الارشيف / حال الكويت

إرادة المشرع اتجهت لأفضلية المنتج الكويتي ... إلا أن النص الحالي لا يعكسها !

  • 1/2
  • 2/2

كتب ناصر المحيسن - الكويت في الاثنين 15 يوليو 2024 01:28 مساءً - في حين كانت المادة 62 من قانون المناقصات العامة 2016/49، وقبل تعديلها، تساوي بين المنتجات الكويتية والخليجية، فتمنحهما معاً الأفضلية في مواجهة المنتجات المستوردة، إلا أنها أصبحت بعد تعديل القانون، والذي تم بموجب القانون 74/ 2019، تنص صراحة على منح الأفضلية للمنتجات الكويتية في مواجهة المستوردة، دون أن تحدد تصنيف المنتج الخليجي، إذا ما كان يندرج تحت مفهوم المنتج المستورد أو المنتج المحلي.

ولذلك، فإنني في مقال سابق (الجزء الأول) الذي نشر في عدد 15 مايو الفائت، تحت (عنوان: القانون منح أفضلية الترسية للمنتج الكويتي فقط... لا أولويَّة للمنتجات الخليجية على المستوردة في «المناقصات»)، بينت رأيي في أفضلية المنتجات الخليجية أمام المستوردة بعد تعديل القانون، وانتهيت إلى النتائج التالية:

1 - عدم وجود أفضلية للمنتج الخليجي أمام نظيره المستورد.

2 - ان الاتفاقيات الاقتصادية الموحدة بين دول مجلس التعاون، لم تتطرق لمساواة المنتجات المحلية والخليجية في حالة المشتريات الحكومية، لذا فهذه الاتفاقيات لا تصلح كأساس لمنح أفضلية للمنتجات الخليجية أمام المستوردة بعد تعديل القانون.

في هذا المقال، أجيب عن سؤال مختلف يتجسد في الآتي: هل ثمة أفضلية للمنتج الكويتي على الخليجي في مناقصات التوريد، بعد تعديل قانون المناقصات العامة؟

للإجابة عن السؤال، أسلط الضوء على أفضلية المنتجات الكويتية بعد تعديل القانون، وعدم وضوح تعريف المنتجات المستوردة، وأخيراً الحلول القانونية المتاحة لتفسير المقصود بالمنتجات المستوردة.

وبالنظر إلى عدد القضايا المنظورة أمام المحاكم حول الموضوع، تغدو الإجابة عن هذا السؤال أمراً في غاية الأهمية، خصوصاً أن مجلس الوزراء، سبق وأصدر تعميماً يتطرق فيه إلى موضوع أفضلية المنتج الخليجي، الأمر الذي يقودنا إلى استشعار رغبة الحكومة في تعديل قانون المناقصات العامة.

هل المنتج الخليجي مستورد؟

أولاً: أفضلية المنتجات الكويتية بعد تعديل قانون المناقصات العامة.

نص قانون المناقصات العامة، بعد تعديله على أفضلية ما للمنتج الكويتي، ولكنها ليست أفضلية في مواجهة المنتجات الخليجية، إنما أفضلية في مواجهة المنتجات المستوردة. فقد بينت المادة 62 أنه «على الجهة صاحبة الشأن في مناقصات التوريد الترسية على عرض المنتج المحلي، متى كان مطابقاً للمواصفات والشروط، وكانت الأسعار المقدم بها لا تزيد على أقل الأسعار التي قدمت عن منتجات مماثلة مستوردة بنسبة 20 في المئة».

نجد بأن المادة المشار إليها قد أعطت - صراحة - المنتجات المحلية أفضلية على نظيرتها المستوردة، وقد عرّف قانون المناقصات العامة (بعد تعديله) المنتجات المحلية، بأنها كل منتج يتم إنتاجه في الكويت. إلا أن المشكلة تكمن في أن القانون لم ينص صراحة على أفضلية للمنتجات المحلية (أي الكويتية) على نظيرتها الخليجية. ومن هنا كان لابد من تفسير المقصود بالمنتجات المستوردة، فهل يقصد بالمنتجات المستوردة جميع المنتجات التي لا يتم إنتاجها في الكويت بشكل عام؟ الأمر الذي يترتب عليه اعتبار المنتجات الخليجية من قبيل المنتجات المستوردة لعدم إنتاجها في الكويت، فتحصل المنتجات الكويتية على الأفضلية في مواجهة المنتجات الخليجية! أم أن المنتجات الخليجية لا تدخل في مفهوم المنتجات المستوردة، مما يؤدي إلى تصنيفها بنفس مستوى المنتج المحلي (الكويتي)؟ فلا يكون للمنتج الكويتي أفضلية عليها.

في الحقيقة، لم يعرف القانون صراحة المقصود بالمنتجات المستوردة. وهو ما يحتم علينا اللجوء لوسائل تفسيرية، تساعدنا في معرفة المقصود بالمنتجات المستورد، من خلال الاستدلال (1) بمبررات تعديل القانون وملابسات تعديله، والاطلاع على الأعمال التحضيرية له في مجلس الأمة، و(2) بالتعاريف الموجودة في القانون، للمنتجات الأخرى.

تعديل... دون تبرير

ثانياً: الاستدلال على تعريف المنتجات المستوردة، من خلال الأعمال التحضيرية لقانون المناقصات العامة المعدل.

بالرجوع لمبررات تعديل المادة 62 من قانون المناقصات العامة، وبالاطلاع على تقارير اللجان المختصة ومضابط محاضر جلسات مجلس الأمة، فإننا نجد بأن مبرر التعديل يكمن في الرغبة بمنح المنتجات الكويتية أفضلية على المنتجات الخليجية والمستوردة معا. ذلك أن لجنة الشؤون المالية والاقتصادية في اجتماعها المنعقد بشهر مايو 2019 قد اطلعت على 3 اقتراحات بقوانين مقدمة من أعضاء مجلس الأمة، وانتهت إلى صياغة مشروع قانون لتعديل المادة 62، بحيث تنص المادة المقترحة صراحة على أفضلية المنتجات الكويتية على الخليجية في حال تخلف شرط المعاملة بالمثل. ويقصد بمبدأ المعاملة بالمثل أن تتم معاملة المنتجات الكويتية بذات المعاملة التي يعامل بها المنتج المحلي في الدولة الأم للمنتج الخليجي المنافس.

وقد أكدت المذكرة الايضاحية للاقتراح بقانون على هذا المعنى وعلى أفضلية المنتجات الكويتية على جميع المنتجات الأخرى.

إلا أن اللجنة قامت لاحقاً بتعديل أفضلية المنتجات الكويتية أمام الخليجية في الصيغة النهائية للاقتراح بقانون، في اجتماعها المنعقد بشهر يونيو 2019، فقامت بحذف النص الصريح الذي كان يمنح الأفضلية للمنتجات الكويتية أمام الخليجية، وأبقت النص الذي يقرر الأفضلية للمنتجات الكويتية أمام المنتجات المستوردة، دون تبرير هذا التعديل الأخير. فصدرت المادة 62 من القانون النهائية بصيغتها المشار إليها، والتي أعطت الأفضلية للمنتج الكويتي على المستورد، دون التعرض صراحة لوضع المنتج الخليجي.

تعريفان مستقلان

ثالثا: الاستدلال على تعريف المنتجات المستوردة من خلال التعريفات الواردة بقانون المناقصات العامة.

لعل من المفيد أن نذّكر بأن قانون المناقصات العامة - وقبل تعديله - كان يجعل مصطلح المنتج الوطني، يمتد ليشمل تحت مظلته كلاً من المنتجات الكويتية والخليجية، على حد السواء. كما وأعطى المنتجات الوطنية (الكويتية والخليجية) أولوية أمام المنتجات المستوردة، وهو ما سبق أن أشرنا إليه في الجزء الأول من هذا المقال.

وبسبب رغبة أعضاء مجلس الأمة، في منح المنتجات الكويتية أفضلية على جميع المنتجات الأخرى، نصّ القانون على أفضلية المنتجات المحلية، وأضاف تعريفاً جديداً لم يرد في ظل القانون القديم لهذه المنتجات، بأنها كل منتج يتم إنتاجه داخل الكويت، لذا يقصد بالمنتج المحلي المنتج الكويتي. كما عدل تعريف المنتجات الوطنية، بأن المنتج ذا منشأ وطني، وفقاً لأحكام المادة 3 من الاتفاقية الخليجية الاقتصادية الأولى والثانية، لذا يقصد بالمنتج الوطني المنتج الخليجي دون غيره. وعليه، فإن خلاصة القول هو أن قانون المناقصات - و بعد تعديله - قد أورد تعريفين مستقلين: أحدهما للمنتج الوطني (والذي أصبح يقصد به المنتج الخليجي)، والثاني للمنتج المحلي (والذي يقصد به المنتج الكويتي). ولم يعرف القانون - سواء قبل تعديله أو بعد ذلك - المقصود بالمنتج المستورد.

والحقيقة فان من المستغرب تعديل تعريف المنتج الوطني بالقانون بسبب عدم الحاجة له، حيث لم يتم استخدامه في بقية نصوص القانون. كما قد ورد خطأ مادي في المذكرة الايضاحية للقانون بعد تعديله، ينص على حكم يعارض حكم الحكم الصريح الوارد بالقانون، وتحديداً تنص المذكرة على أنه «لا يجوز بعد إرساء المناقصة، أن يستبدل المنتج المحلي أو المنتج الوطني منتج مستورد، إلا بموافقة المجلس»، بينما نصت المادة 62 بعد تعديلها على، أنه «لا يجوز بعد إرساء المناقصة أن يستبدل المنتج المحلي منتج مستورد، إلا بموافقة المجلس»، وهذا كله يؤكد وجود أخطاء في صياغة القانون.

مفهوم المخالفة

إن وجود تعريف واضح للمنتجات الخليجية والكويتية، في مادة التعريفات في صلب قانون المناقصات، يدفعني إلى تبني مفهوم المخالفة، لتعريف المنتج المستورد. فأعرّف المنتج المستورد بأنه كل منتج لا يعتبر منتجاً كويتياً أو خليجياً. فمن بدهيات قواعد التفسير القانوني، بأن إعمال النص أولى من إهماله، فلا يجوز تجاهل المادة المعدلة السارية حالياً التي تعرف المنتج الوطني، وذلك كله على الرغم من يقيني، بأن تعديل تعريف المنتجات الخليجية كان خطأ غير مقصود. ذلك كله يترتب عليه القول بعدم وجود أفضلية للمنتج الكويتي أمام المنتج الخليجي.

سكوت عن تعريف المستورد

رابعاً: هل هناك أفضلية للمنتجات الكويتية على المنتجات الخليجية في ظل قانون المناقصات العامة؟

يتبين بأن الاستدلال على تعريف المنتجات المستوردة، من خلال الأعمال التحضيرية لقانون المناقصات العامة المعدل، يؤدي للقول بوجود أفضلية للمنتجات الكويتية على نظيرتها الخليجية، بينما يؤدي الاستدلال على تعريف المنتجات المستوردة، من خلال التعريفات الواردة بقانون المناقصات العامة لنتيجة مضادة، وهي القول بعدم وجود أفضلية للمنتج الكويتي أمام المنتج الخليجي.

من المسلم به في أصول التفسير القانوني، بأن الأعمال التحضرية للقانون ومذكرته الايضاحية تعتبر من قبيل المصادر التفسيرية غير الإلزامية، والتي لا يُلتجأ إليها إلا إذا كان النص معيباً. ويتمثل العيب هنا من وجهة نظري بوجود خطأ وذلك بتعديل تعريف المنتج الوطني، ووروده في مادة التعريفات دون استخدامه في أي من النصوص الواردة في متن القانون. لذلك أعتقد بأن إرادة المشرع قد اتجهت نحو تقرير الأفضلية للمنتجات الكويتية على جميع المنتجات الأخرى، سواء أكانت خليجية أو مستوردة، وهذه الإرادة – وإن كانت واضحة في تقارير اللجان ومضابط مجلس الأمة - إلا أن النص الحالي لا يعكسها. لذا، فهذا القانون يجسد مثالاً صارخاً لعدم دقة الصياغة القانونية، بالقدر الذي ينتج معه قانوناً لا يعبر عن حقيقة قصد المشرع.

ومع التسليم بكون صياغة القانون معيبة، إلا أنني أميل إلى القول بعدم وجود أولوية للمنتج الكويتي على نظيره الخليجي في ظل النص الحالي، بسبب الاستدلال على تعريف المنتجات المستوردة، من خلال التعريفات الواردة بقانون المناقصات العامة، لأن قيام القانون بتعريف المنتج المحلي والمنتج الوطني من جهة، وسكوته عن تعريف المنتج المستورد من جهة أخرى، يجب أن يفهم منه بأن القانون قصد تعريف المنتج المستورد، بأنه كل منتج لا يعتبر منتجاً محلياً أو وطنياً.

الأفضلية استثناء من الأصل

وحيث إن الأصل في المناقصات العامة هو تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص، وترسيخ التنافس بين المتقدمين في جميع النواحي المالية والفنية، بالقدر الذي يجب معه الترسية على أقل العطاءات سعراً، حفظاً لأموال الدولة، إلا أن هذا الأصل يجوز الخروج عليه استثناء، متى ورد نص صريح يقرر منح استثناء لفئة معينة تحقيقاً لهدف معين.

وبالفعل، خرج القانون عن هذا الأصل، عندما منح الأولوية للمنتج كويتي أمام المنتج المستورد. إلا أن هذه الأفضلية تعتبر استثناءً من الأصل، و كما هو معروف، فالاستثناء لا يجوز التوسع فيه أو القياس عليه. لذا، لا أرى بجواز مد هذا الاستثناء ليشمل أولوية المنتجات الكويتية على الخليجية.

* أستاذة القوانين المالية والاقتصادية المساعدة بجامعة الكويت ومحامية دولة سابقاً.

طريقان للخروج من المأزق

بسبب طبيعة الإشكالية القانونية والمتمثلة بعدم تعريف المنتج المستورد، إلى جانب العيوب الواردة في القانون، كما سبق الإشارة إليه - فإنني أرى بوجود طريقين للخروج من المأزق. يتمثل الأول في اللجوء إلى آلية «التفسير التشريعي»، والثاني بتعديل النص.

1 - التفسير التشريعي

ويتمثل بصدور قانون يفسر المقصود بالنصوص محل الخلاف، ويكون هذا التفسير ملحقاً ومتمماً للقانون المراد تفسيره، بحيث يطبق بأثر رجعي على كل المنازعات التي وقعت في ظل القانون الغامض.

2 - تعديل النص

يتجسد بتعديل نص المادة 62 من قانون المناقصات، بالقدر الذي يتضح معه المقصود بالمنتجات المستوردة، وما إذا كانت تشمل المنتجات الخليجية من عدمه، بشكل لا يثير اللبس.

وتجدر الإشارة إلى أن التعديل التشريعي، يطبق كأصل بأثر فوري من تاريخه.

المذكرة الايضاحية

لقانون المناقصات

نصت المذكرة الايضاحية لقانون المناقصات، على أن أحد أهم مبررات تعديل القانون هو «إعادة النظر بمفهوم المنتجات الوطنية، والتي تشمل كافة المنتجات الخليجية، وهو ما أثر سلباً على المنتج المحلي». فبالرجوع إلى المذكرة الإيضاحية للقانون، وإلى الاقتراح بقانون قبل إدخال أي تعديلات عليهما، بل وبالرجوع إلى المناقشات التي دارت باجتماع مجلس الأمة والموثقة بمضابط الاجتماعات، نجد أن كل المعطيات توحي بأن الهدف من التعديل هو تمكين المنتج الكويتي على جميع المنتجات الأخرى، وهو ما يدفعنا للقول بأولوية المنتجات الكويتية على نظيرتها الخليجية.

Advertisements

قد تقرأ أيضا