ويكمن تميز الإصدار في أنه صب اهتمامه على ملاحقة خلفيات ركيزة أساسية من ركائز تاريخنا المجيد، وهي مسيرة الحركة النيابية في الكويت منذ مطلع القرن العشرين، وما طرأ عليها من تحولات حتى أيامنا الحالية.
وبمناسبة الإصدار، أكدت الدكتورة سعاد الصباح، في كلمة لها في مقدمة الكتاب، مواصلة طرح هذه المسابقات، التي بدأتها الدار منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، و«تظل المسابقة، حتى اليوم، متميزة في اختيارها عطاء الجيل الجديد منبراً للمنافسة النبيلة في ميدان الكلمة العربية، ومن هذا المنطلق نقدم هذه الدراسة المميزة التي تبحث في التجربة البرلمانية الكويتية، والتي تعد حالة فريدة في المنطقة».
من جهته، أوضح مدير دار سعاد الصباح للثقافة والإبداع علي المسعودي، أن الكتاب التوثيقي المهم يأتي استكمالاً لجهود الدكتورة سعاد الصباح في توثيق التاريخ الكويتي من جهة، وتعزيزاً لكتابة التجربة الديموقراطية التي انتهجتها الكويت، من جهة أخرى، حيث رأت أن تطرح فكرة البحث في تاريخ الحياة البرلمانية الكويتية للباحثين العرب، للتنافس في توثيقها بالشكل العلمي الرصين.
وتحدث المسعودي في كلمة استهل بها الكتاب عن تاريخ سعاد الصباح البرلماني، الذي كان شاهداً عليه كصحافي خدم فترة طويلة في المجال الإعلامي، لافتاً إلى استعانة مجلس الأمة بها كثيراً، لما تملكه من خبرة علمية وعملية في مجال الاقتصاد خصوصاً.
وأضاف: «آمنت سعاد الصباح بالدور الذي تلعبه السلطة التشريعية في البلاد، وما لها من تأثير كبير في حياة الوطن والمواطنين... انخرطت في معترك مجلس الأمة، دون أن تكون عضواً فيه، فحرصت على حضور جلساته، ومناقشة ما يطرحه النواب، والتعاون معهم لإنجاز ما تراه مفيداً للصالح العام، حتى أن الصحافة اليومية أصبحت تسميها (العضو 51 في مجلس الأمة)».
واستذكر المسعودي العديد من مواقفها، ومنها مشاركتها اللجنة المالية والاقتصادية البرلمانية إيجاد حل لمشكلة المديونيات، ووقوفها بحزم في منتصف التسعينيات ضد مشروع قانون لفرض الرقابة على الصحف، وكذلك نشاطها الدؤوب لمناصرة الحقوق السياسية للمرأة، وردها الشهير على أحد النواب الذي رأى في منح المرأة الحق السياسي جريمة، إذ قالت: «نسي النائب أن أمه امرأة، ورفيقة عمره امرأة، وابنته امرأة، ولو كلّف نفسه قراءة أعداد المتخرجات والمتفوقات علمياً على الرجال منذ عام 1960، لما جرح النساء».
شمولية
يقدم الكتاب وصفّاً تاريخيّاً كاملاً وتحليلاً شاملاً للعمل النيابي الكويتي منذ نشأته، مروراً بمراحل تطوراته المختلفة حتى الوقت الراهن، وهو ما يجعله بمثابة مرآة تعكس الحياة النيابية الكويتية بمختلف أطوارها، مع بيان أزمات وإيجابيات وتطلعات الحراك النيابي الكويتي، والآمال الشعبية المرهونة بمجلس الأمة في القضايا الحاسمة، على الصعيدين الداخلي والخارجي.
وحرص الكتاب على الإجابة عن العديد من الأسئلة، مثل: متى بدأت الحركة النيابية الكويتية؟ وما عوامل نجاح ودعائم الحراك النيابي الكويتي؟ وكيف ناقشت الحركة النيابية في الكويت أهم القضايا الداخلية للمجتمع الكويتي؟ وما دور مجلس الأمة تجاه قضايا الأمة الإسلامية والعربية؟ وما المقصود بالأزمات الدستورية؟ وما أسباب حدوثها في التاريخ النيابي الكويتي؟ وهل عالج مجلس الأمة قضيتي حق المرأة الانتخابي والبدون، والملفات المهمة في النواحي الأمنية والاقتصادية بدولة الكويت؟ وغير ذلك من الأسئلة المحورية.
ورصد الكتاب أهم مفاصل الحراك النيابي، ابتداء من المرحلة الأهم الممتدة منذ عام 1921 حتى عام 1962، والتي تعتبر الأبرز في عملية التطور السياسي في الكويت، حيث شهد عام 1921 تأسيس أول «مجلس شورى» في، كما تم تأسيس المجلس التشريعي في عام 1938، في حين تم إصدار دستور الكويت في عام 1962. ولكن هذا لا يعني إغفال الجانب التاريخي في تطور النظام السياسي في الكويت قبل عام 1921، خصوصاً في فترة حكم الشيخ مبارك الصباح (1896-1915)، لما لهذه الخلفية التاريخية من أهمية كبيرة في فهم البواعث وراء تأسيس مجالس الشورى والتشريعي ولتأسيسي، ووضع الدستور، وإعطاء صورة أكثر شمولاً لعملية التطور السياسي في الكويت.
اشتملت الدراسة على تمهيد، وستة فصول، وخاتمة، حيث انتظمت في جزئين، تضمَّن الأول مقدمة، وتمهيدا، وستة فصول كُبرى، والخاتمة وأهم النتائج والتوصيات، وقائمة المصادر والمراجع. أمَّا الجزء الثاني فتضمن الـ(كتالوج) للمخططات والخرائط واللوحات وغيرها.
كما اهتمت الدراسة بتفصيل وبيان تعاقب وتسلسل المجالس النيابية للأمة الكويتية في الفصول التشريعية المتتالية، مع تحليل وتقييم سياسي لمهام كل مجلس أمة منذ عام 1962 وحتى اليوم، مع الوقوف عند الأحداث والمتغيرات الداخلية والخارجية، التي كان لها الأثر في تطور النظام السياسي في الكويت.
ولم يغفل الكتاب الأزمات الدستورية، وحالات الفراغ الدستوري التي مرّت بها البلاد، بل قدّم دراسة تحليلية للأزمة وكيف تم الخروج منها ومعالجتها على النحو الذي يُحقق مصلحة البلاد، والتفت أيضاً إلى أهم التحديات التي واجهت مجالس الأمة، وتلك القضايا المطروحة باستمرار على طاولتها.
وفي الختام، قدّم الباحث نقداً وتحليلا سوسيولوجياً لحاضر مجلس الأمة في الفترة المعاصرة، ما بعد حرب التحرير، أي منذ 1992 حتى الوقت الحالي، مع بيان الفوائد الإستراتيجية التي يُمكن من خلالها مطالعة مستقبل مشرق، ووضع رؤية هادفة للمستقبل النيابي الكويتي.
واعتمد الباحث في كتابه على محاضر جلسات مجلس الأمة، والوثائق البريطانية التي تناولت أوضاع المنطقة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، والكثير من المراجع والمصادر التاريخية والسياسية، وجاء في 360 صفحة من القطع الكبير.