ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأربعاء 29 يناير 2025 12:05 صباحاً - يراقب المستثمرون حول العالم عن كثب نتائج اجتماع لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية في الولايات المتحدة، حيث من المقرر أن يصدر بنك الاحتياطي الفيدرالي قرار الفائدة، اليوم الأربعاء، بعد اجتماعه الأول في 2025.
وبينما تبقى التوقعات متجهة نحو الإبقاء على أسعار الفائدة بين نطاق 4.25% و4.5%، فإن اجتماع الفيدرالي الأول في الولاية الثانية لدونالد ترامب الذي يواصل دعوته لخفض أسعار الفائدة لدعم النمو الاقتصادي، يعد اختباراً مبكراً لسياسات الرئيس الأمريكي الاقتصادية، يكشف عن تقييم صناع السياسة النقدية للآثار المحتملة لتلك السياسات، وحالة الحذر والترقب المرتبطة بها.
يتوقع المتداولون احتمالات تزيد عن 97% بأن تظل أسعار الفائدة دون تغيير في الاجتماع الأول، وفقاً لأداة FedWatch التابعة لمجموعة CME. في وقت تسعر فيه الأسواق خفضين للفائدة بحلول نهاية العام.
يأتي ذلك في خط متواز مع استمرار الضغوط التي يمارسها ترامب لدفع البنك المركزي نحو خفض الفائدة. وقال الرئيس الأمريكي، خلال كلمة عن ألقاها بعد في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا: إنه «سيطالب بخفض أسعار الفائدة على الفور»، مكرراً بذلك موقفه الذي عبر عنه صراحة خلال الحملة الانتخابية، عندما ذكر في مناسبات عدة أن «التضخم وأسعار الفائدة المرتفعة يدمران بلدنا».
وينتظر المستثمرون أيضاً مؤشر أسعار الإنفاق الاستهلاكي الشخصي ــ مقياس التضخم المفضل لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي ــ يوم الجمعة، والذي سيقدم رؤى حول صحة الاقتصاد الأمريكي.
تأثير ترامب
في تصريحات خاصة لـ «حال الخليج»، يتحدث المسؤول السابق بقسم الأبحاث في بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، أستاذ الاقتصاد بكلية ويليامز الأمريكية، كينيث ن. كوتنر، عن مدى تأثير موقف الرئيس الأمريكي، ملمحاً إلى أن احتمالية تأثير دونالد ترامب على سياسات الاحتياطي الفيدرالي، تعتبر ضئيلة أو غير مرجحة في المستقبل القريب.
ويقول: «إن لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية كبيرة، وتتكون من 7 أعضاء يعينهم الرئيس و5 من رؤساء البنوك الاحتياطية، الذين لا يعينهم الرئيس .. وعلى الرغم من أن ترامب قد يعين رئيساً جديداً ليحل محل باول، فإن صوته لن يكون سوى واحد من 12 صوتاً».
ولكن على المدى الأبعد، ومع ظهور الشواغر، يمكن لترامب تعيين المزيد من «شعبه» حتى يكون هناك عدد كافٍ منهم لإحداث فرق، وفق كوتنر، الذي يضيف قائلاً: «قد يقرر الكونغرس تعديل قانون الاحتياطي الفيدرالي لزيادة نفوذ الرئيس .. قد يبدو هذا بعيد المنال، ولكن الكثير مما حدث بالفعل كان ليبدو بعيد المنال قبل شهر، ولا يمكن استبعاد أي شيء»، على حد قوله.
وعن المسارات المتوقعة لأسعار الفائدة خلال العام الجاري، والعوامل الرئيسة التي قد تؤثر على هذه الاتجاهات، يلفت إلى أن التطورات الكلية الرئيسة هي القوة الاقتصادية المؤثرة، علاوة على معدلات التضخم، كذلك كان أحدث تقرير للوظائف أقوى من المتوقع، لكنه يعتقد بأن «الأمر يستغرق وقتاً أطول مما كان متوقعاً حتى ينخفض التضخم إلى هدف الفيدرالي عند 2%، فيما من المرجح أن تؤدي هذه الاتجاهات الاقتصادية إلى إبطاء وتيرة خفض أسعار الفائدة». بحسب بيانات مكتب إحصاءات العمل، الصادرة في العاشر من يناير الجاري، فقد نمت الوظائف في ديسمبر الماضي بشكل أقوى من المتوقع.
وتظهر البيانات ارتفاع وظائف القطاع غير الزراعي بـ 256 ألف وظيفة، بعد ارتفاعها بـ 212 ألف وظيفة في نوفمبر، وهو ما يوفر حافزاً أقل لخفض الفائدة هذا العام.
ويوضح المسؤول السابق بقسم الأبحاث في بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، أن «التوقعات كانت تشير إلى انخفاض أسعار الفائدة بشكل مطرد، ربما ثلاث تخفيضات (سعرتها الأسواق في وقت سابق)، وعلى اعتبار أن سياسات ترامب من المرجح أن تضع ضغوطاً تصاعدية على التضخم، فإن التوقعات الآن هي خفض أسعار الفائدة بشكل أقل».
وفي الاجتماع الأخير في 2024، كان بنك الاحتياطي الأمريكي قد خفض توقعاته لوتيرة خفض الفائدة إلى خفضين بحلول نهاية 2025، بمقدار ربع نقطة مئوية، نزولاً من أربع تخفيضات في المخطط النقطي السابق.
سياسات تضخمية
وقال النائب السابق لرئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في فيلادلفيا، أريس بروتوباباداكيس، لـ «حال الخليج»: «إن الفيدرالي ليس ملزماً بالانصياع لمطالب الرئيس ترامب فيما يتعلق بخفض الفائدة لكنه (الفيدرالي) يحتاج إلى حلفاء من أحد مراكز القوة (الرئيس أو الكونغرس أو العمال)»، موضحاً أن ولاية رئيس الفيدرالي جيروم باول تنتهي في العام 2026 «وقد لا ينحني باول كثيراً لأي شيء يقوله ترامب .. ولكن الرئيس القادم للفيدرالي قصة أخرى .. إذا كان (موالٍ) لترامب، فكل شيء ممكن». وفي ضوء ذلك، لا يعتقد الاقتصادي الأمريكي بأنه سيكون هناك الكثير من التغيير في وقت مبكر في السياسات، قائلاً: «سعر الفائدة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي سيكون أقل بحلول نهاية العام، بينما سعر الفائدة على المدى الأطول لا يرجع إلى الاحتياطي؛ بل الأسواق والاقتصاد وتوقعات التضخم على المدى الأطول ستحدد ذلك».
ويوضح أنه «إذا كان المسار الذي تتبعه إدارة الرئيس ترامب يبدو تضخمياً، فإن المعدلات طويلة الأجل (بما في ذلك أسعار الرهن العقاري) سترتفع».
وفي تقدير بروتوباباداكيس، فإن سياسات ترامب الاقتصادية، بما في ذلك التعريفات الجمركية والتدابير الحمائية، «من المرجح أن تؤدي إلى تقليص النمو الاقتصادي وزيادة الأسعار، كذلك نقص العمالة إذا مضى ترامب بالفعل في عمليات الترحيل الجماعي»، موضحاً أنه «حتى الآن، تبدو الإدارة مستعدة بشكل أفضل بكثير من المرة الأخيرة لإحداث الفوضى في الاقتصاد وحياة العديد من الناس»، على حد تعليقه.
تعكس التحديات الاقتصادية الحالية مخاوف متزايدة من ضغوطات تضخمية محتملة، خاصة في ظل سياسات الرئيس دونالد ترامب، التي تضمنت فرض رسوم جمركية مشددة واتخاذ مواقف متشددة حيال الهجرة. هذه السياسات قد تؤثر سلباً على استقرار الأسعار، مما يجعل تحقيق هدف التضخم عند 2% بعيد نسبياً، وهو ما يضع الفيدرالي تحت ضغط متزايد لتحقيق توازن دقيق بين دعم النمو الاقتصادي واحتواء التضخم.
تثبيت الفائدة
ومن المتوقع أن يبقي بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة ثابتة في اجتماعه الأول في العام. ويشير رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق في تصريحات خاصة لـ «حال الخليج»، إلى أن الاحتياطي الأمريكي قد عدل - في اجتماعه الأخير - توقعاته لخفض الفائدة إلى خفضين بحلول نهاية 2025 بعدما كان يشير في تقديراته السابقة إلى أربعة تخفيضات.
ويستطرد جو يرق: «المركزي الأمريكي يركز على بيانات التضخم وسوق العمل .. بينما سوق العمل لا تزال قوية، فإن الخوف هو أن يرتفع التضخم مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض أخيراً، سياسات فرض الرسوم الجمركية وإذا صارت حرب تجارية، فإن ذلك من شأنه أن يضغط على التضخم، وبالتالي سيتبع الفيدرالي نهجاً حذراً».
لكنه يشير إلى أن الأمر الإيجابي مع وصول ترامب واستلامه الحكم في 20 يناير الجاري، أن الأسواق كانت تتوقع - بناءً على توعداته - أن يبدأ مباشرة بفرض الرسوم الجمركية بنسبة 25% على المكسيك وكندا و10% على الصين، لكنه كان متريثاً في ذلك .. كما أن التواصل مع الرئيس الصيني ودراسة العلاقات التجارية كان إشارة إيجابية.
ويوضح يرق أنه من المتوقع أن يكون هناك خفض واحد أو خفضين في أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي، لكن إذا حدث ذلك، فمن المرجح أن يتم الخفض الأول في نهاية الربع الثاني من العام، مشيراً إلى أن «الاحتياطي الفيدرالي سيتبع سياسة حذرة في التعامل مع التحديات الاقتصادية .. وأداء الاقتصاد الأمريكي سيكون العامل الحاسم في هذا القرار، خاصة إذا ظهرت ضغوط اقتصادية غير متوقعة أو عوامل خارجية».
إذا استمرت السياسات الحالية دون تغييرات كبيرة، يرجح أن يكون هناك خفضين للفائدة، حسب ما تسعره الأسواق .. أما في حال استمرار التضخم في مستويات مرتفعة، أو حدوث زيادات مفاجئة فيه، بجانب تأثير سياسات جمركية محتملة قد يطبقها ترامب أو تصاعد نزاعات دولية كبيرة، قد يدفع ذلك إلى تعديل السياسة النقدية بإجراء تخفيض واحد فقط، وفق يرق.
وخلال العام 2024، ثبت الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة لخمس اجتماعات متتالية بدءاً من اجتماع يناير وحتى اجتماع يوليو عند نطاق بين 5.25%- 5.5%، قبل أن يخفضها ثلاث مرات متتالية بدءاً من اجتماع سبتمبر (بـ 50 نقطة أساس) مروراً باجتماع نوفمبر (بـ 25 نقطة أساس) وحتى اجتماع ديسمبر (25 نقطة أساس) وصولاً إلى نطاق بين 4.25% و4.5%.