الدوحة - سيف الحموري - أكد محمد حسونة أخصائي بستنة بمركز صون الموارد النباتية بحديقة القرآن النباتية، عضو مؤسسة قطر، أن التحديات في المناطق الجافة مثل دولة قطر تفاقم من تعقيد الحصول على بيانات دقيقة حول خصائص التربة لفهم أسلوب تدهورها أو تحسنها، منوهاً إلى أن الإدارة الفعّالة للتربة تعتمد على معلومات موثوقة تساعد في اتخاذ قرارات مستنيرة حول الزراعة المستدامة وحماية الموارد الطبيعية.
وأوضح حسونة في تصريحات خاصة لـ «العرب» أن التربة تتعرض في هذه المنطقة لضغوط متعددة منها - على سبيل المثال وليس الحصر - الملوحة، وندرة المياه، وارتفاع درجات الحرارة، بما يعد ذلك مهددات لاستدامة الموارد النباتية والأمن الغذائي.
وقال أخصائي البستنة بمركز صون الموارد النباتية في حديقة القرآن النباتية: تعتبر التربة أحد أضعف العناصر البيئية التي تُعاني من التدهور المستمر في دولة قطر، كما في العديد من البلدان الصحراوية الأخرى، فالتربة القطرية، التي تتسم غالبًا بالتربة الرملية والملحية، (فيما عدا الروضات)، تواجه صعوبات جمة تتمثل في ملوحتها العالية وقلة محتواها في المواد العضوية، مما يجعل قطاعا كبيرا منها غير ملائم للزراعة التقليدية، لذلك فإن هذه التحديات تزداد مع الاعتماد الكبير على المياه الجوفية المستمرة في ارتفاع ملوحتها نظرًا للضغط الهائل على مخزونها المتواضع، مما يؤدي لاحقًا إلى تراكم الأملاح وتدهور خصوبة التربة.
وأضاف: في الوقت ذاته، هناك بعض الفرص التي قد تمكّن البيئة القطرية من تحسين جودة التربة وتحقيق استدامة التوسع الزراعي الحالي، على سبيل المثال، تركز الدراسات الحديثة على استخدام النباتات المتحملة للملوحة والتي تتكيف مع بيئة التربة المالحة وتساهم في تثبيتها أيضًا. وهذه النباتات تعتبر من الحلول الفعّالة لتحديات التربة المالحة في قطر، حيث تساهم في تقليل تآكل السواحل وتحسين خصوبة التربة في المناطق الجافة.
رؤية بيئية إستراتيجية
وأردف حسونة: إلى جانب النباتات الملحية، تلعب الفطريات دورًا محوريًا في تحسين خصوبة التربة من خلال تحلل المواد العضوية، فالدراسات الحديثة أكدت أن الفطريات تساعد في إعادة تدوير العناصر الغذائية في التربة الصحراوية الفقيرة، حيث تقوم الكائنات الدقيقة بتفكيك المواد العضوية وتحويلها إلى عناصر غذائية قابلة للاستخدام من قبل النباتات، من خلال هذا الدور، تساهم الفطريات في تحسين قدرة التربة على الاحتفاظ بالموارد الغذائية وزيادة خصوبتها بشكل عام.
وأشار إلى أن دولة قطر تتمتع برؤية بيئية إستراتيجية قوية، تُعد نموذجًا مشرفًا في مجال إدارة الموارد الطبيعية والحفاظ على البيئة بالرغم من التحديات البيئية الكبرى التي تواجهها المنطقة، مثل الملوحة العالية ونقص المياه، إلا أن الدولة أظهرت التزامًا استثنائيًا في تبني حلول مبتكرة ومستدامة تهدف إلى تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة. وأوضح أن بفضل استثماراتها المستمرة في التكنولوجيا والبحث العلمي، فقد تمكنت قطر من إيجاد حلول فعالة لتحسين إدارة التربة والمياه، ويعد أحد أبرز الإنجازات هو استغلال تطبيق تقنيات الري الحديثة التي تساعد في الحفاظ على المياه وتقليل تأثير التملح على التربة، مما يعزز الإنتاج الزراعي في ظل الظروف الصحراوية القاسية، وأن دولة قطر تولي اهتمامًا كبيرًا بتطوير إستراتيجيات للحد من التلوث الصناعي، من خلال استخدام التقنيات البيئية المعالجة لتقليل آثار الأنشطة الصناعية على التربة والمياه.
ونوه إلى أن جهود قطر في استصلاح التربة المالحة باستخدام النباتات الملحية وإدخال ممارسات زراعية مستدامة تساهم بشكل كبير في استدامة الأراضي الزراعية في بيئتها الصحراوية، كما أن التركيز على استدامة الزراعة وتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي ليس مجرد هدف، بل هو جزء من رؤية قطر المستقبلية لضمان الأمن الغذائي وتحقيق التنمية المستدامة على المدى الطويل.
وقال حسونة: اهتمام قطر بالبيئة وتطوير سياسات إدارة التربة والمياه يعكس دورها الريادي في المنطقة والعالم في مجال الابتكار البيئي، ويجعلها نموذجًا يُحتذى به في كيفية مواجهة تحديات الموارد الطبيعية في ظل تغيرات المناخ العالمي.
ملوحة ونقص المياه
وأضاف: تواجه الزراعة في قطر تحديات بيئية كبيرة، أبرزها ملوحة التربة الناتجة عن استخدام المياه الجوفية المالحة، مما يؤثر سلبًا على خصوبة التربة وقدرتها على دعم المحاصيل الزراعية التقليدية. وللتغلب على هذه التحديات، تُعتبر تقنيات الري الحديثة، مثل الري بالتنقيط، من الحلول الفعّالة، حيث يساهم الري بالتنقيط في توزيع المياه بدقة، مما يقلل من تأثير الملوحة على التربة ويحد من هدر المياه، وهو أمر بالغ الأهمية في دولة قطر التي تعاني من ندرة المياه العذبة.
وتابع: بالإضافة إلى الري بالتنقيط، هناك تقنيات ري أخرى مناسبة لبيئة قطر كالري المحوري (Center Pivot Irrigation) ويُستخدم هذا النظام لتغطية مساحات زراعية كبيرة، حيث يتحرك نظام الري بشكل دائري حول نقطة مركزية، مما يضمن توزيعًا متساويًا للمياه، ويُعتبر هذا النظام أوتوماتيكيًا بالكامل، مما يقلل من الحاجة إلى العمالة ويزيد من كفاءة استخدام المياه. إلى جانب الري بالرش (Sprinkler Irrigation) الذي يعتبر مناسبًا جدًا للمناطق المرتفعة والرملية حيث سقوط قطرات المياه على الأرض يحد من انجراف حبيبات الرمل ويثبتها بشكل جيد كما يتم توزيع المياه به عبر رشاشات توزع المياه على شكل رذاذ، مما يساعد في تقليل تأثير ملوحة التربة.
وأوضح أن هذا النظام يُعتبر مناسبًا للمساحات المتوسطة والكبيرة، ويتضح أن الري تحت السطحي (Subsurface Drip Irrigation) من أهم النظم الحديثة التي من الممكن تطبيقها في التربة القطرية وقد تم دراسته بشكلٍ وافٍَ في أطروحة الدكتوراه للدكتور مسعود جار الله المري، حيث يُعتبر هذا النظام من أحدث تقنيات الري، بينما يتم تركيب أنابيب الري تحت سطح التربة، مما يقلل من تبخر المياه ويحد من نمو الأعشاب الضارة.
دور التكنولوجيا في إدارة التربة
وقال حسونة: من خلال اليوم العالمي للتربة 2024، يتزايد الاهتمام باستخدام التقنيات الحديثة مثل الاستشعار عن بُعد والذكاء الاصطناعي لتحليل خصائص التربة وتصنيفها، وأن هذه الأدوات توفر معلومات دقيقة حول حالة التربة، مثل درجة الملوحة، والاستجابة الكهربائية للتربة، والمواد العضوية. وهذا يساعد في اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن إدارة الأراضي، كما يسهم في تعزيز إنتاجية التربة بشكل مستدام.
وأكد إمكانية الاستفادة من الاستشعار عن بُعد لتحديد المناطق التي تعاني من نقص في المغذيات أو تراكم الأملاح، مما يتيح للسلطات والمؤسسات المعنية بحماية البيئة التركيز على هذه المناطق وتطبيق الحلول الفعّالة لمعالجتها، كما يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات التربة وتحسين إستراتيجيات الري والأسمدة بشكل يتناسب مع الظروف البيئية المحلية.
وأشار إلى أن اليوم العالمي للتربة 2024 هو فرصة لتسليط الضوء على أهمية التربة في قطر وفي العالم، لا سيما في ظل التحديات البيئية المتزايدة. فالتربة هي أساس حياة الإنسان، إذ تساهم في توفير الغذاء، وتخزين المياه، وتحقيق الاستدامة البيئية. لذلك، فإن إدارتها بشكل مستدام يتطلب تبني الحلول التقنية والبيئية التي يمكن أن تحسن من خصوبتها وتقلل من تدهورها. وفي ظل التحديات التي تواجه التربة في قطر، تعد هذه الإستراتيجيات ضرورة لضمان استدامة الزراعة وحماية البيئة في المستقبل.
ولفت إلى أن اليوم العالمي للتربة، الذي يصادف الخامس من ديسمبر كل عام، يمثل مناسبة تهدف إلى تعزيز الوعي حول أهمية التربة الصحية وضرورة إدارتها بشكل مستدام، وأن في هذا اليوم، تركز الدول والمنظمات الدولية على تقديم رسائل حاسمة حول الدور المحوري للتربة في الأمن الغذائي، والتنمية المستدامة، والحفاظ على البيئة، كما تنطلق دعوات متجددة لتفعيل الإجراءات التي تضمن حماية التربة من التدهور وتحسين جودتها في مختلف أنحاء الكوكب، بما في ذلك دولة قطر، التي تواجه كغيرها من البيئات المماثلة تحديات بيئية معقدة تفرض ضرورة النظر إلي تحسين جودة التربة بشكل خاص.
ونوه بأن شعار اليوم العالمي للتربة لهذا العام تحت عنوان «رعاية التربة: القياس والمراقبة والإدارة»، يعكس ضرورة الحصول على بيانات دقيقة حول خصائص التربة لفهم أسلوب تدهورها أو تحسنها. ذلك لأن الإدارة الفعّالة للتربة تعتمد على معلومات موثوقة تساعد في اتخاذ قرارات مستنيرة حول الزراعة المستدامة وحماية الموارد الطبيعية.