تحظى هذه الزيارة بأهميةٍ بالغة، خاصة في ضوء العمل المشترك للصين والدول العربية جنبا إلى جنب لبناء مجتمع مصير مشترك صيني-عربي في العصر الجديد، ما يعمق الثقة الاستراتيجية المتبادلة بين الصين والكويت بشكلٍ كبير، ويرتقي بالتعاون العملي بين البلدين إلى مستوى أرحب، ويطلق حقبة جديدة من تطور الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
إن العلاقات الصينية - الكويتية تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، حيث يعود تاريخ التبادلات الثنائية الودية على طول طريق الحرير القديم إلى أكثر من ألف سنة، وشهد شهر فبراير من عام 1965 زيارة سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد إلى الصين، حينما كان وزيراً للمالية والصناعة والتجارة آنذاك، وقد أكد سموه خلالها دعم الكويت القوي الثابت لجمهورية الصين الشعبية، وتأييدها للصين في الحفاظ على السيادة وسلامة أراضيها، كما شدد على موقف دولة الكويت الداعم لمبدأ الصين الواحدة، ولاستعادة المقعد الشرعي لجمهورية الصين الشعبية في الأمم المتحدة، بوقت مبكر.
ومهدت تلك الزيارة الطريق أمام إقامة العلاقات الديبلوماسية بين الصين والكويت، وساهمت في تعزيز التعاون الثنائي في المجالات السياسية والاقتصادية وغيرها لاحقا.
وفي عام 1971، قرر قائدا الدولتين بالرؤية الثاقبة والحكمة الرشيدة، إقامة علاقات ديبلوماسية بين البلدين على مستوى السفراء، ما جعل الكويت أول دولة خليجية أقامت علاقات ديبلوماسية مع الصين.
وعلى مدار أكثر من خمسة عقود على تأسيس العلاقات الديبلوماسية، وعلى الرغم من التغيرات والتقلبات التى يشهدها العالم، التزمت الصين والكويت دائماً بالاحترام المتبادل والمساواة، والمنفعة المتبادلة والتنمية المشتركة، وحافظت الدولتان على التبادلات الودية والتعاون الوثيق وتقاسم السراء والضراء، وبذلتا الجهود المشتركة من أجل تحقيق مزيد من المصالح للشعبين.
أصبحت العلاقات بين الصين والكويت مثالاً رائداً للعلاقات مع الدول الأخرى في المنطقة، ونموذجاً يحتذى به في العلاقات بين الدول.
تحرص الصين والكويت دائماً على تبادل الدعم في القضايا المتعلقة بالسيادة وسلامة الأراضي لكلا البلدين، وبعد الغزو العراقي على الكويت في عام 1990، أعربت الصين عن معارضتها الشديدة للغزو، وبذلت قصارى جهدها بصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لاستعادة استقلال الكويت وسيادتها وسلامة أراضيها. وفي أعقاب حرب الخليج، أرسلت الصين على الفور فريق إطفاء مكوناً من 60 فرداً، قاموا بتحدي المخاطر ومساعدة الكويت على إطفاء الحرائق في عشر آبار نفط، بمستوى 10 آلاف طن، خلال أقل من شهرين.
لن ينسى الشعب الصيني ما قدمته الكويت للصين، من دعم ثمين لاستعادة مقعدها الشرعي في الأمم المتحدة، ولن ينسى أيضا أن القادة الكويتيين بادروا بتقديم التعاطف ومد يد العون للصين، كلما تعرضت لكارثة طبيعية خطيرة.
في مواجهة جائحة فيروس «كورونا» المستجد، وقفت الصين والكويت جنباً إلى جنب للتغلب على الصعوبات. وفي ذروة معركة الصين ضد كوفيد19- في ووهان، أصدر سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، تعليماته لمجلس الوزراء، بتقديم امدادات للصين بلغت قيمتها ثلاثة ملايين دولار، وهو ما كان مشجعا للغاية للشعب الصيني في مكافحة الوباء في ذلك الوقت. وعندما دخلت الكويت مرحلة حاسمة في معركتها ضد «كوفيد 19»، أرسلت الصين فريقاً من الخبراء للمساعدة في السيطرة على الوباء، تلبية لطلب الجانب الكويتي.
علاوة على ذلك، لن يغيب عن وجدان الشعب الصيني، أن الكويت قدمت مساهمات إيجابية في بناء البنية التحتية المحلية، وحماية البيئة، والتنمية الصحية والتعليمية في الصين، بصفتها أكثر دولة عربية تقدم للصين القروض التفضيلية الحكومية، وقد بدأ الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية بتقديم قروض للصين منذ عام 1982، حيث قدم حتى الآن قروضاً تفضيلية لـ40 مشروعا في الصين، وتبلغ قيمتها الإجمالية نحو مليار دولار.
والكويت هي الدولة الخليجية الوحيدة التي يتمركز فيها فريق طبي صيني. ظلت الصين ترسل فرقاً طبية إلى الكويت منذ عام 1976، حيث يطبق الأطباء الصينيون علاجات الطب الصيني التقليدي مثل الوخز بالإبر والحجامة، ما يساهم في تعزيز الصحة والسعادة للشعب الكويتي ويعزز الصداقة بين الشعبين.
هذا مجرد غيضٌ من فيض القصص المؤثرة العديدة حول التبادل الودي بين الجانبين.
إن القول الصيني «الذين يتقاسمون الأهداف لا تفصلهم الجبال»، يصف بشكل مناسب الصداقة بين الصين والكويت، والتي ازدادت رسوخاً وصلابةً على مر السنين.
وعلى مدى العقد الماضي، وبفضل الرعاية والتوجيهات السامية من قادة البلدين، حققت العلاقات الصينية - الكويتية نمواً بالغاً، وباعتبارها بوابة رئيسية في منطقة الخليج وجزءاً مهماً من طريق الحرير البري والبحري، تعد الكويت شريكاً طبيعياً ومثالياً للتعاون في إطار مبادرة «الحزام والطريق».
في عام 2014 أصبحت الكويت أول دولة في الشرق الأوسط وقّعت وثائق التعاون في إطار مبادرة «الحزام والطريق» مع الصين، وقد عمل الجانبان بنشاط على المواءمة بين مبادرة «الحزام والطريق» ورؤية الكويت 2035، وشهد التعاون في المجالات التقليدية مثل البنية التحتية والطاقة توسعاً وتعمقاً باستمرار، ما ضخ زخماً قوياً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في دولة الكويت.
وفي عام 2018، زار سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الصين، والتقى الرئيس شي جينبينغ وأعلنا بشكل مشترك عن إقامة الشراكة الاستراتيجية بين الصين والكويت، ما أدى إلى دفع العلاقات الثنائية إلى مسار النمو السريع.
وفي إطار التعاون للبناء المشترك لمبادرة «الحزام والطريق،» حقق الجانبان سلسلة من الانجازات، بما في ذلك المبنى الجديد لبنك الكويت المركزي، ومدينة صباح السالم الجامعية، ومستشفى ضمان، ومصفاة الزور، وأعمال البنية التحتية لمدينة جنوب المطلاع، وطريق الدائري السابع، وأعمال استصلاح التربة الملوثة، وقد أصبحت هذه النتائج رمزاً للتعاون العملي بين الصين والكويت في العصر الجديد، كما حققت طفرة في التعاون الثنائي في مجالات التجارة والاستثمار والاتصالات وغيرها من المجالات، بما عاد بفوائد ملموسة على البلدين والشعبين، وحتى عام 2022، ظلت الصين أكبر شريك تجاري للكويت لمدة سبع سنوات متتالية، حيث سجلت التجارة البينية رقماً قياسياً قدره 31.48 مليار دولار، وأصبحت الكويت سابع أكبر مصدر لواردات النفط الخام إلى الصين. بالإضافة إلى ذلك، افتتحت هيئة الاستثمار الكويتية مكتبها الثاني في الخارج في مدينة شانغهاي لتوسيع استثماراتها المالية في الصين، وأصبحت الكويت أول مستثمر أجنبي في مجال شبكة السكك الحديدية عالية السرعة في الصين.
وفي الوقت نفسه، تشير الإحصاءات الصادرة عن الكويت إلى أن إجمالي استثمارات الصين المباشرة في الكويت بلغ نحو 550 مليون دولار، ما جعل الصين ثاني أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر في الكويت، كما باتت السيارات الصينية تحظى بشعبية متزايدة بين المستهلكين الكويتيين، وذلك لجودتها العالية والخدمة المتميزة، ومما لاشك فيه أن شبكة الجيل الخامس التجارية التي تم بناؤها في جميع أنحاء الكويت، بالتعاون مع شركة هواوي، وهي الأولى من نوعها في الشرق الأوسط، ستعطي دفعة قوية للتحول الاقتصادي في الكويت.
وبالإضافة إلى ذلك، يتمتع شعبانا بعلاقات أوثق، وسيتم تسيير أربع رحلات مباشرة أسبوعياً من مدينة الكويت إلى قوانغتشو، وذلك مقارنةً بتسيير رحلة واحدة فقط عندما تم إطلاقها عام 2020، وهذا المسار الجوي يسهل عملية السفر بين البلدين.
وسيمنح أول مركز ثقافي صيني في منطقة الخليج، والذي تم تشغيله التجريبي أخيراً، فرصة للشعب الكويتي للحصول على المزيد من المعارف عن الثقافة الصينية الرائعة وسحرها.
كل هذا يدل على أن المصالح التنموية لكلا البلدين متضافرة بشكل وثيق، وأن الشعبين مرتبطان بشكل أوثق ببعضهما البعض، وأن التبادلات والتعاون بين البلدين تزداد ازدهاراً وحيوية في شتى المجالات.
إن المشهد الدولي اليوم يمر بمرحلة تحول عميق، وتشارك الصين والكويت في رؤى ومبادئ مماثلة حول الحوكمة العالمية. ورغم اختلافنا في النظام الاجتماعي والثقافة التقليدية، فإن كلا البلدين ينتميان إلى أسرة الحضارات الشرقية، ويتمسكان بسياسة خارجية مستقلة وبمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وبالإضافة إلى ذلك، يدعو البلدان إلى التعددية، ويدعمان النظام الدولي القائم على الأمم المتحدة والمنظومة الدولية القائمة على القانون الدولي، ويعملان على حماية السلام والاستقرار الإقليميين والدوليين، وبناء اقتصاد عالمي مفتوح، ويبقى كلا البلدين ملتزمين، بتعزيز التعلم المتبادل بين الحضارات وتنوع الحضارات العالمية والقيم المشتركة للإنسانية.
إن الصين والكويت شريكان وثيقان يحرصان على التنسيق في ما بينهما على الساحة الدولية.
وتلعب التبادلات رفيعة المستوى دوراً بارزاً في توجيه العلاقات الثنائية، وقد حافظ الرئيس شي جينبينغ وصاحب السمو أمير دولة الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، على تفاعلات واتصالات استراتيجية متكررة، وأعربا في رسائلهما المتبادلة عن الرغبة القوية في دفع الصداقة التقليدية قدماً، وتعميق التعاون الثنائي على مختلف المجالات في إطار البناء المشترك لمبادرة «الحزام والطريق».
في ديسمبر من العام الماضي، التقى الرئيس شي جينبينغ، للمرة الأولى، سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، في الرياض، وشدد الرئيس شي جينبينغ خلال الاجتماع على أن الصين تحرص دائما أن تبقى شريكا موثوقا للكويت، وستواصل تعزيز المواءمة بين الاستراتيجيات التنموية للبلدين، والمشاركة النشطة في بناء المشاريع الكبرى في الكويت، واستكشاف إمكانات التعاون في مجالات الطاقة الجديدة والجيل الخامس للاتصالات والاقتصاد الرقمي، وتدعيم التواصل والتعاون في مجال الثقافة.
وفي الوقت نفسه، أكد سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، أن الصين صديق أبدي للكويت، وأن الجانب الكويتي يلتزم دوماً بمبدأ الصين الواحدة وعلى استعداد لبذل جهود مشتركة مع الجانب الصيني لتعميق التعاون المتبادل المنفعة في كل المجالات، بما يفتح آفاقاً جديدة للشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
في وقتنا الحاضر، سنحت أمام الجانبين فرصة تاريخية جديدة لتعميق العلاقات الثنائية، وبينما تبذل الصين جهوداً حثيثة لدفع التحديث الصيني النمط، وتعزيز الانفتاح عالي المستوى، فإن ذلك سيجلب المزيد من الثقة والأمل والفرص للعلاقات الصينية - الكويتية، ولتنمية دول العالم بما في ذلك دولة الكويت.
تحرص الصين على العمل مع الكويت معاً لخلق مستقبل أكثر إشراقاً للعلاقات الثنائية، وأتمنى لزيارة سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح للصين، أن تكلل بالنجاح الباهر، والتي ستسطر تالياً فصلاً جديداً في سجل الشراكة الاستراتيجية بين البلدين الصديقين.
• سفير جمهورية الصين الشعبية لدى الكويت