الكتب «الإلكترونية».. جدل ومخاوف من إقصاء «الورقية»

ابوظبي - ياسر ابراهيم - الاثنين 14 أكتوبر 2024 01:10 صباحاً - شهدت السنوات الأخيرة تحولاً جذرياً في نظام التعليم العالمي، مع تبنّي التكنولوجيا الرقمية في جميع جوانب العملية التعليمية، وأصبحت الكتب الإلكترونية جزءاً لا يتجزأ من المناهج التعليمية في العديد من المدارس الخاصة، وهو تحول أتى بوعود كبيرة حول تقليل الأعباء المالية، وتوفير التعلم التفاعلي، والقدرة على الوصول إلى المحتوى بسهولة، إلا أن هذا التوجه لم يلقَ إجماعاً، حيث أثار هذا التحول مخاوف لدى أولياء الأمور والخبراء التربويين، بشأن تأثيره في مهارات الكتابة والتعلم العميق، عدا عن التبعات الصحية.

Advertisements

وأدى الانتقال إلى الكتب الإلكترونية في العديد من المدارس الخاصة، إلى ظهور انقسام بين مؤيد لهذا التوجه ومعارض له.

مؤيدو الكتب الإلكترونية أشاروا إلى أن هذه التقنية تعكس التطور التكنولوجي الذي يتماشى معه التعليم، مؤكدين أنها توفر سهولة في الوصول إلى المحتوى، وتحديثه بشكل فوري، وتقلل تكلفة الطباعة والتوزيع، كما اعتبروا أن الكتب الإلكترونية ضرورة تكنولوجية، مع تزايد الاعتماد على الأدوات الذكية في الحياة اليومية، فضلاً عن تقليل حجم الحقيبة المدرسية، كما أشاروا إلى أن استخدام التكنولوجيا يساعد الطلاب على اكتساب مهارات رقمية ضرورية لسوق العمل.

في المقابل، ظهرت انتقادات متزايدة من قبل التربويين وأولياء الأمور، حول تأثير الاعتماد المفرط على الكتب الإلكترونية في العملية التعليمية، فبينما توفر تجربة تعليمية تفاعلية، إلا أنها تقلل من التفاعل الملموس مع النصوص، وتضعف مهارات الكتابة اليدوية، التي تعتبر أساسية في منظومة التعليم، وعبّر معارضو هذا التوجه عن مخاوفهم من التأثير السلبي لاستخدام الأجهزة الإلكترونية لفترات طويلة في صحة الطلاب، وخاصة عيونهم، معتبرين أن الكتب التقليدية تساعد في ترسيخ المعلومات بشكل أفضل، وتسهم في تقليل التشتت الناجم عن تعدد التطبيقات الإلكترونية.

«حال الخليج» استطلعت آراء تربويين للوقوف على آرائهم حول مدى إمكانية تحول الكتب الإلكترونية إلى واقع، باعتبارها المستقبل الحتمي للتعليم، حيث أكد الخبير التربوي الدكتور عبد اللطيف الشامسي على أهمية وجود الكتب الورقية في العملية التعليمية، وقال: «لا يمكن إنكار الفوائد التي جلبتها الكتب الإلكترونية للتعليم، لكن لا يمكن الاعتماد عليها وحدها، حيث يعزز التعليم الورقي مهارات الكتابة اليدوية، ويعطي الطلاب الفرصة للتفاعل المباشر مع المحتوى بشكل يعمق من فهمهم للمادة، ويطور تفكيرهم النقدي».

وأضاف: «العديد من الدول التي اعتمدت الكتب الإلكترونية بشكل كامل، بدأت تعاني من فجوة في مهارات الكتابة لدى طلابها، ما دفع بعض الحكومات إلى إعادة النظر في هذا التحول، حيث يعزز التفاعل اليدوي مع الكتاب التفكير النقدي والفهم العميق، وهو ما يمكن أن يشوبه الضعف عند الاعتماد الكامل على الشاشات الإلكترونية».

وبيّن الدكتور الشامسي أن الاستخدام الأمثل للوسائط الإلكترونية، يتطلب تطويراً مكثفاً ومختلفاً لمهارات وطرق التدريس، وذلك لجذب الطلبة للمادة العلمية بطريقة شيقة وممتعة. فالتطوير المهني المستمر لهيئة التدريس، عملية في غاية الأهمية، لمواكبة التطورات التكنولوجية الحديثة.

الفهم العميق

من جانبها، أوضحت الخبيرة التربوية نورا المهيري، أن الكتب الورقية لا تزال تلعب دوراً هاماً في تعزيز الفهم العميق للمحتوى التعليمي، خاصة في المواد التي تتطلب تحليلاً وكتابة مكثفة، مثل اللغات والرياضيات، وقالت، إن الكتب الورقية تعزز من تفاعل الطلاب مع النصوص بشكل مباشر، ما يتيح لهم التفكير النقدي وحل التمارين بطريقة الكتابة اليدوية، التي بدروها تسهم في تحسين مهارات الكتابة بشكل مستمر، كما أضافت أن التعامل مع الورق، يوفر بيئة تعليمية أكثر استقراراً، ويقلل من التشتت الذي قد يسببه الاعتماد على الأجهزة الإلكترونية.

تجربة حسية

من جانبها، ترى التربوية الدكتورة مروة علي مهيأ، أن الكتب الورقية لا تزال تقدم تجربة تعليمية لا يمكن استبدالها بالكامل بالكتب الإلكترونية، وقالت: «على الرغم من المزايا الكبيرة التي توفرها الكتب الإلكترونية، إلا أن التعلم من خلال الكتب الورقية، يوفر تجربة حسية متكاملة، تسهم في تعزيز مهارات الكتابة والتفاعل مع المحتوى بشكل مباشر، كما أن الورق له تأثير ملموس في الفهم والاستيعاب، حيث يتيح للطلاب القدرة على التركيز أكثر، والتفاعل اليدوي مع النصوص».

وأضافت: «لاحظنا أن الطلاب الذين يتعلمون باستخدام الكتب الورقية، لديهم قدرة أكبر على تذكر المعلومات، والتحليل بشكل أعمق، مقارنة بمن يعتمدون على الشاشات، وهذا يعكس أهمية الكتب الورقية، كأداة تعليمية لا يمكن التخلي عنها في بناء المهارات الأساسية لدى الطلبة».

رسوم باهظة

وفي ظل الجدل القائم حول استخدام الكتب الإلكترونية، عبّر العديد من أولياء الأمور عن قلقهم بشأن تأثير هذا التحول في أبنائهم، وفرض بعض المدارس الخاصة رسوماً باهظة نوعاً ما على الكتب الإلكترونية، مشيرين إلى أن أسعار الكتب الإلكترونية تتراوح بين 1600 إلى 4000 درهم، فيما بادرت بعض المدارس بإعفاء الأهالي من دفعها.

ودعا أولياء أمور إلى إعادة الكتب الورقية كخيار أساسي، أو على الأقل، تقليل رسوم الكتب الإلكترونية، حيث قالت ولية الأمر هبة مصطفى: «يجب أن تكون الكتب الإلكترونية أقل كلفة من الورقية، إذ إنها لا تتطلب طباعة أو توزيع، ولكن الرسوم الحالية مرتفعة جداً، ونواجه صعوبة في تحميلها على أجهزة أبنائنا». من جانبه، تحدث شادي أمين، ولي أمر لـ 3 طلاب في الحلقة الثانية، عن سهولة الوصول للكتب الإلكترونية، بيد أنه يرى أن هناك حاجة ضرورية للكتب الورقية، لتحسين مهارة الكتابة لدى التلاميذ، علاوة على تعزيز قيمة الكتاب المدرسي في نفوس الطلاب.

وأشارت فاطمة الحمادي إلى أن الاعتماد على الكتب الإلكترونية، يجب أن يقلل من التكلفة، لا أن يزيدها، موضحة أنه رغم فوائدها، لا تبرر هذه التكاليف العالية، وأن التكنولوجيا يجب أن تكون وسيلة لتخفيف الأعباء على الأسر، لا زيادتها، وفي الوقت ذاته، يجب أن تهتم المدارس بتعزيز مهارة الكتابة، سواء داخل الكتاب المدرسي أو الدفتر المدرسي، عوضاً عن الكتابة على الأجهزة الإلكترونية وحل الواجبات.

أداة أساسية

وترى إدارات مدرسية أن التوسع في استخدام الكتب الإلكترونية، يأتي في إطار مواكبة العصر الرقمي، وتعزيز استخدام التكنولوجيا في العملية التعليمية، بهدف توفير مصادر تعلّم أكثر تفاعلية ومرونة، وقالوا إن الكتب الإلكترونية أصبحت أداة أساسية في التعليم الحديث، خاصة داخل المدارس، مشيرين إلى أن دمجها في الفصول الدراسية، يوفر العديد من الفوائد التي تتجاوز تجربة الكتب المدرسية التقليدية.

واستعرضوا فوائد الكتب الإلكترونية، وأبرزها: سهولة الوصول، ما يوفر بيئة تعليمية مرنة، ومحتوى محدث باستمرار، كما تأتي الكتب الإلكترونية بميزات تفاعلية، مثل مقاطع الفيديو والاختبارات والروابط، ما يعزز تجربة التعلم، ويجعلها أكثر جاذبية، ويساعد الطلاب على فهم المعلومات والاحتفاظ بها بشكل أفضل، علاوة على قدرة الكتب الإلكترونية على مناسبة احتياجات الطلاب الفردية، كتعديل أحجام الخطوط للطلاب الذين يعانون من مشاكل في الرؤية، أو تقديم الترجمات لأولئك الذين يتعلمون بلغة ثانية، ما يدعم فكرة التعليم الشامل، ويضمن قدرة وصول الطلبة إلى المواد حسب مستواهم، وقالوا إن توسعة رقعة استخدام الكتب الإلكترونية في المدارس، يخدم توجه الدولة في خطط الاستدامة، حيث تساعد المدارس على أن تكون صديقة للبيئة، لكونها تقلل من استهلاك الورق والنفايات، ما يجعلها خياراً مستداماً للمستقبل.

ويقود استخدام الكتب الإلكترونية، بحسب كلايف جيبسون، نائب المدير للتكنولوجيا التعليمية مدرسة ستار الدولية، إلى حل أخضر وفعال للتعلم في القرن الـ 21، حيث أكد أن الانتقال إلى المواد التعليمية الرقمية، يجعل التعليم تفاعلياً، مع الحفاظ على بيئة خضراء مستدامة.

وزاد: من خلال اعتماد الموارد الرقمية، نقلل من استهلاك الورق والحبر، وتكاليف النقل المرتبطة بالكتب المطبوعة، وهذه المقاربة الصديقة للبيئة، لا تدعم جهود الاستدامة العالمية فحسب، بل تشجع الطلبة على أن يصبحوا أكثر وعياً بيئياً ومسؤولين كأفراد عالميين.

واستعرض فوائد الكتب الإلكترونية، موضحاً أنها تسمح بالتعلم المخصص، ما يمكّن الطلبة من الدراسة بالوتيرة التي تناسبهم، وإعادة زيارة المفاهيم الصعبة بسهولة، كما تعزز تكنولوجيا الدمج التعاون والإبداع، حيث يمكن للطلاب العمل على مستندات ومشاريع مشتركة، داخل وخارج الفصل الدراسي، إلى جانب المرونة والكفاءة في تخطيط الدروس وتقديمها، وتحديث المواد بسهولة، ما يضمن بقاء المحتوى ذا صلة ومحدثاً، دون الحاجة لاستبدال الكتب المادية.

وذكر أن الموارد الرقمية تسمح بجمع البيانات في الوقت الفعلي، ما يمكّن المعلمين من تتبع تقدم الطلبة بشكل أكثر فعالية، وضبط استراتيجيات التعليم، لتلبية احتياجات التعلم الفردية. علاوة على ذلك، فإن دمج الكتب الإلكترونية، يقلل عبء تحميل وتخزين الكتب المادية، ما يوجد بيئة صفية أكثر تنظيماً وسلاسة.

وأكد واين هاوسن، مدير مدرسة «ذا أكويلا»، استخدام الكتب الإلكترونية في المدرسة، مع حرصهم على جعل فعل القراءة عادة يومية، وقال إنهم يسعون إلى جعل الاستدامة منهجاً يومياً في حياة وفكر الطلبة، والمساهمة في التقليل من انبعاثات الكربون بنسبة 25 % بحلول عام 2027. مشيراً إلى أن استخدام الكتب الإلكترونية يتماشى مع هذا الهدف، ويسهم بشكل كبير في حماية البيئة، علاوة على فوائد أخرى عديدة.

تجارب دولية

ظهرت مؤخراً تجارب دولية، تعيد النظر في تبنّي الكتب الإلكترونية بشكل حصري، في عدة دول، منها فرنسا واليابان والنرويج والسويد وكوريا الجنوبية، حيث اتخذت خطوات لإعادة الكتب الورقية إلى الفصول الدراسية، بعد أن لاحظت تراجعاً في مهارات الكتابة والقراءة والتحليل لدى الطلاب.

ففي عام 2023، قررت فرنسا إعادة الكتب الورقية بشكل جزئي في المدارس الابتدائية، بعد أن لاحظت تراجعاً في مهارات الكتابة والإملاء لدى الطلاب، وأشارت وزارة التعليم الفرنسية، إلى أن الاعتماد الكامل على الكتب الإلكترونية، أثر سلباً في قدرة الطلاب على التفاعل مع النصوص المكتوبة بشكل تقليدي، ما دفع السلطات إلى اتخاذ قرار بإعادة الكتب الورقية، لضمان تطوير مهارات الكتابة، وبدورها، قررت السويد في نفس العام تقليص استخدام الكتب الإلكترونية، بعدما أظهرت نتائج دراسات انخفاضاً في مستوى التحصيل الدراسي ومهارات القراءة والكتابة لدى الطلاب، ولاحظت السلطات أن الاستخدام المفرط للشاشات، ترك أثراً سلباً في قدرة الطلاب على الكتابة والتركيز، ما جعل السويد تعيد الكتب الورقية كوسيلة لتحسين التعلم، وبدروها، أعادت اليابان الكتب الورقية إلى المناهج الدراسية في بعض المواد عام 2024، بعد ملاحظة الضعف في الإبداع الكتابي والتعبير لدى الطلاب الذين يعتمدون بشكل كامل على الأجهزة الإلكترونية، وأكدت وزارة التعليم اليابانية، أن الورق يساعد الطلاب في تطوير مهارات التحليل والكتابة بشكل أعمق وأكثر تفاعلية. وأيضاً قامت النرويج في عام 2023، بإعادة الكتب الورقية إلى بعض المناهج، بعد أن وجدت أن الاعتماد على الكتب الإلكترونية أثر سلباً في مهارات الكتابة والتحليل لدى الطلاب، فيما شددت الحكومة النرويجية على أن التوازن بين التعليم الرقمي والورقي ضروري، لضمان تحسين جودة التعليم، وتطوير المهارات الأساسية.

أخبار متعلقة :