كتب ناصر المحيسن - الكويت في الثلاثاء 15 أغسطس 2023 10:23 مساءً - يعكف المؤرخ القطري جمعة المريخي، على إعادة قراءة آلاف الوثائق من الأرشيف البرتغالي والهولندي والعثماني والبريطاني والهندي، بعد ترجمتها، والتنقيب في ما تتضمنه من معلومات قيّمة، فضلاً عن جمع الروايات الشفهية وتوثيقها ومن ثم مقابلتها بالوثائق المترجمة، في محاولة منه للإسهام في كتابة تاريخ قطر والكويت والمنطقة من منظور جديد ومغاير، حاملاً بيده لواء الأمانة العلمية التأريخية، رافعاً شعار «إما أن يكتب التاريخ صحيحاً بأمانة وإخلاص وتمحيص، وإما لا يكتب نهائياً».
وقال المريخي، في حوار مع «الراي»، إن اهتمامه بقراءة الوثائق من أمهات المصادر، أوصله إلى الانكباب على تاريخ مدينتي الزبارة والخور، حيث أكدت الأشعة فوق الحمراء أن عمر سور الزبارة الأول يزيد على 500 عام، فمعنى ذلك أن الزبارة كانت عامرة منذ أكثر من 5 قرون، وأنها مثلت الرئة الاقتصادية لشبه الجزيرة العربية، تؤمها القبائل للتزود بما تحتاجه من مواد أولية.
وفيما يمعن المؤرخ القطري النظر عند لحظة تاريخية، تمثلت بعودة آل خليفة ومن بعدهم الجلاهمة إلى الزبارة من الكويت عام 1766، والذي كان سبباً في ازدهارها الاقتصادي، يسرد أسماء شيوخ وزعماء ممن ولدوا أو توفوا في الزبارة، بعد أن اتخذوها مقراً لهم، من جد آل صباح، الذي توفي فيها بعد مجيئهم من الهدار، وجابر بن عذبي الجلاهمة أحد شيوخ عشيرة العتوب، التي سكنت الكويت توفي فيها أيضاً وغيرهما، لافتاً إلى أن الشيخ خميس بن خميس بن غانم المريخي، ومن مواليد الزبارة، أهدى الشيخ البنعلي وهو من مواليد الزبارة المصحف الذي خطه في القرين (الكويت) في عام 1815.
ويشير المريخي إلى اختلاف المصادر في شأن العام الذي هاجر فيه العتوب إلى الزبارة من الهدار، بين مؤرخ الكويت سيف الشملان الذي ذكر أنهم نزلوا الزبارة في عام 1666، ومؤرخة البحرين مي آل خليفة التي قالت إنه عام 1660، في حين يذكر جون كيلي، أن أول نزول للعتوب في الزبارة كان في عام 1766، إلا أن المريخي يقدر أنهم عاشوا فيها بين 40 إلى 50 سنة تقريباً، مؤكداً أنها جذبت القبائل الحضرية، وعرفت ازدهاراً ثقافياً وعلمياً إلى جانب الاقتصادي. وفي ما يلي نص الحوار:
• كيف بدأتم العمل في جمع الوثائق، وهل لديكم وثائق نادرة؟
يعود اهتمامي باقتناء هذه النوادر عندما كنت في سن العاشرة. إذ تفتحت عيني على الحياة لأجد والدي مهتماً بالروايات وبالشعر النبطي وكان مجلسه عامراً بالأدباء والشعراء والرواة، وبمرور الوقت نمت في أعماقي، وبعد تعدد القراءات والمطالعات، أدركت قيمة وأهمية مثل هذه النوادر، وتوسعت مجموعتي وتطورت، وأصبحت تعدّ من ضمن المجموعات المتميزة، وهو ما أهل متحف المريخي للمقتنيات التراثية للفوز بجائزة من الرياض في العام 2016، باعتباره متحفا شخصيا متميزا في دولة قطر، وفي بداياتي كانت لدي اهتمامات خاصة بالتصوير الفوتوغرافي، حيث أهداني الوالد، رحمه الله، أول كاميرا، ومازلت حتى الآن أمتلك أكثر من 11 ألف صورة التقطتها بنفسي لمدينة الخور ولأبنائها ومبانيها وأسواقها، وهي تؤرخ للمدينة.
وثائق تاريخية
ولدي اهتمام خاص بالوثائق التاريخية، حيث أمتلك مجموعة كبيرة تُقدّر بآلاف الوثائق من الأرشيف البرتغالي والهولندي والعثماني والبريطاني والهندي، وأعمل على ترجمتها إلى اللغة العربية، ومثل هذه الوثائق تتضمن معلومات قيّمة عن قطر والكويت ودول الخليج العربي، وتُبرز كيف واجه الأجداد المحتلين الأوروبيين، وكيف قاوموا وجودهم، وتسلط الضوء على تاريخ مدينة الزبارة، المدينة القطرية المندثرة، وتؤكد أنها كانت عامرة منذ أكثر من 500 عام، والغربيون تعاملوا مع أهلها، ومارسوا معهم التجارة، وأهتم كذلك بتاريخ مدينة الخور، وتاريخ هاتين المدينتين يحتاج لمن يسلط عليه الضوء، لأنه لم يكتب حتى اللحظة، وبحاجة لمن يكتبه من خلال المصادر الأولية: من الوثائق والمخطوطات، والمكتشفات الآثارية.
حيث أكدت الأشعة فوق الحمراء أن عمر سور مدينة الزبارة الأول يزيد على 500 عام، فمعنى ذلك أن الزبارة كانت عامرة منذ أكثر من 5 قرون، وأنها كانت تمثل سوقاً لشبه الجزيرة العربية، تؤمها القبائل للتزود بما تحتاجه من مواد أولية.
روايات شفهية
كما أنني منذ أكثر من 25 سنة أقوم بجمع الروايات الشفهية، رغبة منى في توثيق التاريخ الشفهي قبل فوات الأوان، وسوف أعمل في مرحلة لاحقة على مقابلة الوثائق، بعد ترجمتها، بما جمعت من الروايات؛ لكي أسهم في كتابة تاريخ قطر والكويت ودول المنطقة، من خلال منظور جديد ومغاير.
فهذا التاريخ، يبدو لي، أنه لم يكتب بصورة صحيحة حتى اللحظة. وشخصياً لدي قناعة راسخة بأن التاريخ الوطني، إما أن يكتب صحيحاً بأمانة وإخلاص وتمحيص وإما لا يكتب نهائياً، فهو أمانة في أعناقنا إلى أبنائنا.
ولدوا أو دفنوا في الزبارة
• هل الوثائق والمخطوطات التي بحوزتكم تشير لوجود عوائل لم يتم ذكرها في الكتب؟
- نعم بكل تأكيد. فالوثيقة المؤرخة في أبريل 1638 تذكر من قبائل الزبارة: النعيم، المسلم، الطوار، بني هاجر، السعود. كما تذكر الوثائق من شيوخ ورجالات الزبارة: الشيخ ثاني بن محمد، جد الأسرة الحاكمة في قطر، ولد في الزبارة، كما أن جد آل صباح، الأسرة الحاكمة في الكويت، توفي في الزبارة بعد مجيئهم من الهدار، كما يذكر المؤرخ سيف الشملان، نقلاً عن الوجيه الحاج عبدالرحمن بن يوسف الرومي.
وحسين العنزي جد المؤرخ الكويتي سيف الشملان، حيث توفي في المدينة، والقاضي محمد بن حسين العنزي، الملقب بالدراج لأنه كان يدرج في سيره من جراء إصابته بإحدى رجليه، والذي ولد في الزبارة، وتوفي بوباء الطاعون سنة 1831.
والشيخ علي بن لحدان بن غنام البنعلي، الذي أهداه الشيخ أحمد بن راشد المريخي المصحف الذي خطه في القرين (الكويت) في عام 1815، وهو من مواليد الزبارة في الربع الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي.
والشيخ جابر بن عذبي الجلاهمة، والد الشيخ رحمة بن جابر، أحد شيوخ عشيرة العتوب التي سكنت الكويت في عام 1713، توفي في الزبارة. والشيخ خميس بن خميس بن غانم المريخي، من مواليد الزبارة في الربع الأخير من القرن الثامن عشر الميلادي.
هجرة العتوب
• وماذا عن العتوب، ومسار هجرتهم إلى الزبارة؟
- تؤكد مكتشفات بعثات التنقيب الفرنسية والدنمركية والبريطانية والقطرية، أن الزبارة كانت عامرة منذ أكثر من 500 عام، كما أن الوثائق التي سبق أن أشرت لها تؤكد وجود عدد من القبائل في الزبارة، قبل هجرة العتوب إليها من الهدار، والتي اختلفت فيها المصادر، فقد ذكر مؤرخ الكويت سيف مرزوق الشملان في كتابه «تاريخ الكويت»، أن العتوب نزلوا الزبارة في عام 1666، وكذلك أشارت مؤرخة البحرين مي آل خليفة، في كتابها «الأسطورة والتاريخ الموازي»، أنهم نزلوا الزبارة عام 1660، وعاشوا فيها أكثر من 50 سنة تقريباً، بينما أرى أنهم عاشوا ما يقارب الـ40 سنة فقط.
حاضرة عامرة
بينما يذكر جون كيلي أن أول نزول للعتوب في الزبارة، كان في عام 1766 طلباً لمستوى أفضل من المعيشة، والأكيد أنهم سكنوا واستقروا في حاضرة عامرة. إذ لا يُعقل أن ينزل العتوب في البر والخيام، وهم قادمون من حاضرة الهدار، ولعل وثيقة الشيخ سلطان المريخي تؤكد وجود مدينة لها سور وبوابات وحراس، ويرفضون دخول الغرباء عليهم براً وبحراً، لأنهم محاصرون داخل الأسوار.
فقد كانوا يسمحون بدخول الأفراد فقط، حتى تستطيع المدينة استيعاب الوافدين إليها، كما تشير الوثيقة نفسها إلى أن في المدينة 150 بيتاً يسكنها 700 رجل وطفل وامرأة، ويملكون 50 سفينة غوص و70 من الخيول و200 من الإبل، ثم إن عودة آل خليفة ومن بعدهم الجلاهمة إلى الزبارة من الكويت في عام 1766، كانت سبباً في ازدهارها اقتصادياً، خصوصاً بعد هجرة الشيخ أحمد بن رزق إليها عام 1776، بعد الطاعون الذي أصاب بغداد في عام 1773، وحصار كريم خان الزند لها في عام 1775، وكان ابن رزق عالماً، ما جعل العلماء والتجار يقصدون الزبارة. فكبرت بعد هذا التاريخ واقتضت الحاجة أن يقوم أهلها ببناء سور جديد في النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي.
من الزبارة إلى البصرة
وتشير وثيقة عثمانية مؤرخة في عام 1113 هـ / 1701 م، إلى أن عدد بيوت العتوب عندما دخلوا البصرة، بلغ ألفي بيت بعد هجرتهم من الزبارة. كما أفادت الوثيقة أنه تم نقلهم إلى جنوب البصرة عبر 150 سفينة، حيث كانت كل سفينة تحمل اثنين أو ثلاثة مدافع، إضافة إلى 30 إلى 40 فرداً مسلحاً ببنادق على متن كل سفينة، ويُقدر عددهم مع النساء والأطفال بـ10 آلاف نسمة.
ازدهار ثقافي وعلمي
وتؤكد وثيقة الشيخ حمد بن نايم المريخي، أن الزبارة كانت تضم المدرسة الأثرية، كما يؤكد وقف الشيخ أحمد المريخي وجود مدرسة العلوم أيضاً، كما أن هذه الوثائق تشير إلى أقدم مدرس قطري ذكر في التاريخ حتى الآن، وهو الشيخ حمد بن نايم بن سلطان المريخي، كاتب مراسلات جده شيخ الزبارة، وفي ذلك دلالة على ازدهارها ثقافياً وعلمياً.
غوص وتجارة ورعي
• وكيف كانت الحياة في الزبارة، وهل مارس أهلها الأنشطة التجارية والأعمال الأخرى كالزراعة والرعي مثلا؟
- قامت مدينة الزبارة أساساً على الغوص على اللؤلؤ وتجارته. فقد كانت مدينة تجارية مزدهرة، ولموقعها المركزي في الخليج ومينائها الطبيعي مجموعة من العوامل، التي جعلت المدينة مكاناً مميزاً لصيد اللؤلؤ، إلا أن أهلها كسائر سكان أهل قطر، كانوا يقسمون عامهم، ففي الصيف يخرجون للغوص على اللؤلؤ في الهيرات، وفي الشتاء يرتحلون إلى البر يرعون أنعامهم وإبلهم ومواشيهم، وهو بمقاييس عصرها تؤكد أن أهل المدينة كانوا من الأثرياء بفضل تجارتهم.
كما كان سوق الزبارة مزدهراً منذ أكثر من 200 عام، ومفعماً بالنشاط والحيوية، وكان هو أساس وقلب اقتصاد المدينة.
حيث كان التجار يتجولون في المكان، ويساومون الزبائن، والغواصون وصائدو الأسماك يصلحون شباكهم وأدوات صيدهم، إلا أن السوق تم هجره بعد أن تعرضت المدينة للهجوم والتدمير في عام 1811، على يدي السيد سعيد سلطان مسقط.
جمعة بن خميس الغوانم المريخي
- عضو اتحاد المؤرخين العرب.
- مدير بلدية الخور والذخيرة بدولة قطر لسبع سنوات.
- متفرغ للتوثيق والتاريخ والتراث.
- مهتم بتاريخ مدينتي الخور والزبارة، وبالمصاحف المخطوطة بخط الشيخ أحمد بن راشد بن جمعة بن خميس المريخي، قاضي الزبارة، وعالم قراءات القرآن الكريم العشر، وأول خطاط قطري معروف.
وثيقة مؤرخة عام 1612
ذكر المريخي أن لديه وثيقة مؤرخة بالعام 1612، تؤكد التالي:
•عدد بيوت الزبارة كان 150 بيتاً.
• عدد سكانها 700 رجل وامرأة وطفل.
•عدد محاملهم أو مراكبهم التقليدية التي تستخدم في الغوص 50.
• عدد الخيول 70 والإبل 200.
وثائق الزبارة
أشار المريخي إلى أن مكتبة خور شقيق، التي أسسها بهدف جمع الوثائق والروايات الشفهية والكتب والدراسات عن قطر ودول الخليج العربية، تقتني مجموعة كبيرة ونادرة من الوثائق والمخطوطات المهمة، والتي تؤرخ لمدينة الزبارة القطرية خاصة.
وفيما يلي بعض الوثائق:
منع الغرباء
وثيقة مؤرخة في شهر صفر 1021هـ/ أبريل 1612، تشير إلى أن الشيخ سلطان بن علي المريخي الزباري القطري، شيخ الزبارة حينئذ، أمر حراس بوابات المدينة بمنع دخول الغرباء إلى الزبارة، سواء كان ذلك براً أو بحراً.
قصف برتغالي
وثيقة أخرى من الأرشيف البرتغالي، مؤرخة في العام 1627 تحمل أمر القبطان البرتغالي دوم جونكالو دي سيلفيرا، قائد الأسطول البرتغالي في منطقة الخليج العربي لأسطوله، بالتوجه للسواحل القطرية، حيث قام بقصف المناطق السكنية القطرية على طول الساحل من سبتمبر 1627 وحتى 28 أبريل 1628، حيث دمر ما طالته العين من السفن المحلية الراسية في تلك الموانئ، وكافة مواطن العمران على الساحل.
مركب بـ10 فضة
وثيقة ثالثة، مؤرخة في أبريل 1638، تذكر أن الشيخ حمد بن نايم (ناجم) بن سلطان المريخي الزباري القطري، المدّرس بالمدرسة الأثرية بمدينة الزبارة العامرة، وحفيد الشيخ سلطان بن علي المريخي، قام ببيع مركبه إلى محمد بن خليفة المعضادي، بمبلغ 10 فضة، وهي عملة كانت مستخدمة حينئذ.
4 مصاحف مخطوطة للشيخ أحمد المريخي
من المصاحف المخطوطة التي خطها الشيخ أحمد بن راشد بن جمعة بن خميس المريخي، أحد علماء قطر، وأول خطاط قطري، وعالم في علم قراءات القرآن الكريم العشر، وقاضي مدينة الزبارة، والذي ترك 4 مصاحف مخطوطة بخط النسخ: الأول في مكتبة قطر الوطنية، والثاني في متحف قطر الوطني، أما الثالث ففي دارة الملك عبدالعزيز في السعودية، والرابع في البحرين.
وهذه النسخ كتبت على التوالي في الأعوام 1220هـ/ 1805م، 1221هـ/ 1806م، 1230هـ/ 1815م، ومن ثم فهي توثق لمرحلة تاريخية مهمة من تاريخ قطر والزبارة.
مخطوط «شرح غاية الاختصار»
تقتني مكتبة خور شقيق مخطوط «شرح غاية الاختصار»، للقاضي أبوشجاع أحمد بن الحسين الأصفهاني، المتوفى سنة 500 هـ/ 1106م تقريباً، وعليه وصية من الشيخ أحمد المريخي قبل وفاته، في عام 1797، بأن يكون وقفاً للعلم بمدرسة العلوم في الزبارة.
قلعة الزبارة تراث عالمي
بجوار مدينة الزبارة الآثرية تقف حالياً قلعة الزبارة، التي أمر بإنشائها الشيخ عبدالله بن جاسم آل ثاني، رحمه الله، في عام 1938، لتكون برج مراقبة للساحل الغربي لدولة قطر، كما كانت تستخدم كمخفر للشرطة والجيش، ويتوسطها بئر مياه، وتتضمن العديد من الغرف المستطيلة، وبها 4 أبراج، 3 منها دائرية والرابع مربع الشكل، وأدرجتها بالإضافة لمدينة الزبارة لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم «يونسكو» في اجتماعها بالعاصمة الكمبودية في يونيو 2013 ضمن قائمة مواقع التراث العالمية، والتي تضم أكثر من 900 موقع طبيعي وثقافي في جميع أنحاء العالم.
أخبار متعلقة :