المولد النبوي.. صراعات داخل أجنحة المليشيا وتجاهل شعبي لمظاهر احتفالاتها (تقرير خاص)

عدن - سعد محمود في الخميس 12 سبتمبر 2024 12:32 صباحاً - منذ أكثر من شهر ونصف، تستنفر مليشيا الحوثي أجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها في صنعاء والمحافظات، للاحتفال بالمولد النبوي الشريف في الثاني عشر من ربيع الأول الجاري، ولم تستثنِ من ذلك المدارس والجامعات والمعاهد؛ لإحياء هذه الفعالية التي تعدّها فرصة سنوية لها للاستعراض السياسي فحسب؛ مُستغلّة بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وحب الجميع له.

Advertisements

لم يكن هذا العام هو الاستثناء من ناحية الاهتمام بهذه الذكرى، فهي قد بدأت بذلك منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014، لكن منذ إعلان الهدنة في أبريل 2022، كشّرت المليشيا عن أنيابها، وتفرغت بشكل كبير لاستنفار المجتمع وتحشيده تحت مسميات مختلفة ومنها هذه المناسبة.

لكن الجديد في هذا العام، هو استنفار مليشيا الحوثي لايصال رسائل سياسية للمجتمع من خلال هذه الاحتفالات التي تقيمها على مستوى الحارات والأندية والمدارس والجامعات والوزارة والهيئات والمؤسسات المختلفة، للتذكير بدورها المزعوم في نصرة الأقصى وفلسطين ومعاركها في البحر الأحمر، في ظل عدم تفاعل مجتمعي كبير بهذه المناسبة.

تفاعل باهت

ربما قد يستغرب البعض حين يقال إن التفاعل مع هذه الذكرى ليس بالمستوى المطلوب الذي كانت تأملّه المليشيا، خصوصًا مع انتشار مقاطع الفيديو والصور المنتشرة والتي تظهر صنعاء وكأنها باتت قطعة خضراء استجابة لنداء الحوثي، ولكن العكس تمامًا فالمؤكد بحسب مصادر خاصة أن تلك الصور من سنوات سابقة، وليست من هذا العام، وإن وجدت فهي في مناطق محددة فقط وتحديدا في دوواين عموم الوزارت والمؤسسات والهيئات.

تؤكد المصادر لـ"يمن شباب نت"، أن هذا العام لم يكن بالمستوى المطلوب، رغم محاولة المليشيا استنفار الجميع للاحتفال بهذه الذكرى، التي تحولت إلى فعاليات مكررة، تهدف إلى إيصال رسائل سياسية تؤكد قدرة الجماعة على الحشد، والتفاف المجتمع نحوها، لكن الواقع يختلف كثيرًا عمّا تصوره وسائل الإعلام.

تشير المصادر إلى أن الزينة الخضراء التي تحرص المليشيا على تزيين العاصمة بها في هذه الذكرى لم تكن بالمستوى المطلوب، رغم استنفارها للجميع بما فيهم ملاك المولدات الخاصة لتزيين الشوارع والأحياء، لكن تلك الدعوات قوبلت بتجاهل كبير، نتيجة خلافات بين وزارة الكهرباء والتجار، وفقا لمصدر في الغرفة التجارية.

انقسامات داخلية

إضافة إلى ما سبق، جاء التفاعل العادي لهذه المناسبة نتيجة الظروف الداخلية المُعقّدة التي وقعت فيها المليشيا؛ نتيجة الوعود التي أطلقها زعيم الحوثي العام الماضي للبدء بما وصفها بـ"التغييرات الجذرية"، وإقالة حكومته بصنعاء، وتأخر إعلان حكومة جديدة لأكثر من عشرة أشهر نتيجة خلافات بين المليشيا وحزب المؤتمر الموالي لهم بصنعاء، ناهيك عن خلافات بينية بين أجنحة المليشيا ذاتها.

ومع قرب حلول ذكرى المولد، وحتى لا تًكسر صورة زعيم الحوثي التي تحاول المليشيا إضافة الهالة والقداسة عليه، سابقَت المليشيا الزمن لإعلان الحكومة بالقرب من هذه الفعالية، والتي جاء إعلانها بعد مخاض عسير، نتج عنه إعلان حكومة لاقت سخرية واستهجانًا كبيرًا من قبل عدد من المهتمين في الشأن العام بصنعاء.

فحسب مصادر خاصة لـ"يمن شباب نت"، فقد تم اختيار أعضاء الحكومة الجديدة في صنعاء بعد إخضاع المرشحين لها لدورة تدريبية مغلقة دامت حوالي شهر، وتم إعطاءهم موجهات محددة لتنفيذها أطلقوا عليها برنامج الحكومة، تم وضعه بما يخدم مصالح الجماعة، ويعمل على توسيع نفوذها، دون النظر إلى واقع المجتمع الذي يعاني حالة من الموت السريري نتيجة الوضع الاقتصادي المتدهور بشكل غير مسبوق.

وبالنظر إلى برنامج حكومة المليشيا التي أطلقوا عليها حكومة البناء والتغيير، فقد تجاهلت بشكل تام موضوع صرف المرتبات، وربطت صرفها بموضوع الحل السياسي، إضافة إلى تركيزها على زيادة الجبايات، وإجراء التعديلات القانونية التي تسعى لتنفيذها، حيث شكلت لذلك لجانًا مختلفة منذ نحو عام؛ للبدء بإعداد صياغة مشاريع القرارات المطلوب تعديلها بما يخدم مشاريعها، وقد بدأت بمناقشة تعديل مشروع قانون السلطة القضائية يوم الثلاثاء الماضي، والبقية ستتبع، وفقا للمصادر.

خلافات وصراعات أجنحة

مصادر أخرى تعزو سبب عدم التفاعل الكبير في هذا العام للمولد النبوي الشريف نتيجة توجه المليشيا لإحداث تغييرات واسعة في أجهزة الدولة، والتي كان من المقرر الإعلان عنها في المرحلة الثالثة، بعد الوزراء ونوابهم، حيث كانت المرحلة الثالثة تشمل المحافظين.

وأوضحت المصادر لـ"يمن شباب نت"، أن المليشيا الحوثية بعد تعيين أعضاء الحكومة، دخلت في خلافات مع أجنحة متعددة بينها حزب المؤتمر الموالي لهم بصنعاء، فعملت على تقاسم النفوذ بين تلك الأجنحة، من خلال تعيين نواب للوزراء مع أنه لم  يكن هناك نواب وزراء وإنما وكلاء فقط.

وحسب المصادر، فإن المليشيا عملت على تسريب أسماء نواب الوزارات، في وسائل التواصل الاجتماعي لمعرفة مدى ردود الأفعال حيالها، وبدأ نواب الوزراء يمارسون أعمالهم في الوزارات قبل إعلان القرار بشكل رسمي في وكالة سبأ التابعة لهم، وبعد أيام صدر القرار بشكل رسمي وقد أضحوا يمارسوا مهامهم بشكل رسمي.

المصادر أشارت، إلى أن المليشيا بعد تعيين نواب الوزراء سربت أسماء المحافظين الجدد، وهذه التسريبات اعتبرها المحافظين صحيحة، بعد صحة التسريبات السابقة لنواب الوزراء، وهو الأمر الذي دفعهم للتخاذل وعدم التفاعل مع ذكرى المولد، كون المصادر تؤكد أن التغييرات ستجري بشكل مؤكد بعد فعالية المولد، وهو ما وسّع من دائرة الخلافات.

تؤكد المصادر، أن المليشيا اضطرت إلى تجميد قرار تغيير المحافظين وتأجيله إلى بعد المولد، حتى لا تفشل هذه الفعالية، لإن فشلها يعني هزيمة سياسية لا تقل عن الهزيمة العسكرية، ولذلك فقد عملت على إعطاء وعود للمحافظين بعدم صحة تلك القرارات، وربطت بقائهم بمناصبهم بمدى تفاعلهم مع حشد المولد، كنوع من الإغراء لهم حتى لا يفشلوا الفعالية كما تعتقد.

أخيرا، استنفرت مليشيا الحوثي المجتمع الذي يعاني الفقر والجوع، للاحتفال بفعالية المولد، مخصصة بذلك مليارات الريالات، متجاهلة بذلك معاناة المواطنين وتحديدا الموظفين الذي يأنون تحت وطأة القهر والحرمان، يتوسّدون الجوع، ويلتحفون المعاناة، لسان حالهم وهم في صالة الحشود، مغلوبين على أمرهم كما قال الشاعر:

نأكل الجوع ونستسقى الظمأ
وننادي يحفظ الله الإماما

 

 

أخبار متعلقة :