الارشيف / حال الكويت

«الجنايات»: حرية الرأي في حدود القانون ... أمّا مَن خرجَ عنه فلا يلومنّ إلّا نفسه

كتب ناصر المحيسن - الكويت في الاثنين 24 يونيو 2024 11:20 مساءً - قضت محكمة الجنايات برئاسة المستشار نايف الداهوم بحبس النائب السابق وليد الطبطبائي 4 سنوات مع الشغل والنفاذ في قضية اتهامه بالطعن في صلاحيات سمو الأمير عبر تغريدة في حسابه على منصة «إكس».

وانبرت المحكمة في حيثيات الحكم إلى «لفت النظرِ وقرع السمع: إن مقام حضرة صاحب السمو أمير البلاد موقور ومحاط بسياج العقوبة الرادعة لما يتخلف عن التطاول عليه من زعزعة لهيبة الدولة ومن ثم ضياع أمنها واستقرارها؛ فلا يقوم بنيان بلا أركان، كما لا وطن يَحيى ويبقى بلا سلطان، فمن أراد إبداء رأيه كان له ذلك متى ما كان في حدود القانون وحماه، وأما من خرج عنه فلا يلومنّ إلّا نفسه».

وشددت على أن «حرية الرأي مكفولة على الدوام ما دام الأمير لا يزج باسمه ولا يقحم»، موضحة أن «المقصود بالعيب التهجم الذي من شأنه أن يمثل انتهاكاً أو مساساً بالاحترام الواجب لشخص رئيس الدولة، والأمير بحكم مركزه الاستثنائي وعلو مكانته ومقامه السامي مستوجب التوقير والاحترام، حفظاً لمكانة سموه، أما الإنكار على سموه والاعتراض على أوامره الأميرية فإنه فضلاً عن مخالفته للقانون فإنه يجلب مفاسد ويؤدي إلى عدم استقرار البلاد».

وأكدت المحكمة أنها «بعد أن أحاطت بالدعوى وبظروفها عن بصر وبصيرة قرّ في يقينها واطمأن وجدانها إلى أن المتهم ارتكب جميع التهم المسندة إليه بوصفها وكيفها الواردين بتقرير الاتهام، حيث توافرت في حقه كافة أركانها وعناصرها القانونية والواقعية».

وأضافت أنها «لا تأخذ بإنكاره كتابة التغريدة محل الاتهام، إذ انه ما قصد من ذلك إلا محاولة درء ما تردى به من جرم، وآية ذلك هو الدفاع الواهي الذي قرره بالتحقيقات، حيث قرر أن أشخاصاً كانوا يعملون لديه (سكرتارية) عندما كان عضواً في مجلس الأمة سبق أن زودهم ببيانات الحساب، محاولاً الإيهام أن أحد السكرتارية الذين سبق أن عملوا لديه هو من كتب التغريدة، ثم قرر في موضع آخر من التحقيقات أن حسابه يكون مخترقاً أحياناً، وهذا كلــه مــردود عليه بأن لو قام شخص غيره بكتابة التغريدة لما قام ذلك الشخص بحذفها، لاسيما وأن التغريدة التي أقر بكتابتها تكاد تطابق التغريدة محل الاتهام في العبارات، مما يستحيل معه القول بتوارد الخواطر بين المتهم والمخترق المزعوم، لاسيما وأن التغريدة محل الاتهام هي التغريدة التي نشرت أولاً بما يدل على أن المتهم حذفها ثم أعاد نشرها بالتعديل بنشره التغريدة الثانية في محاولة منه لتجنب المحاسبة الجزائية».

وأشارت إلى أن المتهم «وبعد أن فطن إلى أن دفاعه الذي قرره بالتحقيقات لا يستقيم مع العقل والمنطق ويستحيل الأخذ به للأسباب آنفة البيان، جاء أمام المحكمة بدفاع واهٍ آخر حيث إنه بعد أن عرضت عليـه المحكمة صورة التغريدة محل الاتهام قرر أنها فوتوشوب أي مصطنعة، ومن ثم فإنه لا تثريب على المحكمة بعد ذلك كله في اطمئنانها لما شهد به ضابط الواقعة وما أثبته في محضر الضبط وعدم أخذها بدفاع المتهم».

واعتبرت أن «ما قام به المتهم من حذف التغريدة ثم إعادة نشرها بالتعديل ثم حذف برنامج (إكس) بأكمله لهو خير دليل على توافر سوء النية لديه عندما قام بالنشر، فضلاً عن أن العبارات بذاتها تؤكد توافر القصد الجنائي لديه، إذ ان المحكمة من استقرائها لتلك العبارات وبما لها من سلطة في تفسيرها وتقدير مراميها ومدلولها والباعث على نشرها قر في يقينها بما لا يدعُ مجالاً للشك أن المتهم قصد الطعن علناً في حقوق الأمير والعيب في ذاته ونقده، مع علمه بمضمون تلك العبارات والتي من شأنها أن تؤدي إلى ذلك القصد باعتبار أنها جاءت صريحة ولا تحتمل التأويل»، مضيفة أنه «فضلا عن توافر ذلك القصد فإن المتهم قصد أيضا تأليب الرأي العام، وهذا يتضح جلياً من صيغة الجمع التي استخدمها في بعض العبارات وما انطوت عليه من تحريض».

وبيّنت المحكمة أن «حذف المتهم للتغريدة بعد نشرها لا يعفيه من المسؤولية الجزائية، وذلك باعتبار أن الجرائم المسندة إليه قد اكتملت أركانها القانونية بمجرد نشره التغريدة».

وشددت على «أنه لا يمكن القول إن ما صدر من المتهم يندرج تحت مظلة حرية الرأي التي كفلها الدستور، إذ ان الدستور حدد ضوابط لممارسة حرية الرأي جعلها في إطار الشروط والأوضاع التي بينها القانون، وما اقترفه المتهم ليس بحرية رأي وإنما هي مخالفات صريحة للقانون»، مشيرة إلى أن «المادة (54) من الدستور نصت على أن الأمير رئيس الدولة وذاته مصونة لا تمس، والمشرع في المادة 25 من القانون رقم 31 لسنة 1970 حمى شخص الأمير مما عسى أن يوجه إليه من طعن في حقوقه وسلطته ويشمل كل نقد منطوٍ على تجريح يمس الهيبة ويؤذي الشعور يشتمل على التعريض وعدم التوقير اللغوي الذي من شأنه أن يضعف من سلطة رئيس الدولة وينقض الحق الذي يستمده من الدستور، وليس من شأن ذلك أن يؤثر في حرية الرأي بل هي مكفولة على الدوام ما دام الأمير لا يزج باسمه ولا يقحم، ويقصد بالعيب التهجم الذي من شأنه أن يمثل انتهاكاً أو مساساً بالاحترام الواجب لشخص رئيس الدولة، والأمير بحكم مركزه الاستثنائي وعلو مكانته ومقامه السامي مستوجب التوقير والاحترام، حفظاً لمكانة سموه، أما الإنكار على سموه والاعتراض على أوامره الأميرية فإنه فضلاً عن مخالفته للقانون فإنه يجلب مفاسد ويؤدي إلى عدم استقرار البلاد».

وأشارت المحكمة إلى أنها «تأخذ المتهم بعقوبة الجناية كونه سبق الحكم عليه نهائياً بعقوبة جناية صدر له فيها عفو أميري، ورغم ذلك عاد وارتكب الواقعة الماثلة بأن طعن علناً في حقوق الأمير وعاب في ذاته وتعرض له بالنقد وحاول تأليب الرأي العام ضده، وعليه فإنّ من لم يثمر فيه العفو لا سبيل لردعه إلا بسيف القانون».

وختمت «تنبري المحكمة في هذا المقام للفت النظرِ وقرع السمع: إن مقام حضرة صاحب السمو أمير البلاد موقور ومحاط بسياج العقوبة الرادعة لما يتخلف عن التطاول عليه من زعزعة لهيبة الدولة ومن ثم ضياع أمنها واستقرارها؛ فلا يقوم بنيان بلا أركان، كما لا وطن يحيى ويبقى بلا سلطان، فمن أراد إبداء رأيه كان له ذلك متى ما كان في حدود القانون وحماه، وأما من خرج عنه فلا يلومن إلا نفسه لا سيما إن كان - مثل المتهم - ممن يزعم الصلاح ويتولى تعليم شباب المجتمع وقام على تشريع القوانين - كما قرره دفاعه - وصحيفته الجنائية مسودة بأثر مداد فعله عائداً الجريمة الكرّة تلو الكرّة رغم سبق العفو عنه، فالحذر الحذر من الفتنة وتأليب الرأي العام إن في ذلك لفرقة وشتات وفوضى عارمة لا تخلّف إلا ناراً لا تُبقي ولا تذر، والله من وراء القصد».

Advertisements

قد تقرأ أيضا