حال المال والاقتصاد

كيف يمكن للتكنولوجيا المتطورة الإسهام في حل أزمة الطاقة العالمية؟

ابوظبي - ياسر ابراهيم - الاثنين 7 أكتوبر 2024 01:10 صباحاً - جيليان تيت
احتفلت شركة أمازون الشهر الماضي بمرور 20 عاماً على تأسيس حضورها في إيرلندا، وكان من المفترض أن تكون هذه المناسبة لحظة احتفال، ففي النهاية استثمرت «أمازون»، مثلها مثل شركات التكنولوجيا العملاقة الأخرى، بكثافة في البلاد على مدى العقدين الماضيين، ويعود ذلك جزئياً إلى مميزات الضرائب المنخفضة، مما دعم نمواً ملحوظاً،

لكن في الواقع شاب احتفالات الذكرى السنوية هذه قدر من المرارة. وأحد الأسباب وراء ذلك هو الحكم الصادر عن المحاكم الأوروبية الشهر الماضي، والذي يقضي بأن الإعفاءات الضريبية، التي بلغت 13 مليار يورو، والتي تمتعت بها شركة «أبل» كانت غير قانونية. وفي زيارة قمت بها مؤخراً إلى إيرلندا، علمت أن قادة الشركات المحلية يخشون أن يقوض هذا الحكم الاستثمارات المستقبلية.

وثمة سبب آخر كان أكثر إلحاحاً، وهو يتعلق بالطاقة، حيث تضخ «خدمات أمازون ويب» في الوقت الراهن استثمارات بقيمة 30 مليار يورو في أوروبا، وذلك في خضم طفرة الذكاء الاصطناعي، بحسب ما أعلنه نيل موريس، رئيس الشركة في إيرلندا، لكن لن تحظى إيرلندا بأي من هذه التدفقات الاستثمارية، إذ يشعر مسؤولو «أمازون» بكثير من القلق حيال القيود المستقبلية على الطاقة. وفي واقع الأمر تشير تقارير إلى بدء الشركة بالفعل في إعادة توجيه مسار قدر من الأنشطة السحابية بسبب هذا الأمر.

وفي حين تعهدت الحكومة الإيرلندية بتطوير شبكة الكهرباء، غالباً عن طريق مزارع الرياح، لكن هذا لا يحدث بالسرعة الكافية التي تلبي الطلب، ولا يفوتنا هنا أن نشير إلى أن البنية التحتية للمياه تعاني هي أيضاً. نعم، هذا صحيح بالفعل، حيث يواجه البلد المعروف بأمطاره ورياحه صعوبة في دعم التكنولوجيا عن طريق المياه وطاقة الرياح.

وهناك أربعة دروس على الأقل مثيرة للانتباه. أولها، أن هذه المسألة تظهر أن الحديث الشائع عن الابتكار التكنولوجي محدود في أفضل الأحوال، وواهم في الأسوأ. وعلى وجه الخصوص، نميل، في سياق الثقافة المعاصرة، إلى أن نتحدث عن الإنترنت والذكاء الاصطناعي كما لو أنهما أشياء غير متجسدة على الإطلاق مثل «السحابة».

ونتيجة لذلك كثيراً ما يتغاضى الساسة والناخبون عن البنية التحتية غير البراقة التي تمكن هذا «الشيء» من العمل، مثل مراكز البيانات، وخطوط نقل الكهرباء، والكابلات البحرية، لكن هذه المعدات التي كثيراً ما يتم تجاهلها ضرورية من أجل عمل اقتصادنا الرقمي الحديث، ونحن بحاجة إلى أن نولي احتراماً وانتباهاً أكبر لها.

ثانيا، نحن بحاجة إلى إدراك أن هذه البنية التحتية تتعرض إلى ضغوط على نحو متزايد، واتسم استهلاك مراكز البيانات للطاقة في الأعوام الأخيرة بأنه مستقر إلى حد ما، ما يُعزى إلى تعويض زيادة كفاءة الطاقة لارتفاع معدلات استخدام الإنترنت. ومع ذلك يتغير هذا الوضع بسرعة، إذ تتطلب استفسارات الذكاء الاصطناعي قدراً أكبر من الطاقة مقارنة بمحركات البحث القائمة اليوم بعشر مرات. لذلك سيتضاعف استهلاك مراكز البيانات للطاقة على الأقل بحلول عام 2026، بحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية، كما أنه من المتوقع استهلاك مراكز البيانات 9 % من إجمالي الطاقة في الولايات المتحدة بحلول عام 2030. وفي إيرلندا قفز استهلاك الطاقة بالفعل إلى أكثر من خمس سعة الشبكة، وهو ما يفوق إجمالي استهلاك الأسر.

ثالثاً، أفضت مسارعة الشركات والحكومات إلى معرفة كيفية إيجاد هذه الكهرباء الإضافية، وما إن كان بإمكانهم إيجادها، إلى ميزة غير متوقعة، تتمثل في أن التكنولوجيا صارت محركاً بارزاً لانتقال الطاقة.

وصحيح أن ازدياد استهلاك الكهرباء يقود إلى ارتفاع الانبعاثات، لكن شركات مثل «جوجل» و«مايكروسوفت» و«أبل» تضخ استثمارات ضخمة في الابتكار على صعيد الطاقة المائية والشمسية وكذلك الرياح والبطاريات، وأعلنت «مايكروسوفت» مؤخراً إبرامها اتفاقية مع مجموعة كونستليشن للمرافق، تستثمر بموجبها 1.6 مليار دولار أمريكي لإعادة تشغيل محطة ثري مايل آيلاند للطاقة النووية في ولاية بنسلفانيا؛ تلبيةً لطلب الذكاء الاصطناعي على الكهرباء. وقفزت القيمة السوقية لـ «كونستليشن» منذ ذلك الحين لتتجاوز 80 مليار دولار، ما يعود إلى توقع المستثمرين إبرام مزيد من مثل هذه الاتفاقيات.

وفي الوقت ذاته، يكيل سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لدى «أوبن إيه آي»، وبيل غيتس، مؤسس «مايكروسوفت»، المديح لمنافع المفاعلات الصغيرة. ويأمل الاثنان، بالإضافة إلى آخرين في فضاء التكنولوجيا، أن تؤدي مثل هذه التحركات في نهاية الأمر إلى التخفيف من الضغوط على الطاقة، لا سيما إن استخدمت النماذج المستقبلية من الذكاء الاصطناعي طاقة أقل. وإن صح ذلك، فقد يتبدّى أن المخاوف الحالية بشأن إمدادات الطاقة غير مُبررة، مثلما قوّضت الثورة الخضراء التوقعات بوقوع مجاعة عالمية في ستينات القرن الماضي. وهكذا، يمكن للتكنولوجيا ذاتها أن تحل المشكلات التي تحيق بها، أو هكذا تأمل.

ومع ذلك، ينطوي الدرس الرابع على أن مثل هذه الحلول المبتكرة للطاقة لا يمكنها أن تُفلح دون سياسة حكومية متكاملة. ومع الأسف، ليس هذا متاحاً بكثرة. فبعد كلل ذلك، أنت بحاجة إلى رخصة بناء من أجل إنشاء مراكز للبيانات، وكثيراً ما يعني ذلك تدخلاً حكومياً. وحسبك أن تراقب كيفية دخول أنجيلا راينر، نائبة رئيس وزراء المملكة المتحدة، معركة محلية بقرية «أبوتس لانغلي» في هيرتفوردشاير، حيث يرغب السكان المحليين في وقف استثمارات جديدة رقمية.

وهناك أيضاً حاجة إلى مشاركة حكومية لتكون لديك شبكات كهرباء متصلة. وتجدر الإشارة على سبيل المثال إلى وجود عائق كبير أمام تعميم الطاقة المتجددة في الولايات المتحدة، وهو يتمثل في الصعوبة البالغة التي يتطلبها الحصول على التراخيص المطلوبة لبناء خطوط نقل لربط مصادر الطاقة المتجددة في قلب البلاد وبالمناطق المتعطشة للطاقة، مثل كاليفورنيا.

وإذا ما احتدمت الضغوط على الطاقة، سنكون أيضاً بحاجة إلى أن تبتّ الحكومة في التوزيع المستقبلي للمصادر الشحيحة للكهرباء، وكذلك إلى الإجابة عن تساؤلات مثل ما إذا كانت المنازل ستحصل على الأولوية في الاستفادة من الكهرباء وليس الأعمال إذا ما انهارت الشبكة، وما إذا كان حريا بالدولة تمويل الابتكار أم بكبرى شركات التكنولوجيا.

وقد يُجادل أصحاب الفكر الداعم بشدة للحرية الفردية والذي يقلل من دور الحكومة، والعديد من العاملين في قطاع التكنولوجيا، بأن قوى السوق، أي الأسعار، هي التي يجب أن تُجيب عن هذه التساؤلات. لكن هذه النظرة مُضرّة سياسياً، وهو أمر يُدركه القادة الإيرلنديون جيداً. لذا، لنستعد جميعا لصراعات حول الطاقة في جميع أنحاء العالم الصناعي. فالمخاطر الوجودية التي تُهدد مستقبل الذكاء الاصطناعي ليست هي ما يجب أن نقلق بشأنه في الوقت الحالي.

Advertisements

قد تقرأ أيضا