ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأربعاء 15 يناير 2025 12:33 صباحاً - بين أروقة مزرعة «بستانك»، ذلك المبنى متعدد الطوابق، كانت رحلة «حال الخليج» التي امتدت لأكثر من 3 ساعات بين صوانٍ مرصوصة في أبراج لزراعة الخضروات الورقية عالية الجودة، حيث يمكنك أن تشم رائحة الطبيعة، في بيئة تحكمها تكنولوجيا الزراعة والطاقة المتجددة.

ولأن كل شيء هناك معقم بالكامل؛ طُلب منا ارتداء معاطف بيضاء ووضع قفازات وكمامات، وكان أهم تحذير سمعناه هو «ممنوع اللمس»، فقط استمتع بمشاهدة هذه النباتات الجميلة من دون لمسها.. تعالوا نبدأ رحلتنا مع مي دلال، مديرة التسويق في مزرعة «بستانك».

تبهرنا دبي دائماً بكل جديد ومتطور على أعلى مستوى، فهنا بالقرب من مطار آل مكتوم تجد «بستانك» أكبر مزرعة عموديّة داخليّة مائيّة في العالم، وهي مملوكة «للإمارات لتموين الطائرات»، إحدى أكبر مزودي تموين الطائرات في العالم وتتبع مجموعة «طيران الإمارات» باستثمارات بلغت 40 مليون درهم، ويتم تخصيص جزء من الحصاد للمجموعة، إلى جانب توفير كميّات لمحلات التجزئة والمطاعم والفنادق تحت اسم العلامة التجاريّة «بستانك».

40 مليون درهم الاستثمارات

330 ألف قدم مربعة مساحة المزرعة

الورقيات

وتقول مي دلال: تعتبر «بستانك» من الرواد في إنتاج الورقيات، مثل الخس، والسبانخ، والكرنب، والزهور القابلة للأكل، فنحن نستخدم الزراعة العمودية والمائية.

تبلغ مساحة المزرعة 330 ألف قدم مربعة، وهي مُجهّزة لإنتاج أكثر من مليون كيلوغرام من الأوراق الخضراء عالية الجودة سنوياً، كما تستهلك كمية مياه تقل بنسبة 95% عن الكميات التي تتطلبها الزراعة التقليدية.. هكذا تقول مي العلي، مضيفة أن المزرعة تنتج في أي وقت ما يزيد على مليون نبات مُستزرع، ما يتيح لها إنتاج 3 آلاف كيلوغرام يومياً.

ونحن نستخدم هنا تقنية الزراعة العمودية والمائية التي تتيح لنا إنتاج كمية كبيرة من المحاصيل باستخدام أقل مساحة ومن دون الحاجة إلى التربة، ونوفر كما قلت 95% من المياه المستخدمة لزراعة تلك المنتجات وهي نسبة عالية في بلد يعتمد بنسبة 99% على مياه البحر المحلّاة، وهذا شيء مهم جداً أيضاً في ظل التحديات المناخية.

وتضرب مي مثالاً: تحتاج زراعة كيلوغرام واحد من الخس إلى 317 لتراً من المياه في الزراعة التقليديّة (على مدى موسمه)، في حين أن كمية من 15 إلى 17 لتراً فقط من المياه تكفي لزراعة الكيلوغرام في «بستانك»، ما يوفر 250 مليون لتر سنويّاً من المياه مقارنةً بالزراعة التقليديّة، ويعادل توفير 1000 ميغاواط من الكهرباء.

من البذرة إلى الحصاد

وعن رحلة النبات في زراعة الورقيات من البذرة إلى الحصاد، تقول مي دلال: في «بستانك» نؤمن بأن الزراعة ليست عملية إنتاجية فحسب، بل هي أيضاً «فن» يتطلب الرعاية والاهتمام بكل خطوة من خطوات النمو.. البداية تكون من مرحلة الحضانة؛ حيث نأخذ البذور ونضعها في إسفنجة معقمة قابلة للتحلل بنسبة 100%، وهذا شيء مهم بالنسبة لنا، لأننا نهتم بالحفاظ على البيئة وتقليل النفايات.

نضع الإسفنجة في الماء، ونغطيها لفترة معينة، إلى أن تبدأ البذور مرحلة الإنبات. بعد مضيّ ثلاثة أيام، نرفع الغطاء ونراقب البذور وهي تتفاعل مع الماء والمواد الغذائية التي نضيفها بعناية.

خلال عشرة أيام، تكون النباتات جاهزة لننتقل إلى المرحلة التالية.. لحظة مثيرة عندما نرى أولى علامات النمو.

الاحتياجات

نأتي إلى المرحلة الثانية، وهي النمو.. تقول دلال: بعد 14 يوماً من الحضانة، ننقل النباتات إلى غرفة مخصصة توفر لها كل احتياجاتها من الضوء، والهواء، وتركيبة الماء؛ حيث نستخدم أحدث التقنيات لضمان أن تأخذ كل نبتة كفايتها من العناصر الضرورية.

من أهم التقنيات اللي نستخدمها هنا هي تقليم الأغصان للحصول على حصاد أفضل.

بعد 10 أيام تقريباً، تكون النباتات جاهزة لأول حصاد، لكن الحكاية لا تنتهي عند هذا الحد، فيمكننا أن نحصل على حصاد ثانٍ وثالث من النباتات نفسها، بفضل التقنيات التي نستخدمها لتحفيز النمو المستدام.

وبعد الحصاد الثالث نبدأ مرحلة التخزين، وذلك بوضع النباتات في صناديق خاصة، ونرقّم كل صندوق ونزنه لضمان الدقة، لتكون المنتجات جاهزة للإرسال إلى السوق أو للمستهلك مباشرة، وما يميز إنتاجنا هو أنه نظيف وآمن 100%، من دون استخدام أي مبيدات حشرية أو مواد كيميائية ضارة، لذلك لا تحتاج منتجاتنا حتى إلى الغسل، لأنها تكون جاهزة للاستهلاك مباشرةً، وهذا يوفر على المستهلكين الوقت والجهد، ويضمن لهم جودة عالية.

الاستدامة مهمتنا

وتقول مي دلال: في «بستانك» نلتزم بتطبيق أعلى معايير الاستدامة، ونحرص دائماً على تقليل البصمة البيئية لعملياتنا من خلال استخدام تقنيات حديثة تتيح لنا إنتاج محاصيل بجودة عالية على مدار السنة، وهذا كله يصب في هدف واحد؛ وهو تحقيق رؤية الإمارات لمستقبل أكثر استدامة، ونسعى دائماً إلى دعم الزراعة المستدامة التي تراعي احتياجات الأجيال الحالية والقادمة.

ليس هذا فحسب، بل إننا بفضل تقنياتنا الحديثة واهتمامنا بالجودة، نطمح إلى أن نكون جزءاً من الحلول المستدامة للزراعة العالمية.

نعمل بجد لتقديم منتجات صحية وآمنة، من دون التأثير في البيئة، ونسعى دائماً إلى تطوير عملياتنا لتناسب التغيرات المناخية واحتياجات المجتمع.. في «بستانك» نقدم حلولاً زراعية مبتكرة، ونؤمن بأن المستقبل يبدأ اليوم.