التناسب بين المخالفة والعقوبة وفق قانون حماية المنافسة الجديد

كتب ناصر المحيسن - الكويت في الخميس 4 يوليو 2024 10:28 مساءً - نصت المادة 34 من قانون حماية المنافسة الكويتي الجديد، على أنه يجوز لمجلس التأديب فرض جزاءات مالية على المخالف بنسبة لا تجاوز 10 في المئة، من إجمالي الإيرادات التي حققها الشخص المعني خلال السنة المالية السابقة، في حال مخالفة أحكام المواد أرقام (5 و6 و7 و8) من هذا القانون، وذات الحكم ينطبق في حال مخالفة المادة 12 من ذات القانون، وكذلك في حال تضمن طلب التركز الاقتصادي بيانات مضللة.

Advertisements

مثالب التطبيق

وبالنظر الى التطبيق العملي لهذه المادة، نجد أن مجلس التأديب في جهاز حماية المنافسة، يفرض جزاءً مالياً على الشخص المخالف، باستخدامه للحد الأقصى للعقوبة الواردة في عجز المادة 34 من القانون، ولهذا التطبيق العملي لهذه المادة عدة مثالب من وجهة نظرنا.

مبدأ التناسب

أولا: يجب أن يكون هناك تطبيق لمبدأ التناسبThe Principle of Proportionality، من قبل مجلس التأديب، والذي يقتضي التثبت من العلاقة بين الضوابط وموجباتها، حيث لا يمكن أن تتجاوز هذه الضوابط ما هو ضروري فعلا، لاحترام المصلحة الاقتصادية والتجارية، المرجوة من وراء تحديد النسبة المالية الملائمة، لإيقاع الجزاء المالي على المخالف لقانون المنافسة المشروعة. وأهم مرحلة من مراحل التناسب، هي مرحلة التثبت من التناسب في معناه الضيق، وهي مرحلة تستدعي التساؤل، ما اذا كان الحد الأقصى للعقوبة مبالغاً فيه مقارنة بالهدف المراد حمايته؟ بمعنى إذا كان عدم تطبيق الحد الأقصى من العقوبة قادراً على تحقيق الهدف المنشود، دون أن يتجاوزه، فهنا يجب البحث عن التناسب أو الموازنة بين الآثار السلبية للحد الأقصى للعقوبة على السلطة التقديرية الممنوحة لمجلس التأديب، بتوقيع الحد الأقصى للعقوبة، وبين النتائج الإيجابية من وراء ذلك، وذلك بالنظر الى الهدف المراد حمايته. فالسؤال سيكون كالتالي: هل الآثار السلبية بتوقيع الحد الأقصى للعقوبة على المخالف هو بقدر أهمية الآثار الإيجابية التي تحققها الحد الأقصى للعقوبة للحفاظ على المصلحة العامة الاقتصادية والتجارية في دولة الكويت؟

سُلطة مجلس التأديب

ثانيا: نحن نتفق بأن استخدام مجلس التأديب لهذه الصلاحية، هي بسبب الصلاحية التشريعية التي منحها القانون له، وأنه لم يفرض عليه أي قيود لاستخدام الحد الأقصى عند إيقاع العقوبة المالية على المخالف، لكن وفي حقيقة الأمر أن السلطة التقديرية الممنوحة لمجلس التأديب، لا تعني بأنها سلطة تحكمية تمارس خارج نطاق المشروعية، وإنما هي سلطة تجد حدها الطبيعي في العلة القانونية التي أملتها، وهي المصلحة العامة الاقتصادية والتجارية من وراء توقيع الجزاء المالي على الشخص المخالف لقانون المنافسة، وهذا ما يترتب عليه أن استخدام مجلس التأديب للحد الأقصى للجزاء المالي، استناداً إلى الصلاحية الممنوحة له، يجب أن تكون لتحقيق غايات محددة، والتي من أجلها تم منحها هذه الصلاحية، وهي حماية المصلحة العامة في البيئة التجارية الكويتية، وليس الاضرار بالأشخاص المخالفين، والتأثير على نشاطهم التجاري بسبب ارتكاب مخالفة.

من هذا المنطلق، اذا كان مصطلح المصلحة العامة بشكل عام مصطلحاً فضفاضاً ومرناً، إلا أن المصلحة العامة وراء سن قانون حماية المنافسة المشروعة الجديد محددة قانونا، حيث إن المشرع وضع أهدافاً محددة وواضحة ومعينة، يسعى لتحقيقها من وراء سن قانون حماية المنافسة الجديد في المذكرة الايضاحية، ألا وهي تحقيق التوازن بين مبدأ حرية التجارة، ومبدأ ضبط حرية السوق، بما يكفل تحقيق الصالح العام، وهذا ما يستدعي طرح السؤالين التاليين: هل توقيع جزاء مالي على المخالف بنسبة تقل عن 10 في المئة لن يحقق الهدف والغاية التي يسعى القانون لتحقيقها؟ ما هو المعيار الفني والمالي المعتمد من قبل مجلس التأديب عندما قرر استخدام الحد الأقصى للجزاء المالي على المخالف، لتحقيق أهداف القانون كما نصت المذكرة الايضاحية؟

الجزاء على الإيرادات

ثالثا: إنّ توقيع الحد الأقصى للعقوبة على المخالف لن يحقق الهدف والغاية من قانون المنافسة المشروعة في جميع الحالات، وسبب ذلك أن تطبيق جزاء مالي بنسبة لا تجاوز 10 في المئة، سيكون من إجمالي الإيرادات وليس من صافي الربح (أي قبل خصم أي نفقات أو تكاليف مطلوبة)، وهذا ما سوف يترتب عليه شل الشركة تجاريا بل إعدامها مع إقصائها من السوق المعنية، لمجرد ارتكابها مخالفة لقانون المنافسة، لكن الجزاء قد وقع على الإيرادات وليس صافي الربح، مع الأخذ بالاعتبار حجم السوق الكويتي والرغبة في تنويع الوحدات الاقتصادية في دولة الكويت، بعيدا عن الاعتماد على النفط، فهنا السؤال: هل الهدف والغاية من قانون المنافسة إقصاء الشركة من السوق، بسبب ارتكاب مخالفة أم ضبط المنافسة العادلة بالسوق، مع ردع المخالفين بجزاءات مالية منطقية تتناسب مع المخالفة المرتكبة وذلك وفقاً لمبدأ التناسب؟

وبذلك، ان خصم نسبة 10 في المئة من إيرادات الشركة، بسبب مخالفة لقانون المنافسة، سوف يترتب عليه ضرر مفترض على الشركة، حتى وإن استمرت بتحقيق الأرباح، لأن الشركة لو لم يتم خصم هذه النسبة المرتفعة عليها لحققت أعلى معدل من الأرباح الذي يسعى المساهمون للحصول عليه.

الجزاء عن السنة المالية السابقة

رابعاً: من حيث صياغة المادة 34 من قانون المنافسة المشروعة، نجد إن الجزاء المالي الذي يقع على الشخص المخالف سوف يكون عن السنة المالية السابقة، في حال مخالفة أحكام المواد أرقام (5 و6 و7 و8)، وهذا أمر معيب تشريعياً، حيث إن الجزاء المالي يجب أن يكون منصباً على إيرادات المنتج خلال فترة المخالفة، وهذا أمر في غاية الأهمية، لان المخالفة قد لا تقع خلال سنة مالية كاملة، أو أن النشاط المحظور الذي قام به الشخص المخالف لم يدر عليه أرباحاً خلال السنة المالية الكاملة، بمعنى أن الشخص المخالف قد مارس النشاط المحظور لفترة شهر أو أقل فقط. وهذا ما نص عليه قانون المنافسة المصري الجديد. علاوة على ذلك، نجد أن قانون المنافسة المشروعة الكويتي الجديد لم يحدد الحد الأدنى للجزاء المالي على المخالف، وهذا ما سوف يترتب عليه أن مجلس التأديب هو من سيقرر الحد الأدنى دون أي أساس اقتصادي أو تجاري، ودون أي تطبيق لمبدأ التناسب بين العقوبة والمخالفة الذي سبق تناوله في هذه المقالة.

* أستاذ القانون التجاري بجامعة الكويت

fahadnshn@gmail.com

ألمانيا... أول

من طبّق التناسب

تم اعتماد فحص التناسب لصالحية الإجراءات الإدارية التي تتخذها الجهات الحكومية أول مرة في جمهورية ألمانيا عام 1870 م، وقصد به أنه ينبغي ألا يكون التدبير المتخذ غير متناسب؛ ويقوم هذا المبدأ على الفكرة المنطقية أنه عندما تتصرف الجهات الإدارية الحكومة، فإنه يجب أن تكون الوسائل التي تختارها جيدة لتحقيق الغايات التي تسعى إليها وهي تحقيق المصلحة العامة. انظر الى: (Jud Mathews. n.d, Proportionality Review in Administrative Law).

الشركة ملتزمة للمساهمين

بالسعي نحو تعزيز أرباح

يرى البعض أن توقيع الحد الأقصى على الشخص المخالف، لن يؤثر عليه وعلى نشاطه المالي، لأنه يستطيع الاستمرار بممارسة نشاطه، خصوصا اذا كانت الشركة كبيرة وتحقق إيرادات ممتازة. وفي حقيقة الأمر، نجد أن مثل هذا القول يفتقر الى الدقة وعدم الإلمام بالنشاط التجاري، وسبب ذلك أن الشخص المخالف – الشركة – ملتزمة بالسعي دائماً نحو تعزيز أرباح المساهمين، واستغلال أي فرصة تجارية متاحة أمامها، لتحقيق أعلى معدل ربح للمساهمين.

أخبار متعلقة :