الارشيف / حال قطر

قراءة في كتاب للباحثة د. لولوة عبد الله المسند.. النظرية المتوسطة في اقتصاديات العمل

الدوحة - سيف الحموري - يُعرّف علماء الاقتصاد اقتصاديات العمل بأنها «دراسة تخصيص وتسعير مورد العمل»، أهم الموارد الاقتصادية، لارتباطه بالإنسان الذي هو غاية الإنتاج وهدفه، ومن ثم فالمكتبة العربية بحاجة للدراسات العميقة، التي تُحلل موارد العمل، وطرائق تنظيم الأسواق، لتفادي حالات الاختلال في سوق العمل. ويعزف الكثير من الباحثين المتمرسين عن ولوج مجال الدراسات الاقتصادية، لتشعب عناصرها، ولكثرة أرقامها، ما يجعلها دراسات ذات قالب جامد، تجعل القارئ يمل منها بسرعة، كما أنها بحاجة للتسلح بعددٍ كبيرٍ من المناهج، التي ترتبط بالاجتماع والاقتصاد والتاريخ والجغرافيا وغيرها، وبحاجة كذلك للإطلاع على النظريات الاقتصادية القديمة والحديثة، لأجل توسيع أفق الدراسة، بالاستفادة منها في الجانب التطبيقي. 
وكتاب الدكتورة لولوة عبد الله المسند، المعنون: «اقتصاديات السوق: النظرية المتوسطة.. إشارة لدول مجلس التعاون الخليجي» والمنشور عن سنابل للدراسات الاقتصادية والتطوير في عام 1997، يُسلّط الضوء على اقتصاديات العمل، متجاوزًا التحليل التقليدي للسوق، إذ إن خدمة العمل مورد لا يُباع بالمعنى الحرفي للكلمة، كما لا يُمكن فصلها عن العامل، ما يُضفي على تبادلها طابعًا شخصيًا ومؤسسيًا في آن واحد، ولهذا تختلف نظرة الاقتصاديين لتبادل خدمة العمل، فمنهم من يراها سلعة، ويراها آخر علاقة تبادلية مؤسسية شخصية، فهناك من يطلب خدمة العمل، وهناك من يعرضها، ما يُدخلها ضمن التحليل التقليدي للأسواق؛ باعتبارها سلعة تخضع لقوانين العرض والطلب.

تحليل السوق
تعتمد الباحثة في كتابها، القائم على قائمة ثرية من المصادر والمراجع العربية والإنجليزية، على تحليل السوق بدراسة مورد العمل، واختلالات الأسواق، وطرق تنظيمها بما يتفادى حالات الاختلال، وذلك من خلال أربعة أبواب وفصل تمهيدي، لتنطلق في دراستها من أسواق عناصر الإنتاج، وذلك بتعريف الموارد وتصنيفها من حيث قدرتها على تلبية الاحتياجات الموجهة إليها، وأصل المورد وطبيعته، والعمر الزمني، لتشير بعد ذلك لاختلاف الاقتصاديون حول ماهية العنصر الإنتاجي، الذي يخلق القيمة في العملية الإنتاجية، مؤكدة أن ابن خلدون (1332-1406) كان له السبق في تقسيم عناصر الإنتاج إلى: العمل، رأس المال، موارد الطبيعة، ثم تُحلل مورد العمل كأحد الموارد الاقتصادية، موضحة العوامل المؤثرة في طلب العمل، والمؤثرة في عرض العمل. 
تنتقل في الباب الأول لدراسة جانب طلب العمل في الأسواق التنافسية ثم الاحتكارية سواء من مشتري خدمات العمل أو من بائع خدمات العمل، أو في حالة الاحتكار الثنائي عندما يكون كل من بائع العمل ومشتريه محتكرًا. وأخيرًا الطلب الكلي للعمل، والذي يعني مجموع طلب العمل في الاقتصاد عمومًا لكل فئات العمل في القطاعات الاقتصادية المختلفة، ثم تناولت طلب العمل القطاعي من حيث منشا الملكية (القطاع العام والخاص) أو في النشاطات الاقتصادية المختلفة، أي من حيث نوع الإنتاج الذي يقوم به القطاع، وتربط ذلك بمسألة النمو الاقتصادي والتنمية الاقتصادية.

عرض العمل
وتخصص الباب الثاني لجانب عرض العمل، أي حجم الجهد المبذول من قبل حجم معين من السكان من أجل الربح أو الأجر في فترة زمنية محددة، موضحة أننا نستطيع أن نقيس كمية العمل المعروض اعتمادًا على عدد الأفراد المشتغلين والنشطين في البحث عن العمل، وعدد الساعات التي يرغبون في العمل فيها من مجمل العدد الثابت للساعات التي يملكونها في اليوم الواحد، وذلك بمناقشة الدخول في قوة العمل، والإسهام في النشاط الاقتصادي، من خلال العرض الكلي للعمل، والإنتاج غير السوقي، لتنتقل إلى الخصوصية بدراسة الخصائص السكانية لدول مجلس التعاون، وتأثيرها في حجم العمل، والتي تتأثر بارتفاع نسبة السكان تحت سن العمل، وارتفاع نسبة العمالة المهاجرة في قوة العمل، ونقص عرض المهارات الفنية لدى قوة العمل المواطنة، ثم تُحلل عرض ساعات العمل الفردية (الجهد) باعتبار أن الساعات الأسبوعية التي يكون فيها العامل مستعدًا للعمل تُمثل كمية العمل خلال الأسبوع، وعرض المهارة المتمثلة في الاستثمار في رأس المال البشري، فالعامل عندما يلتحق بعمل ما يحمل بعض المهارات التي اكتسبها بالتعليم أو الخبرة أثناء قيامه بمهام وظيفته، وعلى هذا فإن رأس المال البشري هو جميع الخصائص المكتسبة التي ترفع من إنتاجية العامل، ومن ثم تركز على التعليم والتدريب كنوع من الاستثمار في رأس المال البشري؛ بافتراض أن لهما الدور الأكبر في رفع إنتاجية الفرد.

البطالة والتضخم
ويقتصر الباب الثالث على اختلالات أسواق العمل، كالبطالة، التضخم، الاختلالات المؤسسية في سوق العمل، وتخصص الفصل الثامن لتناول اختلالات أسواق العمل العربية ما بين الطفرة النفطية (1973-1982) وفترة الهبوط الاقتصادي بعدها موضحة أسباب هذه الاختلالات، وكيف يمكن معالجتها، والفصل التاسع لاختلالات سوق العمل العالمي في ضوء الاتجاه نحو عولمة أسواق العمل والسلع، وتطور التقنيات، والانفتاح التجاري بين دول العالم.
وأخيرًا توضح في الباب الرابع الأسباب الداعية لتنظيم أسواق العمل، وآليات تنظيم هذه الأسواق، وذلك بعرض المعايير الدولية للعمل، والمعتمدة من منظمة العمل الدولية، وتطبيقاتها في دول مجلس التعاون من خلال تحليل بعض الاتفاقيات وبعض القوانين، مع تسليط الضوء على آليات حماية دخل العمل، إذ إنه يحدد مستوى الرفاهية الاقتصادية للعامل، لأن العمل هو العنصر الإنتاجي الذي تملكه الشريحة الكبرى من الأفراد، وهو ما أدى إلى ميلاد التأمين الاجتماعي، وتختتم بمناقشة آليات تنظيم علاقات العمل.
ويركز الجانب التطبيقي من الكتاب على دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بتقديم الأمثلة، التي تربط بين التحليل النظري والواقع الذي تعكسه أسواق العمل في هذه الدول.
ويسد الكتاب في المجمل نقصا ظاهرا في المكتبة العربية في مجال اقتصاديات العمل وتطبيقاتها، إذ إن الدراسات في هذا المجال قليلة نسبيًا، ما يجعله إضافة مهمة للمكتبة العربية عامة، ومكتبة الدراسات الاقتصادية خاصة، ومكتبة نظريات اقتصاديات العمل بشكل أكثر خصوصية.

Advertisements

قد تقرأ أيضا