الدوحة - سيف الحموري - أكد علماء ضرورة المشاركة في انتخابات المجلس البلدي المركزي المقررة اليوم، وأن الانتخابات في نظر الشريعة هي الشهادة، ولا يجوز أن يقدمها الإنسان إلا لمن يستحقها، بأن يكون الشخص عادلاً ومخلصاً ومتخصصاً، لافتين إلي أن هذين هما الشرطان الجامعان، وأنه يجب على الإنسان ألا يكتم الشهادة. وقالوا في تصريحات لـ «العرب» «إن التعاون واجب في في كل مصلحة عامة، وأن الإسلام حذر من العصبية، وأن على المسلم أن يختار الأفضل والأصلح ومن يخدم الوطن، مشددين على أن المشاركة في الانتخابات مسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى وشهادة سيدلي بها الناخبون، كما حذر الإسلام من شهادة الزور. ولفتوا إلى أنه يتوجب على المسلم أن ينتخب من هو أهل للمسؤولية، ومن هو أكثر كفاءة، واستعدادا لخدمة قطر وأهلها، وفق الصلاحيات الممنوحة له، ولا يجوز له أن يختار مرشحا أقل كفاءة، ويترك الكفء الصالح، وأن من يفعل ذلك فقد خان الأمانة وشهد شهادة زور لأن انتخابه يعتبر تزكية وشهادة للمنتخب.
د. سلطان الهاشمي: الشريعة تحث على الخير والتعاون للصالح العام
أكد فضيلة الشيخ الدكتور سلطان الهاشمي أستاذ الفقه وأصوله بكلية الشريعة في جامعة قطر، أن من القواعد المقررة في الشريعة الإسلامية أنها مبنية على التعاون، خاصةً إن كان فيه خير بناء للفرد أو المجتمع، وذلك مصداقاً لقول الحق تبارك وتعالى: وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان.
وقال فضيلته: إن الشريعة مبنية على المصالح، فالأصل جلب المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها، ولا شك أن انتخابات المجلس البلدي المركزي فيها مصلحة تعود على المجتمع القطري في تحسين المرافق، وتحسين البنية التحتية وما شابه ذلك عبر انتخاب أعضاء في كل منطقة يقومون على النظر في هذه المقترحات ورفعها إلى الجهات المختصة بما يعود بالنفع على المواطنين وبشكل عام على الدولة.
وأضاف: نحث الناس على المشاركة في هذه الانتخابات التي لا شك فيها مصلحة، ولا شك أن فيها تعاون على الخير لهذا البلد، وإن كان فيه ضرر فلم نكن لندعو إلى ذلك، ولكن لا شك أن هذه الانتخابات فيها الخير والمصلحة والتعاون، فما وضعتها الدولة إلا من أجل الصالح العام، لذلك من هذا الباب أحث نفسي وأحث اخواني على المشاركة في هذه الانتخابات.
وتابع فضيلته: الانتخابات تعتبر من باب الشهادة، بأن هذا الشخص يصلح إلى هذا العمل أو لا يصلح، كما قال الحق سبحانه وتعالى « وَلاَ يَأْبَ الشهداء إِذَا مَا دُعُواْ»، فالناخب يشهد بأن الشخص المرشح جدير بهذا المكان، وجدير بهذا المنصب، لذلك ففي هذه المسألة يجب عند انتخاب العضو أن يتقي الله في هذا الأمر، لأنه سيشهد أمام الناس وأمام الله عز وجل بأن هذا الشخص يستحق أن يكون عضوا في المجلس البلدي، ويستحق أن يكون عضوا في هذا المكان وليس من باب المصلحة الشخصية أو المعرفة أو ما شابه ذلك.
د. علي القره داغي: الانتخابات.. شهادة في نظر الشريعة
قال فضيلة الشيخ الدكتور علي محيي الدين القره داغي - الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المســـــلمين ونائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث: بالنسبة لانتخابات المجلس البلدي المركزي بدولة قطر، فهي خطوة طيبة ومباركة في أهم القضايا التي ترتبط بخدمة المجتمع والدولة، ونشكر القيادة الحكيمة، حفظها الله، على هذا الاستحقاق المبارك.
وأضاف: أن مسألة الانتخابات في نظر الشريعة هي الشهادة، ولا يجوز أن يقدمها الإنسان إلا لمن يستحقها، بأن يكون الشخص عادلاً ومخلصاً ومتخصصاً، فهذان هما الشرطان الجامعان، كما قال سيدنا يوسف عليه السلام وجاء في محكم التنزيل «قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ»، حفيظ أي أنني مؤتمن وأحافظ على الأمانة وانفذها بدقة، ولا أخون أحداً، وعليم أي أن لي علم وصاحب تجربة، أي الإخلاص والاختصاص.
وتابع: لذلك يجب أن توجه الأصوات إلى من يتوافر فيه هذان الشرطان، وعند التساوي ينظر الشخص إلى من هو الأفضل، فهذا هو الأساس ولا يجوز أبداً أن تكون المحاباة أو الجوانب المتعلقة بالقرابة التأثير في قضية الاختيار.
وأكد أنه يجب على الإنسان ألا يكتم الشهادة، فكما جاء في القرآن الكريم «ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه».
وأضاف: أوصي جميع إخواني وأخواتي الذين ينتخبون أبناءنا وبناتنا، أنصحهم والدين النصيحة، بأن يختاروا من يتوافر فيه هذان الشرطان الإخلاص والاختصاص، وأتمنى أن يتمخض هذا الانتخاب عن مجلس يكون كل أعضائه ممن يتوافر فيهم هذا الشرطان.
د. جاسم بن محمد الجابر: واجب الناخب اختيار المرشح الأصلح ديناً وعلماً
قال فضيلة الشيخ الدكتور جاسم بن محمد الجابر إن اختيار السلطة من حقوق الأمة، سواء أكانت السلطة تشريعية أم غير تشريعية، وأن شرط المترشح لها: الأهلية الدينية والعقلية والجسمية، والقدرة على إقامة مصالح الأمة.
وأضاف: قد جاء في الحديث أن أبي ذر قال يَا رسول اللَّه، ألا تَستعمِلُني؟ فضَرب بِيدِهِ عَلَى مَنْكبِي ثُمَّ قَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ، إنَّكَ ضَعِيفٌ، وإنَّهَا أَمانةٌ، وإنَّها يَوْمَ القيامَة خِزْيٌ ونَدَامةٌ، إلَّا مَنْ أخَذها بِحقِّها، وَأدَّى الَّذِي عليهِ فِيها) رواه مسلم. فقد رشح أبو ذر نفسه للولاية، ولم يُقبل لأنه ليس أهلاً بسبب ضعفه رضي الله عنه وثقل الأمانة.
وتابع: أما الناخبون فالواجب عليهم شرعاً اختيار الأصلح ديناً وعقلاً وعلماً، ممن يحافظ على حدود الله، وأمن الأمة ومصالحها، فلا يجوز لهم أن يمنحوا أصواتهم إلا لمن يعرفون كفاءته وأهليته، وإلا فسيكونون سبباً في ضياع الأمانة، حيث يوكّلون من لا يصلح، أو يشهدون شهادة زور. وأوضح فضيلته أن فإن أساس الاختيار في الإسلام للمرشح هو الأمانة والقوة وتحمل المسؤولية والقيام بالعمل على أكمل وجه، منوهاً إلى أن القرآن الكريم لخص مواصفات المسؤول بقول الله تعالى حكاية عن بنت الرجل الصالح (شعيب): إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ {القصص:26}.
وأكد أن القوة لا تعني القوة الجسمانية فحسب، بل يمتد مفهوها إلى القدرة على تحمل المسؤولية والأمانة والضمير الإيماني، وكلها معايير يجب أن ينظر الناخب فيها، ولا ينظر إلى أمور أخرى كصلة القرابة، لأنه مسائل عن اختياره أمام الله، إن كان اختار من هو أصلح للناس والمجتمع.
وقال فضيلته: لا يجوز للمسلم أن يختار مرشحا أقل كفاءة، وهو يجد الكفء الصالح، ومن فعل ذلك فقد خان الأمانة وشهد شهادة الزور لأن انتخابه يعتبر تزكية وشهادة للمنتخب، وقد روى الحاكم في المستدرك بسنده عن حسين بن قيس الرحبي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من استعمل رجلا من عصابة وفي تلك العصابة من هو أرضى لله منه فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين . قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
وأضاف: ولهذا فالواجب على المسلم أن ينتخب من هو أهل للمسؤولية، ومن هو أكثر كفاءة، واستعدادا لخدمة قطر وأهلها، وفق الصلاحيات الممنوحة له.
د. فضل مراد: المشاركة الانتخابية من المصالح العامة
أكد فضيلة الدكتور فضل مراد أستاذ الفقه والقضايا المعاصرة بكلية الشريعة في جامعة قطر، أن على المسلم تجاه بلده، أن يهتم بقضاياه، والتعاون مع اخوانه على بنائه والحفاظ عليه، وأن الشريعة إنما جاءت لحفظ المصالح ودرء المفاسد، وأن المصالح العامة هي أعظم لأنها أشمل وأنفع للمسلمين.
وقال فضيلته: لذلك فكل مصلحة عامة يجب أن يتعاون فيها الجميع، وقد قال الله سبحانه وتعالى «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان»، والبر والتقوى هو كل مصلحة تعلقت بها مصلحة المجتمع ومصلحة الدولة ومصلحة الشعب، وكل مصلحة تعلقت بها مصالح حفظ النفوس، كبناء المستشفيات، وحفظ العقول، كالمدارس والجامعات، وحفظ الأموال، كالبنوك وغير ذلك من الأمور، وكل ما يحفظ الأديان والأموال والعقول والأنفس من المقاصد العامة الكبرى، وكل شيء عام يجب أن يتعاون الجميع في حفظه. وأضاف: أن الإسلام حذر من العصبية، وعلى المسلم أن يختار الأفضل وأن يختار الأصلح، وأن يختار من يخدم الوطن، وهذه مسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى وشهادة سيدلي بها، ويقول الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل «ستكتب شهادتهم ويسألون»، وقد عظم الإسلام الشهادة القائمة على غير الحق وسماها شهادة الزور، وقال سبحانه: وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا.
وتابع د. فضل مراد متوجهاً بحديثه إلى الناخب: شهادتك لأي شخص يجب أن تكون بالعدل وبالحق، والله عز وجل يقول: «يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين». فيجب على الإنسان أن يتحلى بالمصداقية في الشهادة على الناس، لافتا إلى أن هذه المشاركة الانتخابية بالمجلس البلدي من المصالح العامة التي ينبغي للإنسان فيها أن يختار من يراه مناسباً لها ويراه متحملاً للأمانة، لأنها أمانة بين يدي الله سبحانه وتعالى، والله عز وجل يقول: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ.
د. جعفر الطلحاوي: نموذج في الولاء للوطن وخدمة المواطن
أكد فضيلة الشيخ الدكتور جعفر الطلحاوي - أحد علماء الأزهر عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والهيئة العالمية لتدبر القرآن الكريم أن المشاركة في انتخابات المجالس البلدية بفاعلية وإيجابية، مع ضرورة نبذ القبلية، فريضة شرعية وضرورة بشرية.
وذكر د. الطلحاوي عدة أسباب لذلك، فقال هي بوابة رئيسية ومدخل قوي وركيزة لمبدأ الشورى، الذي أمر الله به فقال {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159] وامتدح المؤمنين القائمين به بقوله:» {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38]» والآية عامة للناس كلهم، الراعي مع الرعية، وأفراد الرعية بعضهم مع بعض، والرئيس مع مرؤوسيه؛ بل حتى على مستوى الأسرة الخلية الأولى في بناء المجتمع المرأة مع زوجها يتشاوران فيما فيه مصلحة أفراد الأسرة لأصفر فرد فيها ({فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا } [البقرة: 233]) فتأدية خدمات الناس ومصالحهم اليومية أخذاً وعطاءً دفعاً أو منعاً من أوجب الواجبات الشرعية، والشورى أفضل سبيل للوصول إلى أفضل أداء لذلك.
وأضاف: أن المشاركة في هذه المجالس - مرشحا أو ناخبا - صورة إيجابية ونموذج من صور ونماذج الولاء للوطن وخدمة المواطنين فحب الوطن من صميم ديننا في الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -» اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ، أَوْ أَشَدَّ).
وتابع: ولا سبيل لهذه الفاعلية، ولا طريق لتحقيق وأداء هذه الفريضة الشرعية والضرورة البشرية، إلا بأن يتحلى المشارك فيها سواء كان ناخبًا أو مرشحًا - فكلنا في مركب واحد - بعدة صفات وضوابط لإنجاح هذه العملية وكي تؤتي ثمارها المرجوة والمتوخاة منها، وأهم هذه الضوابط والصفات:
(1) الإخلاص لله سبحانه، فالخدمات التي تؤديها هذه المجالس عظيمة وجليلة وهي من أعمال البر التي يتم التقرب بها إلى الله تعالى.
(2) تكون المشاركة عن محبة لله وفي الله فالحب للغير إيمان، ففى الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -: (« ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ، وَطَعْمَهُ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ، لَا يُحِبُّهُ إِلَّا للهِ، وفي رواية: (وَأَنْ يُحِبَّ فِي اللهِ، وَأَنْ يُبْغِضَ فِي اللهِ).
(3) حسن الخلق من مثل (الشرف، الأمانة، والنصيحة، والصدق، الشفاعة، الشهامة، طلاقة الوجه، العدل والمساواة، العزم والعزيمة، العفة والنزاهة، العطف، علو الهمة، البشاشة، الاحتساب، الإحسان، الإخاء فكل أبناء دائرته بله أبناء بلده إخوانه، من منحه صوته، ومن ضن به عليه لاعتبار عنده لم يبده له، فالكل إخوانه وهو في خدمة بلده ومن علي أرض وطنه، الاستقامة، الإنصاف، الإيثار، وغيرها من الصفات.
(4) تقديم المصالح العامة على المصالح الشخصية، والاستعلاء على الانتماءات القبلية.
(5) لابد أن يتحلى العضو المنتخب عند النقاش بروح الفريق لا بروح الفردية والاستعلاء وهذا هو قدوتنا وأسوتنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يشارك بروح الفريق في مثل هذه الخدمات العامة، للصالح العام كما في يوم الخندق.
أخبار متعلقة :