الدوحة - سيف الحموري - سلطت ندوة نظمتها مسابقة قطر الدولية للخط العربي "الرقيم" بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية واللجنة القطرية لتحالف الحضارات بوزارة الخارجية، الضوء على أثر الخط العربي في تعزيز حوار الحضارات والثقافات في ضوء الجوانب الفنية والجمالية التي تميزت بها الكتابة بالعربية عن سائر اللغات الأخرى.
وركزت الندوة على ثلاثة محاور تمثلت في تاريخ الخط العربي والمراحل الحضارية التي مر بها ومدارسه وأنواعه، والأثر الذي تركه في التواصل والتفاعل الحضاري بين الحضارة الإسلامية وغيرها من الحضارات الأخرى، إلى جانب انتشاره الواسع كفن جمالي في العمارة مثل المساجد والقصور وغيرهما في العالم الإسلامي وخارجه.
وأبرز المتحدثون في الندوة ارتباط الخط العربي بالهوية الدينية والحضارية للأمة الإسلامية، ولفتوا إلى أبعاده الجمالية والفنية التي تركت أثرها في العديد من الأمم والشعوب التي وصل إليها المسلمون أو كانت على اتصال بحضارة الإسلام.
وأكدوا أن الخط العربي هو فن إسلامي خالص تميزت به الحضارة الإسلامية، وارتبط بالقرآن الكريم، لافتين إلى أنه وعلى مر التاريخ لم يسبق للكلمة المكتوبة أن كانت فنا مرئيا قبل الإسلام ونزول القرآن الكريم الذي كان المحرك والملهم للإبداع الجمالي في الخط العربي.
وقال الدكتور صالح بن علي الأخن المري رئيس اللجنة المنظمة لمسابقة قطر الدولية للخط العربي "الرقيم"، إن الخط العربي يمثل صفحة من صفحات الحضارة الإسلامية العريقة التي فتحت نافذة للتلاقي، والتحاور، والتفاعل مع الأمم المختلفة، حيث دخل في لغات شعوب الإسلام، وفنونها البصرية على اختلاف ثقافاتها.
وأكد أهمية الالتفات إلى الخط العربي، والاهتمام به، ليكون طريقا، وجسرا للعمل المشترك لنشر الخير بين الإنسانية، وقال "الخط العربي كفن عربي إسلامي يمثل واحدة من الوسائل لتعزيز التواصل والتفاعل الحضاري مع الأمم والشعوب الأخرى".
وقدم عبيدة البنكي خطاط مصحف قطر، عرضا لتطور الخط العربي منذ القرن الأول للهجرة وحتى العصر الحاضر، وكيف ساهم حرص المسلمين على كتابة القرآن الكريم وتدوينه في تطور الخط العربي واكتسابه تلك الأبعاد الجمالية التي جعلت منه فنا إسلاميا خالصا ومظهرا تجلت فيه الجوانب الجمالية للإسلام وللحضارة الإسلامية.
كما استعرض مدارس الخط العربي من الحجاز إلى الكوفة وبغداد وبلاد فارس وتركيا، وأنواع فنون الخط العربي، والمراحل الحضارية التي مر بها، وأبرز الخطاطين عبر التاريخ، ودورهم في وضع القواعد والمعايير التي أكسبت هذا الخط مكانته كفن ميز الكتابة العربية عن سائر الكتابات باللغات الأخرى.
بدوره، عرض أحمد فارس، الخطاط والخبير في مجال الخط والفنون الإسلامية، مدى اعتناء المسلمين بالخط العربي، وتوظيفه في نشر الإسلام، والدعوة إليه، وقال "دخل الخط في خدمة كتاب الله منتقلا من كونه كتابة وظيفية تدوينية إلى فن يتجلى فيه جمال الإسلام، فكأنما أسبغ الدين جمالا على جمال العربية وأسبغت العربية جمالها على الصورة المرئية منها وهو فن الخط".
وأضاف "فن الخط العربي كان بمثابة الغذاء الروحي للمسلمين وبه تشكلت هويتهم الجمالية، وكما كان الدين الإسلامي رابطا بين حضارات عظيمة قديمة من الصين والهند شرقا إلى بلاد الأندلس غربا فقد كان تذوق جمال الخط موحدا لأبناء هذه الحضارات".
وأشار إلى أن الحرف العربي أصبح حرفا متداولا في العالم الإسلامي لكتابة العديد من اللغات، والاندماج مع زخارفها، وفنونها البصرية المحلية، كما نجح بحكم قداسة القرآن الكريم في الوصول للعالمية.
وتحدث الخطاط أحمد فارس، عن الواقع الراهن لفن الخط العربي مع تراجع الاهتمام بتعليمه وتدريسه كما كان في السابق، ودعا إلى إعادة الاهتمام باللغة العربية وتعليمها وتعلمها وإتقانها باعتبار ذلك المنطلق للحفاظ على الخط العربي وفنونه المختلفة.
إلى ذلك، أكد الشيخ الدكتور عبدالسلام البسيوني، الداعية الإسلامي، والذي تناول انتشار فن الخط العربي في العمارة، أن الخط العربي تأتي أهميته من أنه كان وعاء حفظ القرآن والسنة وعلوم الإسلام، وأن الفنون الأخرى جاءت خادمة له، ومبرزة لجمالياته.. مبرزا التنوع في أشكال الخط العربي وأنواعه وفنون الزخرفة والتذهيب والإبرو التي كانت من تجليات هذا الفن.
وعرض في مداخلته للانتشار الواسع لفنون الخط العربي من الصين في الشرق وحتى الأندلس في الغرب، تاركا إرثا جماليا وفنيا شاهدا على عظمة الحضارة الإسلامية وجماليات لغتها العربية، وقال إن الخط العربي برز في المفردات اليومية للتراث المادي كالآنية والأسلحة والخشبيات والنحاسيات والثياب وغيرها، وكانت العمارة أبرز تجلياته الفنية.
ومن خلال عشرات الصور التي عرضها الدكتور البسيوني، تجلى مدى انتشار فن الخط العربي في الحضارة الإسلامية والذي ظل صامدا على مدى قرون في المساجد والقصور والحصون والبوابات والآبار والحدائق والجسور والأضرحة والمدارس والتكايا وشواهد القبور والأعمدة والأسلحة والملابس والأواني والتحف في المنازل وغيرها، على امتداد العالم الإسلامي وكذلك في البلدان التي كانت على اتصال مع الحضارة الإسلامية.
وخلص المتحدثون إلى عراقة فن الخط العربي، وأصالته، وأنه رافق الحضارة العربية قبل الإسلام، وأن انطلاقته الحقيقية كانت مع نزول القرآن الكريم، الذي انتقل باللغة العربية، والخط العربي معا إلى أفق أرحب، ومدى أوسع.
ونوهوا باهتمام دولة قطر بالخط العربي من منطلق اهتمامها باللغة العربية، وقالوا إن مسابقة "الرقيم" في الخط العربي التي عقدت هذه الندوة في إطار فعالياتها هي شاهد آخر على مدى هذا الاهتمام.. مؤكدين أهمية استمرار هذه المبادرات وتحويل هذه الجهود إلى مؤسسات دائمة تعتني باللغة العربية والخط العربي وفنونه المختلفة.
يشار إلى أن مسابقة قطر الدولية في الخط العربي "الرقيم" هي إحدى أكبر المسابقات في مجالها، وينظمها كل من مركز الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود الثقافي الإسلامي ومتحف الفن الإسلامي، وتهدف إلى الحفاظ على اللغة العربية، وخدمة القرآن الكريم، وإبراز جمال الخط العربي كنوع من الفنون، وانطلقت دورتها الأولى في يوليو من العام الماضي، وتبلغ قيمة جوائزها مليون ريال.