ابوظبي - ياسر ابراهيم - الاثنين 7 أبريل 2025 09:43 مساءً - تعبّر زيارة سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس المجلس التنفيذي لإمارة دبي، عن عمق العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية الهند، وتجسّد جسراً حضارياً وثقافياً بين شعبين يجمعهما التاريخ، والتقارب الإنساني، والشراكة في التنمية والمعرفة.
وإذا كانت السياسة والاقتصاد يشكلان حجر الأساس في العلاقات الدولية، فإن الثقافة هي القلب النابض الذي يضخ الحياة في هذه العلاقات، ويمنحها طابعاً إنسانياً يتجاوز المصالح إلى الروابط الروحية والفكرية.
لقد كانت الهند على مدى قرون حاضرة في الوجدان الخليجي، كما كانت الإمارات موطناً ثانياً لملايين الهنود الذين أسهموا في مسيرة البناء والتنمية. واليوم، وبينما يتجدد اللقاء بين القيادة الإماراتية والهندية، تبرز الثقافة كقوة ناعمة تعزز هذا التقارب، وتفتح آفاقاً أرحب للحوار والتفاهم، سواء عبر الأدب، أو الموسيقى، أو السينما، أو الترجمة، أو التبادل الأكاديمي.
وانطلاقاً من أهمية هذا التلاقي الحضاري والثقافي المتجدد، أكد مجموعة من الشعراء والمثقفين من الإمارات والهند أن البلدين تجمعهما علاقات تاريخية عميقة وشراكة حضارية وثقافية، مشيرين إلى أن الأدب والفنون في الإمارات والهند يعززان تقارب الشعوب.
وفي هذا السياق، قال الشاعر الدكتور شهاب غانم، وهو أول عربي يحصل على جائزة طاغور للسلام العالمية خلال حفل توزيع الجوائز الذي عقد في قاعة حفل الجمعية في مدينة كالكوتا في الهند: «العلاقات التاريخية بين الهند والخليج وجزيرة العرب قديمة وتعود لما قبل الإسلام، وكانت تجارية، ومما كان يُستورد من الهند التوابل والسيوف، ويكثر ذكر المهند والهندواني في الشعر الجاهلي».
وأشار شهاب غانم إلى أن البخور والعود كانا يُستوردان من الهند عن طريق الخليج.
وأضاف: «واليوم نرى في الإمارات أكثر من مئتي جنسية تنصهر في وئام، والعدد الأكبر بينها من الهند. وفي زماننا هذا تُعدّ العلاقات الثقافية وعلاقات القوى الناعمة ذات أهمية بالغة لتقوية أواصر التفاهم والصداقة، ما يعود بالنفع على الجانبين، فبجانب العلاقات التجارية القوية، مثل تجارة اللؤلؤ الخليجي مع الهند، فقد عمل وتعلم كثير من أبناء الخليج والجزيرة في الهند. ومن الأسماء البارزة التي عملت وتعلمت في الهند: أحمد بن سليم الإماراتي، الذي عمل في إذاعة الهند، وإبراهيم العريض البحريني، الذي تثقف في الهند، ومحمد علي لقمان العدني، الذي درس المحاماة في بومباي».
وأردف شهاب غانم: «أثرت الموسيقى الهندية كثيراً في موسيقى الخليج والجزيرة كما نرى في أغاني جمعة خان الحضرمي والغناء الكويتي وبقية دول الخليج العربي. كما أن السينما الهندية انتشرت في الإمارات وبقية الخليج العربي منذ منتصف القرن العشرين، بجانب الأفلام المصرية والأمريكية، لكن من أهم المشاريع التي هدفت إلى تطوير العلاقات الثقافية: معرض الشارقة الدولي للكتاب، واختيار الإمارات ضيف شرف في معرض الكتاب بدلهي، واختيار الهند ضيف شرف الدورة الـ29 من معرض أبوظبي الدولي للكتاب، ونشر الكثير من الكتب بمختلف اللغات الهندية في معارض كتب الإمارات والمكتبات العامة واستقطاب فنانين من الهند ليحيوا حفلات فنية في الدولة».
واستطرد: «كما لعب مهرجان القلب الشاعري في دبي منذ عام 2012 دوراً كبيراً في الاحتفاء بالأدب الهندي، حيث استضاف كبار شعراء الهند مع شعراء الإمارات والعرب والعالميين، ولا ننسى أيضاً مهرجان طيران الإمارات للآداب الذي يستقطب كتّاباً من الهند مراراً».
واختتم: «قمت بترجمة أكثر من 100 قصيدة هندية ونشرتها في نحو 10 من كتبي، كما استضفت العشرات من الشعراء الهنود في منزلي. وقد كرموني بمنحي أكثر من 25 جائزة وتكريماً، منها جائزة طاغور للسلام في كالكوتا كأول عربي ينالها، وجائزة «شاعر القارات» للثقافة والإنسانية من شناي، وجائزة «ساهيتيا أكاديمي»، وجائزة الجالا مع 4 من أهم الشعراء والأدباء في الهند. كما تُرجم شعري إلى العديد من اللغات الهندية، وأُلّف حول شعري 4 أطروحات دكتوراه في مختلف الجامعات في شمال وجنوب الهند، وغُنيت من كلماتي أكثر من عشر أغنيات».
روابط عميقة
من جانبه، قال الشاعر الإماراتي عادل خزام: «تعد العلاقة الثقافية بين دولة الإمارات والهند واحدة من أعمق الروابط الحضارية في المنطقة، حيث تمتد جذورها إلى أكثر من قرنين، حين كان بعض التجار الإماراتيين والنواخذة يتخذون مجالس لهم في مدينة مومباي، في ملامح مبكرة للتبادل الثقافي والإنساني بين الشعبين. ومع مرور الزمن، لم تتوقف هذه العلاقة عند حدود التجارة، بل اتسعت لتشمل مجالات الفن، والأدب، والموسيقى، والحكمة الشرقية».
وأكد عادل خزام أن السينما الهندية لعبت دوراً محورياً لا يمكن إنكاره في تعزيز وإثراء المشهد الإبداعي في الإمارات، فمنذ سبعينيات القرن الماضي، بدأت أفلام بوليوود تجد في دبي والإمارات مواقع تصوير ساحرة تجمع بين الحداثة والصحراء والتنوع المعماري، ما جعل الدولة محطة مفضلة لصناع السينما في الهند، مشيراً إلى أن هذه الأفلام كانت ولا تزال وسيلة محببة لتعريف الجمهور الإماراتي بثقافة هندية غنية بالتقاليد، وبالألوان، وبالقصص الإنسانية العميقة.
وتابع عادل خزام: «بمرور الوقت، أصبحت الموسيقى الهندية مألوفة لدى الأذن الإماراتية، حتى بات كثير من أبناء الإمارات يتذوقونها بعمق ويتفاعلون مع أنغامها، ورقصاتها التقليدية، حتى أصبحت جزءاً من المشهد الاحتفالي في الدولة. أما في مجال الأدب، فقد تركت الهند أثراً واضحاً في الثقافة العربية، وخصوصاً من خلال فكر الحكمة الشرقية ونصوص الزهد والتأمل الفلسفي. وقد كان للأدب الهندي، وبالأخص أدب الشاعر الكبير رابندراناث طاغور، أثر بالغ، إذ تعرف القارئ العربي من خلال ترجماته إلى رؤى عميقة في التآلف الإنساني والاتصال الروحي بالطبيعة والكون، وهذا الأثر تُوّج عندما فزتُ بجائزة طاغور للشعر، تأكيداً على هذا التقاطع الإبداعي بين البلدين».
وأضاف عادل خزام: «لقد احتضنت الإمارات عدداً كبيراً من الشعراء الهنود الذين عاشوا وكتبوا قصائدهم من وحي إقامتهم في الدولة، وعبّروا في نصوصهم عن تفاعلهم مع المكان والناس والبيئة الثقافية الجديدة. وقد جمع الشاعر والناقد أحمد فرحات هذه التجارب الشعرية في كتابين مهمين، هما «تغذية الشمس»، و«خبز آسيا»، حيث تتجلى الروح المشتركة بين الثقافتين الإماراتية والهندية، وتتقاطع الصور والمعاني في مزيج شعري وإنساني فريد».
واختتم: «على المستوى الشخصي، شاركت في أمسيات أدبية مع شعراء من الهند، وهناك دراسة أكاديمية عن قصائدي قدّمها أحد الأساتذة في جامعة كاليكوت، وتشرفت أيضاً بتقديم 10 شعراء هنود في كتابي «شجرة شعر العالم» بمناسبة معرض إكسبو دبي 2020. إن هذا التأثير والتأثر الثقافي العميق بين الإمارات والهند لا يزال يتسع ويتشعب، ويمضي في مسارات جديدة أكثر روعة ودهشة. إنه تلاقي ثقافتين عريقتين اختارتا أن تتواصلا من خلال الجمال، والفن، والشعر، والحكمة، لتشكّلا معاً نموذجاً ملهماً لما يمكن أن تكون عليه العلاقات الثقافية بين الشعوب».
امتداد تاريخي
من جانبه، أكد الشاعر خالد البدور أن العلاقة بين الإمارات والهند ذات امتداد تاريخي ضارب في القدم، وقال: «العلاقة بيننا وبين الهند أعمق بكثير مما نتصور، فقد بدأت قبل الإسلام من خلال التبادل التجاري، وتعززت في بدايات الدعوة المحمدية، عندما وصل الصحابي الجليل مالك بن دينار إلى الساحل الجنوبي للهند، وبنى أول مسجد في ولاية كيرالا في القرن الأول الهجري، الذي لا تزال تقام فيه الصلاة حتى يومنا هذا».
وتابع: «هذا الامتداد التاريخي تجلى لاحقاً في حركة تجارة نشطة بين موانئ الخليج، مثل دبي والبحرين، ومدن الهند، من خلال التجار من الإمارات وغيرها، وذلك في تجارة اللؤلؤ والخشب والتوابل، وصولاً إلى التفاعل الثقافي والفني الذي ما زلنا نشهده إلى يومنا هذا».
وأشار إلى أن الأدب، والسينما، والموسيقى، من أهم أشكال التبادل الثقافي بين الشعوب، مؤكداً أن الهند، بكل تنوعها، تقدم للعالم نموذجاً غنياً في التعبير الإنساني، مضيفاً: «الثقافة الهندية غنية جداً، وهناك مثقفون هنود مطلعون على الثقافة العربية أكثر من اطلاعنا على ثقافتهم، وهذا ما يدفعنا إلى ضرورة تعزيز التبادل المعرفي من خلال الترجمة، والحفلات الفنية، والأسابيع الثقافية، وغيرها من المبادرات الثقافية التي يتبادل خلالها مبدعو الإمارات والهند التجارب والخبرات».
وتحدث خالد البدور عن تجاربه الشخصية، مشيراً إلى مشاركته في أمسيات شعرية نظمتها جمعيات ثقافية هندية، حيث تُرجمت قصائده إلى اللغة المالايالامية، وشارك إلى جانب شعراء هنود في أمسيات شعرية في أبوظبي ودبي والشارقة، منوهاً بالحضور الهندي الفاعل في معارض الكتب، خصوصاً معرض الشارقة الدولي للكتاب، مؤكداً أن مثل هذه الفعاليات تمثل منصات حقيقية لتعزيز الحوار الثقافي العالمي.
وفي ختام حديثه، شدد البدور على أهمية دعم مبادرات مثل إقامة مبادرات ثقافية مشتركة، وتنظيم أمسيات شعرية وفنية، وتعزيز برامج الترجمة المتبادلة، مضيفاً: «ما يربطنا بالهند ليس فقط الماضي، بل الحاضر والمستقبل أيضاً، وهذه العلاقة تستحق أن تُصان وتتغذى بالفن والمعرفة».
الأدب مفتاح التبادل
وبيّنت الدكتورة مريم الشناصي، كاتبة وناشرة وداعمة للأدب العربي خارج العالم العربي، التي تمتلك خبرة تمتد لأكثر من 11 عاماً في التعاون الثقافي مع الهند، أن التركيز على الأدب الخليجي هو مفتاح هذا التبادل، وقالت: «لديّ تجربة طويلة في دعم اللغة العربية والأدب الخليجي في الهند، كما أن لديّ جائزة للشعر العربي مخصصة للهنود ممن يجيدون كتابة الشعر العربي الفصيح، كما أن الأدب الخليجي، باعتباره أدباً حديثاً، بات جاذباً للباحثين في الهند، وقد لاحظنا انعكاس ذلك في المشاركات الأدبية، وحركة الترجمة المتبادلة، خاصة في معرضي الشارقة للكتاب، وأبوظبي للكتاب».
وأضافت: «ما قمت به خلال أكثر من عقد من الزمان انعكس على الاقتصاد الإبداعي، حيث أصبحنا نُصدر الأدب الإماراتي بدلاً من استيراده فقط، وقد ازداد حجم الصادرات من الكتب العربية مقارنة بما كان عليه قبل عشر سنوات».
وأكدت مريم الشناصي أن عدد الأبحاث ورسائل الماجستير والدكتوراه في الجامعات الهندية حول الأدب الإماراتي تضاعف، مشيرة إلى أهمية تحويل هذه الجهود الفردية إلى جهود مؤسسية لضمان الاستدامة.
تعاون أكاديمي
من جهته، قال الدكتور الهندي عباس كي. بي، الحاصل على دكتوراه في اللغة العربية وآدابها في الهند، إن السنوات العشر الأخيرة شهدت انفتاحاً ملحوظاً في العلاقات الثقافية بين الإمارات والهند، وقال: «لقد أشرفت على عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه في موضوعات تتعلق بالأدب الخليجي، خاصة من زاوية نقدية، كما قمت بنشر هذه الدراسات في مجلات أكاديمية محكّمة، إضافة إلى إسهامي في ترجمة الروايات الخليجية إلى اللغات الهندية».
وأشار إلى وجود تعاون أكاديمي متزايد بين الجامعات الهندية والخليجية، ما أسهم في تبادل معرفي متعمق بين الباحثين والطلاب من الجانبين، موضحاً أن سهولة الحركة وتطور وسائل التواصل أسهما كذلك في تدفق الكتب والأفكار من الخليج إلى الهند، مضيفاً: «هذا الانفتاح الثقافي لعب دوراً كبيراً في تعزيز الفهم المتبادل والتقارب بين الشعبين».
علاقات عريقة
ورأى الدكتور صبغة الله الهدوي، من الهند، وهو أستاذ الأدب العربي في جامعة كاليكوت، أن العلاقات الثقافية الإماراتية الهندية شهدت تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، وقال: «العلاقات الثقافية بين الهند والعالم العربي عريقة، كما أن الإمارات ودول الخليج باتت وجهة مفضلة للهنود، ليس فقط بسبب الفرص الاقتصادية، بل بسبب أخلاقيات التعامل والاحترام المتبادل والحراك الثقافي الكبير».
وأوضح أن هناك تداخلاً في العادات والتقاليد، بما في ذلك المأكولات والموسيقى، حيث انتشرت بعض الأطباق الخليجية في جنوب الهند، بينما أصبحت الموسيقى العربية مألوفة لدى الجمهور الهندي، مضيفاً: «لاحظنا زيادة كبيرة في عدد الرسائل الجامعية التي تتناول الأدب الخليجي، وهذا مؤشر قوي على قوة التبادل المعرفي القائم بين الخليج العربي والهند».
مهرجانات ثقافية وسينمائية
وأكد المترجم عبدو شيوابورام كومبرايل، من الهند، أن الترجمة كانت ولا تزال الجسر الأهم بين الثقافتين، وقال: «إن العلاقة الثقافية بين الهند والعالم العربي، وتحديداً الإمارات، هي من أكثر العلاقات عمقاً وتأثيراً، حيث نكتشف بعضنا البعض من خلال كتاب، أو فيلم، أو طبق من الطعام أو تقليد معروف».
وأشار إلى مبادرات متعددة دعمت هذا التقارب، مثل مشاركة الطلاب العرب في الجامعات الهندية، ومهرجانات ثقافية وسينمائية مشتركة، مثل «مهرجان السينما الهندية في دبي»، و«أيام الثقافة العربية» في نيودلهي، مضيفاً: «لقد ساعدت الترجمات المتبادلة، خاصة بين العربية والمالايالامية، على تعميق هذا التفاهم، ومن المهم مواصلة هذا الزخم عبر مبادرات جديدة».
قوة ناعمة
من جانبه، أكد الدكتور عابد محمد، من الهند، أستاذ الأدب العربي والمترجم من العربية إلى المالايالامية، أهمية الترجمة بوصفها قوة ناعمة وناقلاً للأدب بين الخليج العربي والهند، وقال: «عملت على ترجمة أكثر من 10 كتب من الأدب العربي إلى المالايالامية، بما في ذلك روايات لكتّاب من الإمارات وقطر والكويت وعُمان. ويعود ذلك إلى شغف القرّاء في الهند بالتعرف إلى الأدب الخليجي».
وأكد أن مستقبل التعاون الثقافي واعد، شرط أن يتم تأطيره ضمن برامج مؤسسية تدعم الاستمرارية، متابعاً: «إذا تم تأسيس جسور ثقافية دائمة، خاصة في مجال الأدب، فإنها ستغني كلا الطرفين معرفياً، وستنعكس على العلاقات التجارية والسياسية والإنسانية أيضاً».