حال المال والاقتصاد

وول ستريت تجبر «الفيدرالي» على التراجع عن القواعد المصرفية الجديدة

  • 1/2
  • 2/2

ft.svg

ابوظبي - ياسر ابراهيم - الجمعة 13 سبتمبر 2024 01:10 صباحاً - في أعقاب انهيار بنكي سيليكون فالي وفيرست ريبابليك العام الماضي، قام نائب رئيس الاحتياطي الفيدرالي لشؤون الإشراف مايكل بار، بعد أشهر فقط، بطرح مجموعة جديدة من الضوابط الصارمة على أكبر المؤسسات المقرضة في الولايات المتحدة، مؤكداً بشدة على أهميتها وضرورتها الملحة.

وخلال شهر يوليو 2023، صرح مايكل بار، بعد مرور عام واحد على توليه منصب كبير المنظمين في وول ستريت، بأن «بعض ممثلي القطاع المصرفي يزعمون أن عدم كفاية رأس المال لم يكن له دور في تلك الانهيارات المصرفية.. وأنا اختلف مع هذا الرأي». إلا أن بار، وبعد 14 شهراً، تراجع عن اقتراحه الذي استهدف تطبيق قواعد أكثر صرامة على البنوك الكبرى في الولايات المتحدة، مثل جي بي مورغان تشيس وغولدمان ساكس، في أعقاب شن واحدة من أشرس حملات المعارضة من جماعات الضغط المصرفية والمشرعين الأمريكيين من كلا الحزبين. وعبر بار عن ذلك بقوله «الحياة تمنحك فرصاً وافرة لتتعلم وتعيد استيعاب الدروس عن التواضع».

ولم تكن الهيئات التنظيمية الأمريكية الوحيدة التي اضطرت إلى إظهار التواضع عند تنفيذ ما يُعرف بـ«قواعد بازل 3 النهائية»، وهي القواعد النهائية المرتبطة بالمساعي الدولية التي انبثقت عقب الأزمة المالية في عام 2008 لدعم القطاع المصرفي.

وعالمياً، ثمّة تراجع بين الهيئات التنظيمية المالية الكبرى، إذا قامت بتقليص مقترحاتها بعد المعارضة القوية من جانب المؤسسات التي تشرف عليها. ومن المقرر أن تنضم المملكة المتحدة هذا الأسبوع إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في تقديم التنازلات وتأجيل تنفيذ قواعدها التنظيمية.

ويكشف حجم التراجع من جانب الهيئات التنظيمية عن المعارضة القوية داخل القطاع، والتي بلغت أشدها عند التهديد بتقديم دعاوى قضائية ولوحات إعلانية من جماعات الضغط المصرفية تحذر من الضرر الذي قد يلحق «بالمواطنين الأمريكيين العاديين» حال فُرضت القواعد الجديدة. وحقيقة أن بعض المعارضة جاءت من المشرعين الديمقراطيين لم يخدم القضية، ما أجبرهم على إعادة النظر فيما كان آنذاك أكبر الجهود التنظيمية المبذولة منذ أكثر من عقد لحماية النظام المالي.

وكانت حجة البنوك أن زيادة متطلبات رأس المال لن تأخذ في حسبانها التقدم المحرز منذ الأزمة المالية في 2008 لدعم المقرضين ومن شأنها أن تؤدي إلى تناقص العوائد المتعلقة بالسلامة. ومع ذلك، يعتقد البعض أن تنازل الاحتياطي الفيدرالي يترك قضايا حرجة دون حل.

وأوضحت أنات ادماتي، الأستاذة في كلية الدراسات العليا لإدارة الأعمال بجامعة ستانفورد، أن «ذكريات الأزمة المالية العالمية قد تلاشت، ورغم أن انهيار بنكي سيليكون فالي وفيرست ريبابليك العام الماضي أظهرت العديد من أوجه القصور في القواعد، إلا أن العيوب الأساسية لا تزال قائمة».

وقد تضمن الاقتراح المعاد تقديمه من بار تغييرات شاملة، والتي من المتوقع أن تؤدي مجتمعة إلى خفض الزيادة في متطلبات رأس المال لأكبر البنوك الأمريكية إلى 9 %، انخفاضاً من الزيادة المقترحة سابقاً بنسبة 19 %.

وبالنسبة لأكبر ستة بنوك في البلاد، فهذا التعديل يعني توفير قرابة 100 مليار دولار. وبموجب المقترح الجديد، ستضطر هذه البنوك إلى زيادة رأس مالها بنحو 80 مليار دولار، مقارنة بـ 180 مليار دولار في السابق. وأصبح بوسع البنوك الآن أن تخوض مخاطر أكبر بهذه الأموال مقارنة بما كان بوسعها في السابق. ولن تخضع البنوك التي تقل أصولها عن 250 مليار دولار لمعظم القواعد. وبالإضافة إلى ذلك، تم خفض متطلبات رأس المال المتعلقة بالمخاطر التشغيلية والرهن العقاري وقطاعات الأعمال المختلفة.

وقال جيريمي كريس، المحامي السابق في الاحتياطي الفيدرالي والأستاذ الحالي في جامعة ميشيغان، إنه «لا يمكن اعتبار هذا اقتراحاً وسطاً، فهو يمثل استسلاماً للبنوك في كل مسألة خلافية تقريباً».

وكثرت التوقعات بتأجيل تاريخ بدء قواعد رأس المال الصارمة في انجلترا من منتصف العام المقبل حتى مطلع 2026 على الأقل. كما تتوقع جماعات الضغط المالية تقديم بعض التنازلات بشأن الإقراض للشركات الصغيرة والرهن العقاري.

ويأتي ذلك في أعقاب قرار الاتحاد الأوروبي في وقت سابق من هذا العام بإدخال بعض قواعد بازل في يناير 2025، بينما تم تأجيل الجزء المتعلق بدفاتر التداول الخاصة بالبنوك الاستثمارية لمدة عام آخر. وجاء ذلك نتيجة لضغوط من الحكومة الفرنسية، التي استجابت لضغوط من البنوك الفرنسية، إذ خشيت التخلف عن كبار منافسيها في الولايات المتحدة.

وأشار سام وودز، رئيس هيئة التنظيم الاحترازي في بنك إنجلترا، إلى أن القواعد الجديدة لن تؤدي إلى «زيادة كبيرة» في متطلبات رأس المال الإجمالية للبنوك البريطانية. وقدرت هيئة التنظيم الاحترازي التأثير الإجمالي بنحو 3% في مشاورات العام الماضي. ومن المتوقع أن تؤدي لوائح الاتحاد الأوروبي إلى زيادة تقارب 10% في متطلبات رأس المال لبنوكها.

ويشعر المسؤولون الماليون في المملكة المتحدة بالثقة بأنهم أقنعوا بنك إنجلترا بأخذ وقت أطول لإلغاء التدابير التي تخفض متطلبات رأس المال على القروض للشركات الصغيرة، وكذلك تخفيف القواعد المتعلقة بالرهن العقاري عند ارتفاع أسعار العقارات.

وجاء رد فعل القطاع المصرفي الأمريكي لافتاً وقوياً وعنيفاً، فقد سافر قادة البنوك، مثل جيمي ديمون من جي بي مورغان وجين فريزر من سيتي جروب، إلى واشنطن للقاء المسؤولين عن وضع القواعد. لكن كان أقوى سلاح استخدمه القطاع المصرفي هو التهديد برفع دعوى قضائية، على أساس أن الجهات التنظيمية فشلت في الالتزام بمعاييرها الخاصة بوضع القواعد. وعين القطاع المحامي البارز يوجين سكاليا لتولي القضية.

كما عمل زعماء الكونغرس على زيادة الضغوط، حيث صرح باتريك ماكهنري، وهو جمهوري ويرأس اللجنة المالية بمجلس النواب، لصحيفة فاينانشال تايمز، أن الاحتياطي الفيدرالي سيواجه تحدياً من الكونغرس لأول مرة في تاريخه حال لم يتم إجراء إصلاح شامل للقواعد. وحذر من اللجوء إلى قانون مراجعة الكونغرس، الذي يسمح للكونغرس بإلغاء القواعد النهائية التي وضعتها الوكالات الفيدرالية.

وقال: «إذا اتبعوا النهج السياسي الذي اتبعه مايكل بار في السياسة التنظيمية، فسترى الكونغرس والمحاكم يفرضان قيوداً مشددة على السلطة التنظيمية للاحتياطي الفيدرالي.. ولا أعتقد أن الاحتياطي الفيدرالي ساذج لدرجة القيام بذلك». وكانت النتيجة وفقاً لما وصفه جين لودفيج، المراقب السابق للعملة، بأنها «بلا شك واحدة من أهم التعديلات التنظيمية بعد فترة التعليق التي شاهدتها».

والسؤال المطروح الآن هو ما إذا كانت البنوك ستقرر أنها قادرة على قبول أحدث مقترحات بار، إذ ألمح لودفيج إلى أنها قد يكون لها نتائج متفاوتة. وخلال مؤتمر للصناعة، ذكر الرئيس التنفيذي لبنك أوف أمريكا، بريان موينيهان، أن الجهات التنظيمية تجاوزت حدودها، وأن معارضة الصناعة أدت إلى حل وسط.

وقال: «ثمة قول مأثور يقول: يجب أن يرون الموت وحينها سيقبلون بالاستسلام، وأعتقد أن هذا ما حدث.. لقد اقترحوا 20، وقبلوا 10، والآن نقول دعونا نفكر في المنطق وراء ذلك».

وكان بار قد أكد أن الاحتياطي الفيدرالي سيطلب مرة أخرى التماس التعليقات على الخطة الجديدة، ومن المحتمل أن يكون أمام البنوك عام بعد إقرارها قبل أن تدخل حيز التنفيذ. وسيتم إدخال بعض التعديلات تدريجياً، ما يعني أن الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً قبل أن يخضع المقرضون لقواعد أكثر صرامة.

وعلقت كاثرين جادج، الأستاذة بجامعة كولومبيا المتخصصة في التنظيم المالي، قائلة: «من المؤسف أنه بعد مرور أكثر من عام من العمل على هذه العملية، لا نرى سوى لمحة من مقترح لم يصدر بعد». وأضافت: «بالنظر إلى الإطار الزمني العام، فهذا ليس أفضل وضع للاحتياطي الفيدرالي والهيئات التنظيمية المصرفية الأخرى».

تابعوا حال الخليج الاقتصادي عبر جوجل نيوز تابعوا حال الخليج الاقتصادي عبر جوجل نيوز

كلمات دالة:
Advertisements

قد تقرأ أيضا