ابوظبي - ياسر ابراهيم - السبت 5 أبريل 2025 07:05 مساءً - ما تزال أصداء الرسوم الجمركية لاتي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على السلع من مختلف العالم تتواصل وتتصاعد، واعتبرها الخبراء إطلاق رصاصة على الساق، باعتبار أن المستهلك الأمريكي سيكون أكثر المتضررين من تلك الرسوم، وبصفة خاصة الرسوم المفروضة على الصين.
وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية بنسبة 20% على الواردات الصينية فور توليه منصبه في يناير. وضمن خطة شاملة جديدة تهدف إلى تحفيز الصناعة الأمريكية، أضاف يوم الأربعاء رسوماً جمركية جديدة بنسبة 34%، ليصل إجمالي الرسوم المفروضة على الصين إلى 54%، وهي أعلى نسبة تفرضها الولايات المتحدة على أي دولة.
ويهدد هذا القرار بارتفاع حاد في أسعار البضائع المستوردة من الصين، وعلى رأسها هواتف آيفون التي تُصنّع غالبًا هناك. تنتج شركة آبل نحو 200 مليون جهاز آيفون سنويًا، ومعظمها يُجمع في الصين، ما يضع هواتفها في قلب العاصفة الجمركية.
وبحسب تقديرات المحللين يوم الخميس، فإن الزيادة الجديدة في الرسوم قد ترفع أسعار أجهزة آيفون بنسبة تصل إلى 43%، ما قد يدفع ثمن بعض الطرازات إلى مستويات خيالية.
وقال المحلل دانيال آيفز من شركة "Wedbush Securities" إن سعر أحد أجهزة آيفون قد يصل إلى 2,300 دولار في هذا السيناريو، وهو السعر للفئة الدنيا من السعة، بينما قد تتجاوز الفئة العليا الـ2500 دولار، أي ما يقرب من 10,000 درهم للجهاز الواحد.
وتواجه آبل خيارين صعبين: إما امتصاص التكاليف على حساب المستثمرين، أو تحميلها للمستهلكين عبر رفع الأسعار. حتى أرخص طراز جديد، وهو iPhone 16e، قد يرتفع سعره من 600 إلى 858 دولارًا، مما يجعله قريبا من الـ4500 درهم إماراتي، وهي قفزة كبيرة، خصوصًا في وقت يترنح فيه المستهلك الأمريكي من أثر التضخم ويحد من إنفاقه على السلع الفاخرة.
وتصنع أبل أجهزتها في الصين، وتصدرها من أمريكا، باعتباره جهازاً أمريكياً، ويحتوي على تكنولوجيا أمريكية، الأمر الذي يجعل العالم أجمع قد يتأثر بتلك الرسوم إن أتى الجهاز من أمريكا محملاً بتلك الرسوم، ما لم تصدره أمريكا مباشرة من الصين للأسواق العالمية.
وقال أنجيلو زينو، محلل الأسهم في شركة "CFRA Research"، إن آبل ستواجه صعوبة في تمرير أكثر من 5 إلى 10% من التكاليف للمستهلكين، مرجّحًا أن تؤجل الشركة أي زيادات كبيرة حتى إطلاق iPhone 17 في الخريف المقبل.
ولم تُعلّق شركة آبل رسميًا على هذه التطورات، لكن أسهمها تراجعت بنسبة 9% إلى 203.18 دولار خلال تداولات الخميس، في أسوأ أداء لها منذ سبتمبر 2020، وسط موجة بيع جماعية حفزتها الأخبار الجمركية.
وكان ترامب قد وصف الرسوم الجمركية بأنها وسيلة لتعزيز الإيرادات وتعويض تكلفة التخفيضات الضريبية المقترحة. وفي ولايته الأولى، فرض البيت الأبيض رسومًا جمركية على واردات صينية متعددة، لكنه لم يشمل آنذاك أجهزة آيفون بأي رسوم، وهو ما تغيّر الآن، إذ لم تمنح الإدارة الجديدة أي استثناءات حتى اللحظة.
وكان تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة آبل، قد حضر حفل تنصيب ترامب. وفي فبراير الماضي، أعلنت الشركة عن استثمار بقيمة 500 مليار دولار في الولايات المتحدة، يشمل مصنعًا في تكساس و20,000 وظيفة في مجال البحث والتطوير.
وقال بارتون كروكيت، محلل لدى "Rosenblatt Securities"، في مذكرة بحثية: "كل ما يحدث في ملف الرسوم الجمركية على الصين يسير الآن بعكس توقعاتنا، كنا نظن أن شركة بحجم آبل، أيقونة الصناعة الأمريكية، ستُعامل برفق كما حدث في المرة السابقة"، مقدرًا أن تؤدي الرسوم إلى خسائر تصل إلى 40 مليار دولار على الشركة.
ولا تزال احتمالية التفاوض مع البيت الأبيض والحصول على إعفاء واردة، بحسب زينو، الذي قال: "إذا كان بإمكان أي شركة الحصول على إعفاء، فهي آبل. وقد يشكل ذلك وسيلة لترامب لتهدئة الأسواق في حال خرج الوضع عن السيطرة". لكنه حذر أيضًا من الإفراط في التفاؤل: "لا ينبغي للمستثمرين التعويل كثيرًا على ذلك، لأن نسخة ترامب 2.0 تختلف كثيرًا عن نسخته الأولى".
ووفقًا لمؤسسة Counterpoint Research، فإن المستهلك الأمريكي سيشعر بـ"الأثر الفوري" لارتفاع أسعار الهواتف الذكية، واصفًا الوضع بأنه "خسارة للجميع". فالولايات المتحدة لا تصنع الهواتف الذكية، في وقت تهيمن فيه الصين وكوريا الجنوبية وتايوان والهند وفيتنام على سلاسل التوريد والإنتاج.
وقال نيل شاه، نائب رئيس الأبحاث في Counterpoint: "أعتقد أن المنطق هنا هو: اجعل تكلفة التصنيع في الخارج مرتفعة للغاية بحيث تنتقل الشركات تدريجيًا للإنتاج داخل الولايات المتحدة". لكنه استدرك قائلاً: "لن يحدث ذلك أبدًا دون دعم حكومي ضخم، وأيدٍ عاملة رخيصة وماهرة. لا يوجد أي ميزة تنافسية للإنتاج داخل أمريكا".
من جانبه، أشار دانيال آيفز من Wedbush إلى أن نقل 10% من سلسلة التوريد الخاصة بآبل من آسيا إلى الولايات المتحدة سيتطلب ثلاث سنوات وكلفة تُقدر بـ30 مليار دولار. وختم بالقول: "بالنسبة للمستهلك الأمريكي، فإن فكرة حصوله على آيفون بسعر 1,000 دولار كواحد من أفضل المنتجات الاستهلاكية في العالم ستتلاشى. إنتاج أجهزة آبل داخل أمريكا قد يبدو جيدًا في المؤتمرات الصحفية، لكنه في الواقع مجرد حلم بعيد المنال".