الدراما السورية 2024: الحصار من ورائها… وتركيا من أمامها!

بيروت - ايمان الباجي - تواجه صناعة الأعمال السورية الدرامية تحديات كبيرة بسبب انتشار موجة المسلسلات التركية المدبلجة، التي أثرت سلباً على إنتاج الأعمال السورية في ظل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة. تناقش هذه الظاهرة القائمة التي تعكس تأثير الدراما التركية المأخوذة عن الحب وصراعات رجال الأعمال على إنتاج الأعمال الدرامية السورية.

Advertisements

بدأت هذه الظاهرة مع تدبير الشركات السورية موجة من المسلسلات التركية المدبلجة مثل “سنوات الضياع” و”نور”، ولقيت هذه الموجة تفاعلًا كبيرًا من الجمهور، إلا أنها أثرت فيما بعد على تنوع وجودة الدراما السورية المحلية. حيث أنتقد المنتقون هذه الموضة لأنها أدت إلى فقدان الدراما المحلية لمضامينها ولهجتها، وركزت على قصص حب بسيطة وصراعات رجال أعمال غير واقعية وقصص بوليسية لا تتلاءم مع الواقع العربي.

رغم ذلك، لاحظ اهتمامًا مستمرًا بالدراما السورية نتيجة تركيزها على قضايا الحياة اليومية للمواطن العربي ومواجهتها لقضايا كبرى. ومع ذلك، تظل المسلسلات التركية المدبلجة تحتل مساحة واسعة من الفضاء العربي وتحقق نجاحًا كبيرًا. وتطورت هذه الموضة إلى تعريب الأعمال الأجنبية وتصويرها في الوطن العربي، وجذبت نجومًا عربًا بأجور مرتفعة.

ومع ذلك، يُشير البعض إلى أن هذه الأعمال السطحية والكليشيه تجذب الجمهور، ولكنها تسهم أيضًا في تراجع صناعة الدراما السورية. تشير بعض المصادر إلى أن الظروف الاقتصادية الصعبة وتداعيات الأزمة الاقتصادية أثرت على قدرة المنتجين على تمويل الأعمال الدرامية الجديدة. أيضًا، قد يكون السفر للعمل في المسلسلات التركية المعرّبة في تركيا هو عامل آخر يؤثر على تناقص الإنتاج السوري المحلي، حيث تقدم هذه المسلسلات أجورًا جذابة للفنانين وتوفر إقامات مريحة.

باختصار، تعاني صناعة الدراما السورية من تحديات كبيرة بسبب انتشار المسلسلات التركية المدبلجة وتأثيرها على الإنتاج المحلي، إلى جانب الظروف الاقتصادية الصعبة. تظل المسلسلات السورية تحاول التمسك بمكانتها من خلال التركيز على قضايا الحياة اليومية وتقديم محتوى أصيل يتماشى مع واقع الجمهور العربي.

رزان جمّال في لقطة من مسلسل “الثمن”

ويضيف: “لنلخص الوضع باستخدام الأرقام وبأسلوب مبسط. إذا كانت تكلفة الإنتاج 10 ليرات على سبيل المثال، وأحصيت عائدات قدرها ليرة واحدة فقط من عملي، لكنني بعدها بيعته لعشر محطات، سيتوجب عليّ تجميع رأس المال. ولكن إذا كانت تكلفة منتجي الأعمال 300 ليرة وتعثرت في بيعه، فإن المسؤولية تقع أولاً على شركات الإنتاج التي لا تفهم طبيعة السوق ولا تقرأ الوضع بشكل صحيح، ولا تهتم إلا بدوران الكاميرا.” ويضيف الجاجة: “المشكلة الثالثة تكمن في أجور النجوم التي تطلب أرقامًا فلكية غير متناسبة مع الوضع السوقي. كيف يمكن أن يكون مطلوبًا من ممثل أن يحصل على مليار ليرة سورية لأداء دور في مسلسل محلي؟ نحن كمنتجين لا نملك دعمًا تجاريًا ضخمًا كـ “رعاة رسميين”، وليس لدينا بنوك كبيرة تقوم بتوقيع عقود رعاية. كما أنه ليس هناك شركات اتصالات مهتمة بالإعلان باستخدام اسم هذا الممثل وتتحمل تكاليف أجوره. لدينا سوق عرض محدود ومحطات تلفزيون ومعلنون لا يشجعون المنافسة على أعمالنا.” ويختم قائلاً: “بالتالي، يتحمل النجم الذي يبالغ في أجره دون أن يدرك قيمته الواقعية على أرض الواقع جزءًا كبيرًا من الضعف في الرؤية والتهديد الذي يطال صناعتنا.”

تراجع إنتاج المسلسلات السورية في الوقت الحالي

فيما يتعلق بالتحديات التي يواجهها المنتجون حاليًا، يشير الجاجة إلى أهمية أن يكون المنتج السوري “متماسكًا وملتزمًا بشروط السوق. إذا لم يكن كذلك، سيجد نفسه خارج منافسات اللعبة. لن يكون مستعدًا لتقديم هدايا أو دفع رشاوى، ولا يمكنه بناء علاقات بشكل مثالي للتعامل مع الوضع. بالإضافة إلى النجوم، نواجه طلبات غير واقعية حتى من بعض المخرجين… ومع تقلص المساحة المتاحة للأعمال ذات المستوى المتوسط من حيث التكاليف وغيرها، يجد المنتج نفسه يواجه تكاليف ضخمة، بما في ذلك تكاليف الإعاشة والنقل والإقامة، وسط موجة متزايدة من التضخم.”

الأمور لا تتوقف عند هذا الحد فحسب، بل تتجاوزه بسبب واقع أخر أساسي، وهو انتشار الأعمال التركية التي جذبت عددًا كبيرًا من الممثلين والفنيين. ومع هذه الظروف، تقوم “أفاميا” بالتحضير لمجموعة من الأعمال تحت مظلة شركة “قبنض”، مؤكدة أنها ما زالت تشعر بالحماسة رغم التحديات. وتقول الجاجة: “التحديات كبيرة ولكن الشغف لا يزال حاضرًا. كان علينا تنسيق الجهود للانخراط في مجموعة من الأعمال الكبيرة التي تقدم كل متطلبات التسويق، بالتعاون مع فريق من النجوم المميزين يتناغمون مع سمعة الدراما السورية في أيام ذهبها الذهبي.”

 

الدراما السورية كانت في السابق تسلط الضوء على جرائم الاحتلال العثماني من خلال أعمال مثل “إخوة التراب” بقلم حسن م. يوسف وإخراج نجدت أنزور. ولكنها تطوّرت لتتعامل مع هذا الاحتلال بطريقة مختلفة ومتأنية، على سبيل المثال في مسلسل “سقوط الخلافة” الذي كتبه يسري الجندي وأخرجه محمد عزيزية. في هذا المسلسل، تم تجسيد دور السلطان عبد الحميد بواسطة النجم السوري عباس النوري، بينما شارك مجموعة من الممثلين المصريين والسوريين والعراقيين مثل أسعد فضة، وأحمد راتب، وريم علي، وباسم قهار، وغيرهم. تميّز ذلك الوقت بالتصريحات الاعتزازية بمسلسل “ينصف الأتراك”، الذي يقدم قراءة مختلفة للتاريخ ويسعى إلى تصحيح صورة تركيا. يأتي ذلك بسبب تبني تركيا، تحت قيادة رجب طيب إردوغان في تلك الفترة، مواقف مشرّفة تجاه القضية الفلسطينية، مما أثار استياء إسرائيل. لذا، اعتُبر من المفيد أن تقدم الدراما العربية عملًا تاريخيًا يساعد في تصحيح الصورة المشوهة للإمبراطورية العثمانية ويساهم في إعادة تقديرها. تم التأكيد أن مثل هذا العمل يكشف الجانب الحقيقي للسلطان عبد الحميد، ويعتبره نموذجًا لامعًا في تاريخ الخلافة العثمانية، على الرغم من اتهاماته التاريخية بارتكاب مجازر ضد الأرمن ولقبه “السلطان الأحمر”.

ثم انتقلت هذه الأصوات إلى دعم فكرة إنشاء سلسلة من الأعمال التي تصحح التصوّرات الخاطئة حول الأتراك. ويبدو أن التصوّرات السياسية تبرّر تحريف الأحداث التاريخية وتقديم الشخصيات بشكل ممجّد وبلمحة من القداسة كجزء من التعبير عن الامتنان.

مشاريع في مرحلة التصوير: حكايات معاصرة من أعماق المجتمع
بالرغم من كل التحديات التي واجهتها، تستمر الدراما السورية المحلية في الاستمرار في هذه الفترة الصعبة. وحتى بعد مرور ما يقارب أربعة أشهر على انتهاء موسم رمضان، تم تصوير مسلسل واحد في سوريا يحمل عنوان “عقد إلحاق”، وهو مسلسل قصير مؤلف من 12 حلقة من تأليف أحمد أبو شقير ودعاء حرون وهدى بيرقدار، وإخراج ورد حيدر. يسلط هذا العمل الضوء على حياة الأطفال الأيتام ومجهولي النسب، ويسلط الضوء على قصصهم المأساوية وواقعهم وكيفية نظر المجتمع إليهم. وقد عُمِلَ على إحاطة الحكاية بالسرية المطلقة حتى يتم عرضها على الشاشة.

في الأثناء، أعلنت شركة “غولدن لاين” عن خططها لإنتاج الجزء الثاني من مسلسل “العربجي”، وهو مسلسل كتبه عثمان جحى ومؤيد النابلسي، وتولى إخراجه سيف السبيعي. كما يتواصل الكاتبان في مسلسل جديد بعنوان “الحريقة”، والذي سيتولى إخراجه سيف الشيخ نجيب، وسيتم بطولته بواسطة سلّوم حداد وباسم ياخور. يتناول هذا المسلسل قصة حقبة حديثة من المجتمع السوري، تركز على قطاع التجار الذين تورطوا في تعويض الأسعار ودعم السلطة خلال فترة الاحتجاجات والصراعات. يستعرض المسلسل قصة “أيوب” الذي يتعامل مع تحديات خطيرة في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشها بسبب تدهور البلاد. يتواجه “أيوب” مع “عربي”، ابن أخيه وشخصية مؤثرة في السوق. تقدم هذه الحكاية زاوية غير مسبوقة، وتعرض جوانب معقدة لم تسبق الكشف عنها من قبل. يمكن أن يكون هذا المسلسل دراسة جريئة تستكشف مجالات جديدة، بالإضافة إلى تقديم ترفيه وتشويق من خلال الصراعات والأحداث المتصاعدة. بالإضافة إلى ذلك، تستعد شركة “قبنض” لإنتاج مسلسل “صديقات”، مسلسل اجتماعي معاصر يجمع مجموعة من نجمات الدراما السورية، ويروي قصة واقعية تتعامل مع قضايا حياتية معاصرة.

 

الأخبار

أخبار متعلقة :