة.

ومع ذلك، ظلت الدول تقلص تدريجياً من مميزات «شنغن» على مر الأعوام. وفي الوقت الحالي، تُجري 8 دول، هي: ألمانيا، النمسا، سلوفينيا، إيطاليا، الدنمارك، السويد، فرنسا، والنرويج، تفتيشاً حدودياً، وتتنوع الأسباب ما بين «الهجرة غير النظامية» و«خطر الأنشطة الإرهابية»، وتضمنت أيضاً الألعاب الأولمبية التي أقيمت صيف هذا العام في باريس.

وأعلنت بروكسل إمكانية وقف العمل بالقواعد المنظمة لـ «شنغن»، في حال الظروف الاستثنائية فقط. وصرح ناطق بلسان المفوضية الأوروبية: «يجب أن تظل معاودة العمل بالتفتيش الحدودي مسألة استثنائية، وأن تكون محدودة من حيث الوقت، وملاذاً أخيراً في حال التعرف إلى تهديد جسيم للنظام العام أو الأمن الداخلي».

لكن هذه الشروط لا يجري تطبيقها دائماً من الناحية العملية. وقالت تينيكي ستريك عضو البرلمان الأوروبي عن حزب الخُضر: «لا تُطبّق معايير بروكسل في أي مكان، وذلك واضح في ألمانيا، أو هولندا، أو فرنسا، أو النمسا»، مؤكدة: «ثمة فوضى كبيرة في ما يتعلق بشنغن».

ولم تدفع المفوضية الأوروبية حتى تاريخه بأي قضايا انتهاك للقواعد ضد أي من البلدان التي تعاود فرض التفتيش عند حدودها، ومن المُستبعد أن يتبدل هذا التساهل.

وقال أحد كبار دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي: «لا أرى المفوضية الأوروبية تدفع بأي قضايا انتهاك ضد أي بلد يفعل ما يحلو له عند الحدود»، وأردف: «هناك اتفاق ضمني يشير إلى سهولة أكبر للقيام ذلك».

ولم تكن خطوة ألمانيا ذات تأثير كبير في البداية، حيث كانت تفحص فقط الوافدين إليها من بولندا وجمهورية التشيك وسويسرا، منذ منتصف أكتوبر من العام الماضي، ومن النمسا منذ عام 2015. ثم توسعت بفرض تفتيش مؤقت على حدودها مع الدنمارك وفرنسا ودول البنلوكس (بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ)، أثناء بطولة أمم أوروبا في صيف العام الماضي.

وأكد مسؤولون محليون أن النظام الجديد المفروض منذ 16 سبتمبر، لم يكن له تأثير عملي كبير على أرض الواقع، إذ غابت الاختناقات المرورية الكبيرة على الحدود عن المشهد.

ووصف بنجامين فادافيان عمدة بلدية هرتسوغنرات على الحدود الألمانية مع هولندا، الأمر بأنه «قيود ذكية». وتابع: «الأمر ليس كما لو أنهم يضعون حواجز من جديد، أو أنهم يطلبون إلى جميع الوافدين إظهار جوازات سفرهم».

لكن احتمالية التعطيل تبقى كبيرة، فقد عبر نحو 50,000 شخص الحدود الهولندية-الألمانية في كلا الاتجاهين يومياً، بحسب إفادة غونتر غولكر الرئيس التنفيذي لغرفة التجارة الألمانية-الهولندية، بالإضافة إلى 100,000 شاحنة. وقد أشارت شركات النقل إلى أن كل ساعة انتظار في طابور، تضيف تكاليف إضافية قدرها 100 يورو لكل مركبة. وقال: «تُعد حرية تنقل السلع والأفراد أصلاً ثميناً، ويجب علينا أن نكون حذرين للغاية بشأن طريقة إنفاذ مثل هذه الأنواع من التدابير».

وعلى الرغم من الطبيعة التدريجية التي تتسم بها الإجراءات الألمانية، لكنها أثارت القلق بين جيرانها. ووصف دونالد تاسك رئيس الوزراء البولندي، الإجراءات بأنها «غير مقبولة»، محذراً من أنها تعني «تعليقاً فعلياً لاتفاقية شنغن على نطاق واسع».

وصرح نيكوس باناغيوتوبولوس وزير السياحة اليوناني، خلال الشهر الماضي، بأن الدول الأعضاء لا يجب أن تُجري أي تغييرات أحادية على نظام الحدود، واللجوء للاتحاد الأوروبي بصورة أحادية. ويتعين علينا الاتفاق على هذا بالجلوس إلى الطاولة، واتخاذ القرارات كأوروبا موحدة، لأنه «دون ذلك، يواجه كل ما بُني حتى الآن خطر الانهيار». كذلك، أقر بعض المسؤولين بأن التفتيش الحدودي لا يكبح الهجرة غير النظامية. وذكر دبلوماسي بإحدى دول الاتحاد الأوروبي التي تُجري تفتيشاً، أن التدابير «رمزية أكثر منها فعالة». ومع ذلك، يرى الشعبويون اليمينيون الأوروبيون فيها انتصاراً. وترى واندا فيرو الوكيلة لدى وزارة الداخلية الإيطالية: «من حيث مكافحة الهجرة غير الشرعية، فإن ألمانيا تحذو حذو إيطاليا». وبالنسبة لفيكتور أوربان رئيس وزراء المجر، فقد هنّأ أولاف شولتز على منصة «إكس»، وقال: «أهلاً بك معنا!».

وأثارت مثل هذه التصريحات مخاوف بين مناصري «شنغن»، الذين يؤكدون أن خطوة ألمانيا الرامية إلى توسيع القيود، تُعد سابقة خطيرة. ولفت مسؤولون بالفعل إلى أن دولاً أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي، تنظر في تبنّي تدابير مماثلة.

«لقد تغير المزاج»، حسبما أكد دبلوماسي أوروبي كبير، وتابع: «لم تعد هناك محرمات في الحديث عن ذلك الأمر». ويعتقد كونرادت عمدة مدينة ساربروكن، بوجود «خطر حقيقي بوقوع تأثير الدومينو». وقال: «ألمانيا بلد كبير، وما تفعله سيكون له تأثيره دوماً في الآخرين».

ويعتبر كونرادت القيود الجديدة عودة مؤلمة لما قبل اتفاقية «شنغن». ويبعُد مجلس مدينة ساربروكن 5 كيلومترات فقط عن فرنسا، وقال: «بالنسبة لنا، الأمر شبيه بأن تكون هناك نقطة تفتيش حدودية في وسط مدينتنا». وأردف، متسائلاً: «هل نرغب في أوروبا مفتوحة الحدود، أم أوروبا من نوع آخر كلياً؟».

Advertisements

قد تقرأ أيضا