الرياض - ياسر الجرجورة في الاثنين 27 يناير 2025 09:02 صباحاً - كشف الكاتب الدكتور بدر بن سعود عن الأسباب التي دفعت علماء الاجتماع السعوديين إلى المطالبة بتحويل القبائل إلى مؤسسات مجتمع مدني، في خطوة تهدف إلى تقليل التأثيرات السلبية التي قد تترتب على العصبية القبلية، وتعزيز اللحمة الوطنية في المملكة.
السعودية تستعد لاتخاذ قرارات تاريخية تغير شكل القبائل
في مقاله الذي نشرته صحيفة "الرياض" تحت عنوان "الدولة المدنية قبيلة واحدة"، عرض بن سعود رؤية نقدية لمفهوم القبيلة في المجتمع السعودي، ورصد تحولاتها منذ ما قبل الإسلام وحتى العصر الحديث، مؤكد أن الوقت قد حان للاستفادة من قيم القبيلة في إطار مؤسساتي يتماشى مع متطلبات الدولة المدنية الحديثة.
النعرات القبلية وتأثيراتها السلبية على التنمية الاجتماعية
أشار بن سعود إلى دراسة سعودية نشرت عام 2016، والتي أكدت أن النعرات القبلية والتفاخر العرقي تشكل عائق أمام التنمية الاجتماعية في المملكة.
هذه العصبيات القبلية كانت تمثل أحد أسباب ضعف التماسك الاجتماعي وتؤثر بشكل سلبي على مسار التطور الحضري.
في هذا السياق، أشار الكاتب إلى مهرجانات مزاين الإبل، التي كانت تنظمها القبائل بشكل منفصل قبل أن تتخذ الدولة خطوة لدمج هذه الأنشطة تحت مظلة وطنية موحدة منذ عام 2010.
ورغم أن مهرجان "أم رقيبة" تم إلغاؤه في 2015، إلا أن المملكة العربية السعودية قامت بإعادة إحيائه باسم "مهرجان الملك عبد العزيز للإبل" في 2017، ليكون منصة تجمع كل القبائل تحت هوية وطنية واحدة بعيد عن العصبية القبلية.
التمدن والمساواة: تراجع العنصرية وتحقيق العدالة في الفرص
قبل نحو عشرين عامًا، كانت بعض الممارسات العنصرية ضد أبناء القبائل واضحة في بعض مؤسسات الدولة، خاصة في مجال التعليم العالي، حيث كانت كلية الطب في الجامعات السعودية ترفض قبولهم بناء على خلفياتهم القبلية.
ومع تطور النظام التعليمي في المملكة، اختفت هذه الممارسات العنصرية تدريجيا، خاصة مع وصول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حيث أصبحت المعايير الأكاديمية والمهنية تعتمد على الكفاءة والجدارة وليس الانتماء العرقي أو القبلي.
اليوم، يظل هذا التغيير في أسس الاختيار حافزًا لتحقيق العدالة والمساواة بين جميع المواطنين.
العصبية القبلية: إرث تاريخي لا يزال حاضر في بعض المجتمعات
لا يمكن تجاهل أن العصبية القبلية ليست ظاهرة حديثة، بل تعود إلى فترات ما قبل الإسلام، حيث تسببت في العديد من الحروب التي استمرت لعدة قرون.
أبرز تلك الحروب كانت حرب داحس والغبراء، وحرب البسوس، وغيرها من الصراعات التي تسببت فيها العصبية القبلية.
ورغم أن القبيلة تغيرت أدوارها في العصر الحديث، إلا أن تأثيراتها لا تقتصر على المملكة فقط، بل إنها تمتد إلى العديد من دول العالم العربي مثل الكويت والأردن وليبيا والعراق ولبنان، حيث تلعب القبائل دور مؤثر في السياسة المحلية والانتخابات البرلمانية.
القبيلة في السعودية: رمز اجتماعي ولكن بلا تأثير سياسي حقيقي
في المملكة العربية السعودية، يختلف الوضع عن باقي الدول العربية، حيث تظل القبيلة في المملكة بلا دور سياسي حقيقي، ورغم تأثيرها الاجتماعي، إلا أن الحكومة السعودية نجحت في فصل بيت الحكم عن القبيلة التقليدية.
على مدار مئتي عام قبل ظهور الإسلام، كان هناك تطور حضري للمجتمع السعودي، مما جعل الدولة تقف على مسافة واحدة من كافة مكونات المجتمع دون تمييز قبلي.
هذا التوازن بين المؤسسات الوطنية وتعزيز مفهوم الملكية الفردية ومسؤولية الشخص عن أفعاله يشكل أساس للدولة المدنية الحديثة، حيث تشترك هذه الرؤية مع دول مثل كندا والولايات المتحدة وأستراليا في بناء مجتمعاتها من خلال سردية وطنية جامعة بعيدًا عن الانتماءات العرقية أو القبلية.
التشريعات: ضوابط صارمة لمكافحة العصبية القبلية
من الناحية التشريعية، حرصت المملكة على وضع مجموعة من الأنظمة التي تضبط العصبية القبلية.
إذ تشمل هذه الأنظمة مواد من النظام الأساسي للحكم، ونظام الإجراءات الجزائية، ونظام الإعلام المرئي والمسموع، ونظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، التي تعاقب الأفراد الذين يروجون للقبلية أو يساهمون في إثارة النعرات القبلية.
العقوبات تتراوح بين السجن والغرامات المالية، بالإضافة إلى إلغاء الترخيص في حال التورط في الإعلام الذي يعزز هذه العصبية.
تحويل القبائل إلى مؤسسات مجتمع مدني: الطريق نحو تكامل اجتماعي
رغم الجهود التشريعية والتنظيمية، لا يزال هناك بعض التصرفات الفردية التي تعيد استحضار المشهد القبلي القديم، مثل رفع أعلام القبائل في المناسبات الوطنية أو استخدامها كإطار لتعريف الهوية في بعض البرامج أو الأنشطة الاجتماعية.
ولتوجيه هذه التصرفات بما يخدم المصلحة العامة، يرى علماء الاجتماع السعوديون أنه من الضروري تحويل القبائل إلى مؤسسات مجتمع مدني.
من خلال ذلك، يمكن للقبيلة أن تصبح منصة لتقوية اللحمة الوطنية وتعزيز التماسك الاجتماعي، حيث تستخدم القيم القبلية مثل التضامن والترابط في بناء مجتمع مدني حديث يتبنى مبدأ المواطنة والانتماء للدولة، مما يعزز دور الأفراد في تهذيب سلوكياتهم ويسهم في تحقيق الاستقرار الاجتماعي.
إعادة تأطير القبائل كمؤسسات مجتمع مدني يمثل خطوة هامة نحو تعزيز الوحدة الوطنية والتقليص من التأثيرات السلبية التي قد تنجم عن العصبية القبلية.
من خلال دمج القيم القبلية في سياق مدني، يمكن للمملكة أن تحقق توازن بين التراث والحداثة، مما يسهم في تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030.