نافذةٌ على صاحبةِ الجلالة

الدوحة - سيف الحموري - حظيت اللغةُ العربية بأهميةٍ لم تحظ بها أيّةُ لغةٍ أخرى؛ فهي لغة أشرفِ الكتبِ المُقدَّسة، وقد تغنّى بها الشّعراء والكُّتاب منذ قديم الزمان، وعلى الرغم من أنّ العرب في الجاهلية هم أصحاب فطرةٍ لغويةٍ عاليةِ المستوى، وذوقٍ أدبيٍّ فريدٍ، إلاّ أنّهم كانوا يقفون بإجلالٍ لعظمةِ لغتِهم، وما فيها من صورٍ بيانيةٍ وسواها.
كان سحر اللغة يجعل الواحدَ منهم يسجدُ بدونِ شعورٍ حين يقرأ أو يسمع شعرًا متميزًا، كما حصلَ مع الفرزدق بمسجد «بني أقصر» حين سمع رجلًا يُنشد قولَ لبيد:
وجلا السّيول عن الطلول  .. كأنها زبرٌ تجدّ متونها أقلامها
فما كان من الفرزدق إلاّ أن سجد، وقال لمن حوله: «أنتم تعرفون سجدة القرآن وأنا أعرفُ سجدة الشعر».
وفي عهد الرسول المصطفى والخلفاء الراشدين جعلوا العربية جزءًا من المروءة؛ إذ قال سيدنا «عمر بن الخطاب» رضي الله عنه: «تعلموا العربية فإنّها تثبت العقل وتزيد في المروءة».
إنّها إذن لغةٌ فرضت نفسها في أغلب بقاع الأرض، لغةٌ لم يتوقّف حبُّها والتغزّل بها عند العرب فحسب! بل حتى المستشرقين الذين تحدّثوا عنها وعن خصائصها! فنجد على سبيل المثال لا الحصر المستشرقة الألمانية» زيغريد هونكه» صاحبة كتاب «شمس العرب تسطع على الغرب» تقول: «كيف يستطيع الإنسان أن يقاوم جمال هذه اللغة، ومنطقها السليم، وسحرها الفريد؟! فجيران العرب أنفسهم في البلدان التي فتحوها سقطوا صرعى سحر تلك اللغة».
نعم أيها السادة لغتنا تستحقُ منا بذل الغالي والرخيص، لتبقى عزيزةً مصانةً بيننا، كائنًا ينمو ويعطي، ويواكب تطلّعات العصر، وهي قادرةٌ على ذلك بما تمتلكه من خصائصَ ومزايا، فهي بحرٌ زاخرٌ، فيها من الدُرر والخفايا والخصائص ما لا تمتلكه أيّةُ لغةٍ أخرى.
ولعلّ من أهمّ الأمور التي يجب أن ننتبه لها أنّ لغتنا العربية مرتبطة بوجودنا ومستقبلنا؛ فقد سُئل» جبران خليل جبران» عن مستقبل العرب فقال:» إنّ مستقبل العرب متوقف على مستقبل لغتهم فإذا بقيت بقوا وإن اندثرت اللغة اضمحل أهلها وذابوا بين الأمم الأخرى».
وانطلاقًا ممّا سبق تسعى دولةُ قطر بتوجيهاتٍ من أمير البلاد المفدى لمزيدٍ من الحرص على لغتنا العربية، من خلال ترسيخها تحدثًا، وقراءةً، وكتابةً، واستخدامًا في المدارس، علاوةً على سَنّ تشريعاتٍ، وإقامة فعالياتٍ متعددة ومتنوعة لإظهار الوجه الحقيقي للغة العربية، وما فيها من جمالياتٍ وسماتٍ بلاغيةٍ وصورٍ بيانية، فهي أولًا وأخيرًا سلاحُنا، وصلةُ الوصل بين مجتمعاتنا، وبدونها لن نكون.

Advertisements

أخبار متعلقة :