حال الإمارات

الإمارات والهند.. علاقات ثقافية وثيقة ممتدة عبر الأجيال

الإمارات والهند.. علاقات ثقافية وثيقة ممتدة عبر الأجيال


ابوظبي - ياسر ابراهيم - الاثنين 7 أبريل 2025 09:58 مساءً - تأتي زيارة سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس المجلس التنفيذي لإمارة دبي، إلى جمهورية الهند، في إطار تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وفتح آفاق جديدة للتعاون في مختلف المجالات، وامتداداً لشراكة تاريخية متجذرة في عمق الزمن، وفي هذا السياق، التقت «حال الخليج» المؤرخ والأكاديمي الدكتور حمد بن صراي، الذي قدّم قراءة تاريخية معمقة للعلاقات التي جمعت بين منطقة الخليج العربي وشبه القارة الهندية، مؤكداً أن التبادل الحضاري والتجاري والثقافي بين الخليج العربي والهند ممتد منذ آلاف السنين، وأن مبدعي وتجار الإمارات والخليج العربي على تفاعلٍ إيجابيّ مع المجتمع الهندي.

تواصل حضاري

وقال الدكتور حمد بن صراي: «إن الصلات بين عموم بلدان الخليج العربية والهند تعود إلى أزمان مغرقة في القِدم ممّا شكّل تواصلاً حضاريّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً قويّاً، وجعل من تلك العلاقات تزداد متانة عَبر التاريخ. وفي العصر الحديث، وتحديداً من أواخر القرن التاسع عشر وإلى العقد الستين من القرن العشرين حيث تشكّل لتلك الصلات دلائل مادّيّة وكتابيّة واضحة تشير في نهاية المطاف إلى عمق الحضور الخليجي العربي في مدن الهند الكبرى وبالذّات مدينة التجارة والأعمال بومباي. وأقام بالتالي فيها عدد من التجّار من كافّة بلدان الخليج العربية، كما كانت موئلاً لعددٍ من السياسيين الذين اتخذوها مقرّاً للسكنى والإقامة حتى نهايات حيواتهم».

التاريخ القديم

وأوضح أنه منذ حوالي الألف الثالث قبل الميلاد وبدايات الألف الثاني قبل الميلاد لعبت منطقة الخليج العربي دوراً كبيراً في التجارة الإقليمية والعالمية بين حوض نهر السند وبلاد الرافدين. وفي تلك الفترة أشارت النصوص المسمارية الرافدية إلى دولتين أو حضارتين خليجيتين هما دِلمون وماجان، فالأولى كانت تضمّ جزر البحرين وفيلكة وتاروت والساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية إضافة إلى الجزر الواقعة بالقرب من الساحل. وأمّا ماجان فكانت تضمّ جنوب شرقيّ شبه الجزيرة العربية الذي تحتلّ منه أراضي الإمارات جزءاً كبيراً. وتشير النصوص المسمارية إلى تجارة نشطة بين مدن بلاد الرافدين ودِلمون وماجان.

وأضاف: «منذ تلك الحقبة أصبح الخليج العربي طريقاً اقتصاديّاً مهمّاً يربط بين مدن جنوبي بلاد الرافدين ودِلمون وماجان من جهة وبين حضارة حوض نهر السند المعروفة باسم ملوخا أو ملوحا من جهة أخرى كما تدلّ على ذلك النصوص والكتابات المسمارية. وقد ضمّت ملوخا أراضي واسعة من شبه القارة الهندية تشمل حوض نهر السند بأكمله وشمالي أفغانستان إضافة إلى مناطق كبيرة من شمال غربي الهند، وشبه جزيرة الكوجرات. وكان لها ارتباط بالبحر والملاحة والتواصل مع العالَم الخارجي. ويعد موقع لوثال (Lothal) أهم الموانئ المعروفة والمكتشفة حالياً. وتبعد لوثال بحوالي 400 كم إلى الشمال من مومباي على الساحل».

استمرار وتواصل

وتابع: «مما لا شكّ فيه فإنّ هذه العلاقات القديمة المتواصلة بين منطقة الخليج العربي وشبه القارة الهندية كانت الأساس الذي بُنيت عليه العلاقات بين المنطقتين في العصور اللاحقة. واستمرّ الأمر حتى القرون الثلاثة السابقة للميلاد وما بعدها إلى القرن السابع الميلادي حيث ترسّختْ العلاقات وازدادت ازدهاراً.

وكثر وجود السلع الهندية في الأسواق العربية قبل الإسلام مما يدلّ على تواصل هذه الأسواق مع الهند، بل إنّ بعض هذه الأسواق تكاد تكون أسواقاً خاصة بالسلع الهندية وقد كان لجلفار أهمية استراتيجية في منطقة الخليج العربي بحكم موقعها القريب من مضيق هرمز وسوقاً للمستوردات من الهند وغيرها من البلدان من آلات الصيدلة والعطور والمسك والزعفران والعاج واليواقيت وغيرها من المنتجات الهندية.

كما كانت جلفار تشكّل بورصة تجارية إذ كانت تجتمع فيها تحف الهند لتوزّع في بلاد العرب. كما اشتهرت بمنتجاتها الزراعية والحيوانية ونشاطاتها التجارية. وكان يأتيها تجار الهند ومن العديد من المناطق للمتاجرة فيها».

وأردف: كما استفادت دبا من موقعها على بحر عُمان للاتصال بشبه القارة الهندية، لتصل إليها منتجات الهند، لذا توافد إليها الناس من كلّ مكان للتجارة. ونشأت فيها سوق من أسواق العرب قبل الإسلام تقوم في آخر يوم من شهر رجب. وكان يلتقي فيها التجّار. ولهذا وُصفت بأنها هي السوق العظمى.

وأشار إلى أنه في العصر الحديث، وتحديداً من أواخر القرن التاسع عشر وإلى العقد الستين من القرن العشرين تشكّل لتلك الصلات دلائل مادّيّة وكتابيّة واضحة تشير في نهاية المطاف إلى عمق الحضور الخليجي العربي في مدن الهند الكبرى وبالذّات مدينة التجارة والأعمال بومباي، مضيفاً: أقام فيها عدد من التجّار من كافّة بلدان الخليج العربية، كما كانت موئلاً لعددٍ من السياسيين الذين اتخذوها مقرّاً للسكنى والإقامة حتى نهايات حيواتهم.

ولفت إلى أن تجّار الإمارات والخليج العربي على تفاعلٍ إيجابيّ مع المجتمع الهندي، وهم الذين وضعوا أُسس الروابط التجارية بين الخليج وبومباي في العصر الحديث، لافتاً إلى أن هؤلاء التجّار والزائرين يحبّون بومباي، بل قام بعضهم بتأليف أشعار جميلة عن المجتمع العربي الصغير هناك.
وأضاف: وخلال زيارتنا لبومباي من نهاية ديسمبر 2024 إلى 10 يناير 2025 تتبّعنا خطواتهم وزرنا أغلب الأماكن التي عاشوا فيها؛ وتجوّلنا في الشوارع التي كانوا يقومون بأعمالهم التجارية فيها، وحتى إنهم كانوا يجلسون في مطعمهم الشرقي الشهير.

علاوة على ذلك، قمنا بزيارة المقبرة الصغيرة التي تحتوي على قبور الشخصيات العربية الرائدة التي عاشت وماتت في بومباي، بمن في ذلك السلطان تيمور بن فيصل من سلطنة عُمان، والحاج محمد علي زينل، «ملك اللؤلؤ»، من جدّة. ولم يتم نسيان هذه العائلات، ومن خلال استكشافها في الأرشيف، ومن خلال المقابلات والزيارات إلى الأماكن والهندسة المعمارية المرتبطة بعائلات التجّار والمقيمين الخليجيين.

وتابع كان يوجد فندقان كبيران أقام فيهما التجار والزائرون القادمون من الخليج خلال العقود السبعة الأولى من القرن العشرين. وأصبحا معروفين كعنوان لاتصالاتهم، واجتماعاتهم، وعقد الصفقات، وسكنهم. وكان أشهرها: فندق المدينة ومسافر خانه. وكلا الفندقين مكتوب باللغة العربية حيث إن كلمة Madinah تعني المدينة المنورة.

جولات ميدانية

وأوضح الدكتور ابن صراي أنه من خلال جولاته الميدانية في سوق التجّار الرئيس في بومباي، وجد أن هناك سوقين كبيرين كانا نشطين للغاية ومزدحمين بتجار اللؤلؤ من أماكن مختلفة. الأول كان سوق موتي. وكان في الواقع السوق الرئيس المتخصّص في اللؤلؤ فقط. وكان سوق موتي بازاراً يحتوي على محال الذهب، وأنواع أخرى من الأحجار الكريمة.

وكان أصحاب تلك المحال من التجار الهنود البانيان الذين احتكروا الكثير من التجارة. ومع ذلك، فإن بعض العرب من الخليج أصبحوا على دراية بتجارة اللؤلؤ، وبالتالي كان لديهم مكاتب ومصانع خاصة بهم منفصلة عن البانيان، وكانوا قادرين على التصدير مباشرة إلى باريس ولندن.

واستطرد: كما تزايدت أعداد المجتمع العربي إلى درجة أنهم أنشأوا جمعياتهم ووجهاتهم الخاصة منها: جمعية المجتمع الهندي العربي، وقد نشأت كمؤسّسة اجتماعية مشتركة في عام 1954 من قِبل العرب والهنود الذين كانت لهم علاقات مع العالَم العربي وكانوا أصدقاء للعرب.

وكانت الجمعية بمثابة مركز للعرب المقيمين في بومباي. وتم استخدامها كمنتدى للمؤتمرات والأنشطة الاجتماعية ومكان حيث يمكن للوافد الجديد أن يجد المساعدة. والأهم من ذلك، أن الجمعية أصبحت أداة للدعم السياسي للقضايا العربية. والمطعم المركزي الذي نشأ خلال الحرب العالمية الأولى كمطعم يقدم الأطباق التي يفضّلها الأشخاص القادمون من مختلف المدن العربية لتناول وجباتهم والاستماع إلى الأخبار العربية. وكان أيضاً مكاناً يمكنك فيه مقابلة أصدقائك بعد يوم عمل طويل.

كما تحدث الدكتور عن الجالية الخليجية التي أنشأت عدة مشاريع مثل مدرسة الكويت في بومباي، حيث أنشأتْها حكومة الكويت عام 1952.

وأصبحت بمثابة نادٍ للجالية العربية حيث كانوا يجتمعون في المساء للمناقشة وتبادل المعلومات وقراءة الصحف من المنزل. وساهمت المدرسة في الحفاظ على الثقافة العربية، وتوفير التعليم للبنين والبنات العرب المقيمين في بومباي.

مكتبة بومباي العربية

وأشار إلى أن الكتب العربية والمقالات والصور والمواد العربية المطبوعة كانت متاحة في مكتبة عربية أدارها رجل مصريّ عاش في بومباي منذ الربع الأول من القرن العشرين. وقد احتوت المكتبة العربية على مجلدات من الكتب العربية التي طبعت إما في حيدر أباد، أو بومباي، أو من الدول العربية، لافتاً إلى أن العديد من تجّار الخليج اكتسبوا خبراتهم من العمل في بومباي ولعبوا دوراً مهماً في البداية في تطوير تجارة اللؤلؤ، زمان رواج تلك التجارة، مضيفاً: ومن أشهر تجار اللؤلؤ الوجيه الكويتي جاسم بن محمد الإبراهيم، المتوفّى عام 1956، والحاج محمد علي زينل المتوفّى عام 1969. وكلاهما مدفون في المقبرة العربية في بومباي، وكانا من النماذج الرائدة للتجّار والأثرياء العرب، ومن أشهر مَن أقام في بومباي الوجيه محمد بن عبيد النابودة أحد تجّار اللؤلؤ المعروفين، وهو من الشارقة.

وأشار إلى أن أرشيف ولاية Maharashtra في بومباي في ما بين عامَي 1900 و1947 يضم عشرات الملفّات العائدة لزائرين خليجيين من إمارات الساحل والبحرين والسعودية والكويت تحصّلوا عليها من السلطات البريطانية، وكان كلّ ملفّ يحتوي على رقم، وعلى غلافه اسم الشخص، وبلده، وتاريخ منحه للتأشيرة.

واختتم حديثه: ومن بين ثنايا الأوراق اسم الشركة التي تعامل معها هذا الشخص، وهي على الأغلب شركات عربية، وهذا واضح من ترويسة الرسائل، كما يتضمّن الملفّ كلّ المراسلات التي تمّت مع الشركة ومع هذا الشخص. وفي نهاية الملفّ بطاقة تتضمّن إشارات تشبه حُسن السيرة والسلوك. ومن الجدير بالذِّكر أنّه تُحدّد مدّة الزيارة ربما بثلاثة شهور أو أقلّ حسب المهمّة. وبلا شكّ فإنّ في هذه الملفّات معلومات قيّمة عن التجارة والتعامل الاقتصادي والسلع والبضائع ووجهات التجارة، وإدارة الأعمال في بومباي ما يعكس العلاقة الوثيقة بين الهند والخليج وخصوصاً الإمارات.

Advertisements

قد تقرأ أيضا