كتب ناصر المحيسن - الكويت في الأربعاء 13 نوفمبر 2024 08:24 مساءً - قضت المحكمة الدستورية، برئاسة المستشار عادل البحوه، برفض 3 طعون مباشر مقامة من رئيس وأعضاء الجمعية العامة لغرفة التجارة والصناعة، ومديري شركات، بعدم دستورية القانون 122 /2023 في شأن غرفة تجارة وصناعة الكويت.
وذكرت المحكمة، في الحيثيات، أن القانون المطعون فيه، صدر بقصد وضع تنظيم قانوني متكامل لهذه الغرفة بعد انقضاء أكثر من 60 عاماً على إنشائها، ارتأى المشرع فيه اعتبارها مؤسسة لا تهدف إلى تحقيق الربح تتمتع بالشخصية الاعتبارية، وأفرد القواعد التي تنظمها من حيث اختصاصاتها وتكوينها وكيفية إدارتها وأحكام جمعيتها العامة ومجلس إدارتها وأموالها، ونظراً لاتصال عملها واختصاصاتها بالنشاط الاقتصادي للدولة، فقد عمل المشرع على الموازنة بين حق الأفراد المنتسبين إلى الغرفة في إدارتها، وحق الدولة في الإشراف والرقابة عليها للتحقق من سلامة أعمالها ونشاطها، والوقوف على مدى مطابقة هذه الأعمال وذلك النشاط للتشريعات والنظم المقررة في هذا الشأن، فأخضعها لإشراف الوزير المختص وحدد الأوجه التي تتطلب هذا الإشراف، فاستلزم موافقته على بعض التصرفات والقرارات التي تصدر منها والتي تتمثل في بيع أو رهن أو شراء الأموال غير المنقولة وقبول الهبات أو التبرعات المقدمة لها، والتظلم إليه من رفض قبول طلب الانتساب إلى الغرفة، وحضور جمعيتها العامة كمراقب أو توجيه الدعوة لانعقاد الجمعية العامة غير العادية، إذا لم يقم مجلس الإدارة بذلك ورئاسة ممثل الوزارة الجمعية في هذه الحالة، والإشراف على انتخابات مجلس إدارتها، والموافقة على لائحتها التنفيذية، الأمر الذي يبين منه أن هذا الإشراف إنما قصد به تحقيق المصلحة العامة بإخضاع الغرفة لرقابة الدولة، ووضع تنظيم تشريعي جديد يتفق مع هذا الاتجاه.
لا إخلال
وأضافت المحكمة أنه يكون واجباً حمل النصوص المتضمنة لذلك على قرينة الدستورية بتفسيرها، بما لا يخل بالطبيعة القانونية للغرفة واستقلالها، وكونها من أشخاص القانون الخاص، تدار بمعرفة جمعيتها العامة ومجلس إدارتها وفقاً لأحكام القانون، فلا يكون ذلك الإشراف تسلطاً عليها أو تدخلاً في شؤونها بما يعوقها عن ممارسة نشاطها، ولا أن تفرض الدولة وصاية تحكمية عليها وتخضعها لتبعيتها أو أن تحل محلها فيما تصدره من قرارات، وإنما يكون تدخلها بالقدر الذي يمنع أي تجاوز منها رعاية لمصلحة المجتمع وحمايته، وفي حدود ما يقرره القانون وبالقدر الوارد بنصوصه دون أن يتجاوز ذلك. فضلاً عن أن النص على إشراف الوزير على شؤون الغرفة لا يتعارض مع ما تقرره المادة (130) من الدستور من أن الوزير يتولى الإشراف على شؤون وزارته، ذلك أن اختصاصات الوزير وإن كانت يستمدها في الأصل من المرسوم المتعلق بتنظيم وزارته وتحديد اختصاصاتها، إلا أنه ليس هناك ما يمنع من أن يسند إليه المشرع اختصاصات أخرى لم تكن داخلة أصلاً في الأعمال الأساسية لوزارته للاضطلاع بها، فتكون له سلطة مباشرتها في حدود الصلاحيات والاختصاصات التي منحها له المشرع دون أن يعد ذلك إخلالاً بالمادة (130) من الدستور.
رأي مردود
ورأت المحكمة أن النعي على نص البند (1) من المادة (7) من القانون، بأنه يتعارض مع حرية الرأي المكفولة بالمادتين 36 و37 من الدستور، بحرمان الغرفة من حقها في إبداء رأيها دون طلب من أحد، فهو مردود، ذلك أن النص المشار إليه قد جعل من مهام واختصاصات الغرفة أن تبدي رأيها الاستشاري في الخطط التنموية والسياسات والبرامج ذات الصلة بتنظيم وتنشيط القطاعات الاقتصادية المختلفة وتقديم الدراسات والمقترحات في الشؤون الاقتصادية متى طلب منها ذلك، بما مؤداه أنه قد وضع على عاتق الغرفة مهمة أساسية تدخل في نطاق اختصاصاتها بأن تبدي رأيها في الأمور سالفة البيان عندما يطلب منها ذلك كاختصاص أصيل لها، لكنه لم يمنعها من إبداء ما تراه من آراء في كل الأمور التي تتصل بنشاطها، فلم يحظر عليها ذلك بنص صريح أو يفرض عقوبة عليها إذا قامت به، بل إن النص لم يمنعها من مخاطبة السلطات العامة بما تراه من آراء متعلقة بنشاطها، التزاماً بحكم المادة (45) من الدستور التي كفلت للأفراد والأشخاص المعنوية الحق في مخاطبة السلطات العامة، فضلاً عن المادة (36) منه التي جعلت لكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، فلا يجوز أن يفرض على أحد صمت بقوة القانون، ومادام أن النص المطعون فيه لم يتضمن حظراً عليه في إبداء رأيه فإنه لا يكون فيه ما يتعارض مع حرية الرأي التي كفلها الدستور بالمادتين سالفتي البيان.
دراسة مقارنة
واستطردت المحكمة بأنه كان الواضح من نصوص القانون المطعون فيه، ومن تقرير لجنة الشؤون المالية والاقتصادية بخصوص مشروع القانون، أن التنظيم الذي اختاره المشرع لغرفة التجارة جاء بعد دراسة القوانين المقارنة في الدول المجاورة، من ناحية الطبيعة القانونية لها وتحديد نطاق اختصاصاتها ودورها في الحياة الاقتصادية وكيفية الانتساب لها، وارتأى المشرع في حدود سلطته التقديرية التي خوله الدستور إياها أن يكون تنظيمها وفقاً للنصوص التي أوردها في هذا القانون، والتي جاءت متسمة بالعمومية والتجريد يتساوى أمامها كل من يخضع لأحكامها، فلم تحرم أحداً من حقه في الانتساب إلى الغرفة أو الترشيح لعضوية مجلس إدارتها كما لم تقص أحداً منها مادام قد توافرت فيه الشروط التي تطلبتها، فإنه لا يكون بذلك قد خرج عن الضوابط التي حددها الدستور ولا شأن للمحكمة بعد ذلك بما قد يعتري نصوص القانون من قصور أو مثالب ولا بما يترتب على تطبيقه من آثار لانحسار ذلك عن رقابتها، وأنها لا تتجاوز وظيفتها القضائية بمعاييرها وضوابطها إلى وظيفة التشريع.
تجرّد وحيادية
وخلصت المحكمة إلى أنه لا يغير مما تقدم النعي على ما تضمنته المادة (38) من القانون من تشكيل لجنة انتقالية برئاسة الوزير أو من يفوضه تتولى أعمال مجلس الإدارة لحين انتخاب مجلس إدارة جديد، بما يعد عزلاً لمجلس الإدارة القائم قبل انتهاء مدته ودون إرادة الجمعية العامة، ذلك أنه لما كان القانون المطعون فيه قد وضع نظاماً جديداً لغرفة التجارة والصناعة، فجعلها مؤسسة أهلية وجعل الانتساب إليها اختيارياً، فإن مؤدى ذلك أن ينضم إليها من يشاء ممن توافرت فيه الشروط التي تطلبها القانون، وأن ينسحب منها من يشاء ممن كان منتسباً إليها إذا رغب في ذلك، ويؤلف المنتسبون إليها بعد ذلك جمعية عامة جديدة يحق لها اختيار من يمثلها في مجلس الإدارة، ويكون ما تضمنه النص المطعون فيه من حكم انتقالي بتشكيل لجنة موقتة تتولى إدارة الغرفة حتى يتم انتخاب مجلس إدارة جديد، يمثل الجمعية العامة، وتشرف على إجراء هذه الانتخابات ضماناً للتجرد والحيدة، لا يمثل اعتداء على إرادة الجمعية العامة أو مخالفة لأحكام الدستور.
اختصاص المحكمة... «دستورية» القانون دون البحث بملاءمة التشريع أو في النوايا
ردت المحكمة على القول بأن إصدار المشرع لهذا القانون لم يُقصد به تحقيق المصلحة العامة وإنما هدم كيان الغرفة القائمة وأنه يمثل بذلك انحرافاً تشريعياً، مستدلاً على ذلك بعبارات صدرت عن بعض أعضاء مجلس الأمة في ذلك الوقت، مشيرة إلى أن هذا الوجه من النعي مردود، بما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة، من أن رقابتها القضائية على دستورية التشريعات هي رقابة ذات طابع قانوني مجرد، تقتصر على المسائل الدستورية وينحصر مجالها في التحقق من مطابقة أو عدم مطابقة التشريع لنص في الدستور دون تجاوز لظاهر التشريع، ولا تمتد هذه الرقابة إلى البحث عن مدى ملاءمة التشريع أو عدم ملاءمته والتي تعتبر من أخص مظاهر السلطة التقديرية للمشرع، كما لا تستطيل تلك الرقابة إلى البحث والتنقيب عن النوايا والبواعث التي عساها أن تكون قد دفعت السلطة التشريعية إلى إقراره بالصيغة التي صدر بها.
تكوين الجمعيات وإدارتها... سلطة تقديرية للمُشرّع بلا قيد
ردت المحكمة على الطعن بإشراف الوزير على الغرفة، وأن ذلك مساس بشخصيتها وانتقاص من طبيعتها المستقلة واعتداء على حقها في الخصوصية، مؤكدة أن هذا النعي مردود لأن النص في المادة (43) من الدستور على أن «حرية» تكوين الجمعيات والنقابات على أسس وطنية وبوسائل سلمية مكفولة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، ولا يجوز إجبار أحد على الانضمام إلى أي جمعية أو نقابة، يدل على أن الدستور قد حرص على تأكيد كفالة حق الأفراد في تكوين الجمعيات وإدارتها، وعهد إلى القانون بتنظيم استعماله، دالاً بذلك على أهمية هذا الحق، مما لا يجوز المساس به دون مسوغ أو النيل منه بغير مقتضى، إلا أن تنظيم استعمال هذا الحق كغيره من الحقوق التي كفلها الدستور يدخل في السلطة التقديرية للمشرع دون قيد عليه في ذلك إلا إذا كان الدستور قد فرض عليه في شأن ممارسته لهذه السلطة ضوابط محددة أو قيوداً لا ينبغي تجاوزها.
اللجنة الانتقالية... وضع موقت لا ينبغي أن يستطيل
رأت المحكمة أن تشكيل اللجنة الانتقالية هو وضع موقت بطبيعته لا ينبغي أن يستمر إلى غير حد، ولا يجوز أن يستطيل أمده طويلاً بما يخل بحق الجمعية العامة الجديدة في مباشرة اختصاصها بانتخاب مجلس إدارة جديد، أو يقيدها بقيود تفقدها استقلالها الذي هو أساس وجودها ومبرر قيامها. كما جاء النص في المادة (39) من القانون بحلول الغرفة المنشأة بموجب أحكامه محل الغرفة القائمة في كافة الأصول والحقوق والالتزامات المادية والمعنوية، أمراً منطقياً مترتباً على ما سلف من أحكام، وحتى يتسنى للغرفة الاستمرار في أداء دورها دون انقطاع، متى كان ما تقدم، فإن المطاعن جميعها الموجهة إلى نصوص القانون المطعون فيه بعدم الدستورية تضحي قائمة على غير أساس سديد، بما يتعين معه القضاء برفض الطعن.