ابوظبي - ياسر ابراهيم - الخميس 24 أكتوبر 2024 11:57 مساءً - أوضح عدد من خبراء الصحة النفسية أن النجاح في العلاقات والعمل يرتبط بشكل وثيق بسلامة الصحة النفسية، مشددين على ضرورة التخلص من وصمة العار المتعلقة بالعلاج النفسي، والاعتراف بأهمية الجلسات النفسية التي يُطلق عليها «الجلسات الروحية»، والتي تلعب دوراً كبيراً في تقليل مستويات التوتر.
جاء ذلك خلال فعاليات اليوم الثاني من الدورة العاشرة لمؤتمر «صحتي»، الذي تنظمه إدارة التثقيف الصحي بالمجلس الأعلى لشؤون الأسرة تحت شعار «الصحة والرفاه». وناقش المشاركون في جلسة «حوار المستقبل... صحتي مسؤوليتي» العلاقة بين الأمراض الجسدية مثل القولون العصبي، الصداع النصفي، القلق المزمن، والسمنة، مع الضغوط النفسية الناتجة عن التوتر الاجتماعي والمادي، مؤكدين أن الصحة النفسية تعد أساساً لتحسين جودة الحياة.
وسلطت الدكتورة بنّة يوسف، خبيرة الصحة النفسية في إدارة سلامة الطفل التابعة للمجلس الأعلى لشؤون الأسرة بالشارقة، الضوء على محورين رئيسيين يتعلقان بالصحة النفسية، أشارت خلالهما إلى أهمية التركيز على الصحة النفسية لليافعين، معتبرة أنهم الركيزة الأساسية لمستقبل المجتمع، كما أكدت ضرورة فهم أفكارهم ومشاعرهم، بالإضافة إلى التحديات التي يمرون بها.
وأضافت أن البالغين غالباً ما يقدمون الإرشادات دون الاستماع إلى ما يشعر به الشباب، مشيرةً إلى أهمية تعديل هذا الأسلوب لتشجيع التواصل الفعّال معهم.
وفي المحور الثاني، تناولت الدكتورة بنّة مفهوم الصحة النفسية الجسدية، موضحة أن 85% من مراجعي العيادات الخارجية يعانون من أمراض ناجمة عن أسباب نفسية، مثل قرحة المعدة وارتفاع ضغط الدم، وأكدت أن العلاج يتطلب تدريب الأفراد على إدارة الضغوط اليومية.
كما أوضحت أن البرامج التدريبية تُعتبر وسيلة فعالة لتقليل التأثيرات الجسدية الناتجة عن الضغوط النفسية، مشيرة إلى أن العلاج المعرفي السلوكي، بجانب الأدوية، يسهم في تحسين الحالة النفسية، وتقليل الاعتماد على العقاقير على المدى الطويل.
تحقيق الأهداف
ولفتت الدكتورة أمل عبد الرحمن، خبيرة ومدربة تعزيز صحة وجودة حياة، وممارسة لعلم النفس الإيجابي في مملكة البحرين، إلى أن الصحة هي الشرط الأساسي لممارسة الحياة الطبيعية في جميع المجالات التعليمية والمهنية والعملية والتربوية.
مؤكدة أن إرادة الإنسان هي العامل الحاسم في تحقيق الأهداف، فكلما كانت الإرادة حقيقية ومدعومة بهدف واقعي ومحدد، تمكن الفرد من تحقيق ما يريد، ومع ذلك أشارت إلى أن الإرادة الحقيقية تتطلب توفر المعرفة، المهارة في اتخاذ القرار، والذكاء، والدافع لتحقيق النجاح.
وتناولت الدكتورة أمل الفرق بين ما يقدمه العقل وما يقدمه الوجدان، مبينة أن العقل يمد الإنسان بقناعات إيجابية حول أهمية الغذاء الصحي والنشاط البدني، إلا أن الوجدان والمشاعر قد تمنعه من اتباع تلك السلوكيات، مؤكدة أن بعض الأسر تركز على راحتها الشخصية وتترك أبناءها أمام شاشات الهواتف والأجهزة اللوحية، بدلاً من التركيز على تطوير مهاراتهم.
الاحتراق الوظيفي
وفي إطار مشاركته بالمؤتمر صرّح الدكتور جاسم المرزوقي، مستشار العلاج النفسي، بضرورة التركيز على قضية الاحتراق الوظيفي الذي يعد من أبرز القضايا التي تستحوذ على اهتمام الأوساط الصحية والنفسية.
وأشار المرزوقي إلى أن هذه الظاهرة تشكل تحدياً حقيقياً في بيئات العمل، حيث تمثل انعكاساً للمشكلات النفسية التي يعاني منها الموظفون، مثل التوتر المزمن والاكتئاب.
وأوضح أن منظمة الصحة العالمية تولي اهتماماً كبيراً بهذه الاضطرابات، التي تقود الموظف للاستنزاف نتيجة لغياب التقدير والدعم في محيطه المهني. وتابع المرزوقي محذراً أن السياسات الإدارية الصارمة تفاقم الاحتراق الوظيفي.
حيث يشعر الموظف بفقدان الأمان الوظيفي ويعجز عن تحقيق التوازن بين عمله وحياته الشخصية، مما يؤدي إلى مشكلات نفسية وجسدية مثل التوتر والاكتئاب، إلى جانب تبني سلوكيات غير صحية كالتدخين والإفراط في تناول الطعام.
إشادة
وفيما يتعلق بالجهود الحكومية، أشاد بإجراءات الدولة التي تهدف إلى تعزيز الصحة النفسية في بيئات العمل، مشيراً إلى أن الحكومة قد خصصت ميزانيات خاصة لدعم مبادرات تحسين جودة الحياة الوظيفية، ولفت إلى أن هذه الميزانيات تستخدم لتفعيل برامج تهدف إلى تعزيز التواصل بين الموظفين والإدارة، إلى جانب تعزيز الشفافية في مختلف المستويات الوظيفية.
وأكد أن التحولات الإيجابية التي نشهدها حالياً في السياسات الحكومية، الداعمة للصحة النفسية والرفاهية في بيئات العمل، ستسهم في تراجع السياسات الإدارية التقليدية التي تعتمد على القسوة والتشدد، مشيراً إلى أن التشريعات الحديثة تهدف إلى تقليل البيروقراطية وتخفيف الضغوط على الموظفين لتحقيق بيئة عمل أكثر إيجابية.
وعي مجتمعي
من جانبها أكدت الدكتورة رشا عبد الرحمن، رئيسة قسم علم النفس في جامعة عجمان، أن تراجع الوصمة الاجتماعية المتعلقة بالاضطرابات النفسية أصبح ملحوظاً بشكل متزايد، خاصة في دولة الإمارات، حيث ارتفع الوعي المجتمعي حول هذه القضايا بشكل كبير.
وأوضحت ذلك وفقاً لإحصائيات الفترة بين العامين 2018 - 2023، حيث شهدت المؤسسات النفسية زيادة بنسبة 35% في عدد المترددين عليها، مما يعكس تزايد الضغوط وأهمية السعي للحصول على المساعدة.
وأشارت إلى ضرورة تصحيح المفاهيم الخاطئة حول الأدوية النفسية، مثل الاعتقاد بأنها تسبب الإدمان، ومؤكدة أهمية دور الأخصائي النفسي في المدارس ودمج الصحة النفسية ضمن المناهج الدراسية، كما شددت على أهمية تقديم برامج تدريبية لدعم الصحة النفسية في بيئات العمل، لمواجهة الضغوط المرتبطة بالحياة المهنية.