مؤسسة قطر: الأعمال الفنية بالمدينة التعليمية تبرز ثراء الحضارة الإنسانية

الدوحة - سيف الحموري - تمتلك مؤسسة قطر مجموعة قيّمة ومتنوعة من الأعمال الفنية التي تتوزع بين مختلف أرجاء المدينة التعليمية وبناياتها، بحيث دأبت المؤسسة على اختيار كل قطعة فنية بمنتهى العناية وفي استحضار تام لرمزيتها وأبعادها ومضمونها ومدى ملاءمتها لمكان العرض الذي سيحتضنها. 
وقد انخرطت مكتبة قطر الوطنية بدورها في هذه الدينامية من منطلق أن هذه الأعمال تعزز التفكير الإبداعي وتشجع الحوار الثقافي وتسهم في خلق بيئة ملهمة تجعل من المكتبة مكانًا شيّقًا لاستكشاف ليس فقط عالم الكتب والفعاليات الثقافية، بل أيضا ما تبدعه أنامل الفنانين والرسامين، من قبيل العمل الفني «ن والقلم»، الذي يعد تحفة فنية تجسد جوهر التراث الثقافي والإسلامي.

Advertisements

كل من يزور مكتبة قطر الوطنية في المدينة التعليمية ويدلف إلى بهوها الرئيسي، فإن أول ما سيلفت انتباهه هو ذلك المجسّم ‏المذهل المستوحى من الخط العربي الإسلامي والأنماط الهندسية المتدرجة الذي يشكل العمل الفني الخلاب، «ن ‏والقلم»، المستلهم من ‏‏الآية القرآنية الكريمة (ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا ‏يَسْطُرُونَ) [القلم: 1]‏. لقد أبدع وصمم هذا العمل ‏الخطاط والفنان التشكيلي والمهندس الإيراني، رامين ‏‏شريدال في عام 2018، وذلك وفق تصميم مذهل ونمط انسيابي، موظفًا في ذلك ألوانا زاهية ومنحنيات دقيقة.  

التزام قطري بصون التراث 
وفي هذا السياق، قالت عبير الكواري، مدير شؤون البحوث وخدمات التعلم بمكتبة قطر الوطنية: «يرمز العمل الفني إلى التزام دولة قطر ‏بصون التراث الثقافي مع مواكبة تطورات العالم ‏المعاصر. وقد جاء تنفيذ هذا ‏العمل الفني ضمن جهود مكتبة قطر ‏الوطنية الحريصة على النهوض باللغة ‏‏العربية ونشرها على الصعيدين المحلي ‏والإقليمي. وهي جهود تجلت في مجموعة ‏المكتبة الشاملة ‏من الكتب العربية بالإضافة إلى ‏مصادرها الرقمية المتنوعة ودعمها المستمر ‏للكتاب والناشرين العرب».‏ 
 وأضافت أن هذا العمل الفني يعبر عن نهج شريدال ‏المبتكر والمعاصر للخط الإسلامي خير ‏تعبير، إذ ‏يستخدم الفنان تصميمًا ثلاثي الأبعاد ‏لكلمات الآية القرآنية الكريمة بالخط العربي، ما ‏يعطي ‏المشاهدين والناظرين إحساسًا يمتلئ ‏بالتدفق والحركة المستمرة. فعندما يقف الزائرون أمام هذا العمل الفني، لا يسعهم إلا الشعور بالمهابة والدهشة؛ ‏فهو ليس عملًا ‏فنيًا بديعًا فحسب، بل شهادة تؤكد على قوة الفن في إلهام ‏الناس وتوحيدهم». ‏ وأشارت عبير الكواري إلى أن منحنيات وتدرجات هذا العمل الفني «تجسد رسالة المكتبة وجهودها البارزة في ‏صون ‏التراث الثقافي والحفاظ عليه»، وخلصت إلى القول: «يتضافر ‏العمل الفني وموقعه الذي يزين جدار المكتبة المطل ‏على بهوها الرحب ‏الفسيح ليؤكد رسالة المكتبة الهادفة إلى حماية كنوز الماضي وإطلاق العنان ‏لخوض غمار آفاق ‏المستقبل اللانهائية».‏ 
من جهته، قال رامين ‏‏شريدال الفنان الإيراني: «خلال العقد الماضي، كنت أحرص على أن تشكل أعمالي الفنية نقطة التقاء وصلة وصل بين الفضاء وعالم الأشياء. لأجل ذلك، استعنت بالأشكال والمنحوتات المرنة والانسيابية. عندما أتأمل ممارستي الفنية، أدرك أني كنت أحاول باستمرار إزالة الحدود أو طمسها على مستوى مختلف الوسائط لأتمكن من تحقيق تقارب بين مجالات شتى، مثل العمارة والنحت والرسم والشعر». 
ورأى الفنان أنه «خلافًا لما يتميز به الاستخدام التقليدي للكلمات والنصوص، الذي يركز في الأغلب على مظاهر الكتابة الأسلوبية، فإن ما يثير اهتمامي أكثر هو تنوع الطرق التي يمكن من خلالها قراءة الكلمات ورسمها في سياقها المكاني. إني مولع باستكشاف كيفية تَمثُّل الكلمات وتصورها وتحويلها إلى رحلة غامرة تتجاوز الحدود التقليدية للغة». 

التحديات .. ولمسة جمالية 
وقال رامين شريدال مستحضرًا بعض تفاصيل مهمة تكليفه بإبداع هذا العمل الفني من قبل مكتبة قطر الوطنية،: «واجهت في البداية وأنا أعمل على هذا المشروع عدة تحديات: فبالنظر إلى الطريقة البديعة التي صمم بها المهندس المعماري الهولندي ريم كولهاس، هذا المبنى الأيقوني، أدركت منذ البداية أنه يتعين على هذا العمل الفني أن يمثل إضافة متناغمة تضفي لمسة جمالية على هذا الفضاء الاستثنائي في المدينة التعليمية». 
وأضاف: «إن ابتكار عمل فني للعرض في مَعْلمة ثقافية مميزة  كمكتبة قطر الوطنية، التي يُنظر إليها على أنها مهد الابتكار والفنون والمعرفة في دولة قطر، شكل هو الآخر بالنسبة لي مصدر اهتمام محفوفا بالتحديات». 
وأوضح: «لقد كانت الفكرة وراء ابتكار هذا العمل الفني هو إضفاء لمسة جمالية على الجدار الخرساني باستعمال الخط العربي، حيث وظّفت لأجل ذلك طبقات من اللون الأرجواني النابض بالحياة. واستحضارًا للطبيعة الديناميكية للمكتبة، التي تتيح للزوار التحرك على مستويات مختلفة من المكتبة والاستمتاع في الوقت نفسه بمشاهد مرئية من اتجاهات مختلفة، ارتأيت أن أصمم هذا العمل الفني على نفس المنوال ليجذب إليه الزائرين من زوايا متعددة». 
وخلص إلى القول: «بالنسبة لي، فإن هذا العمل الفني يكتسي بُعدًا شعريًا، يشبه قصيدة بإيقاعها وقافيتها تدعو الزائر لقراءتها، على غرار تلك الكتب التي لا حصر لها بمكتبة قطر الوطنية». 
يشار إلى أن الفنان الإيراني، رامين شريدال، هو من مواليد سنة 1981، وحاصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة المعمارية من جامعة طهران للفنون، وسبق له أن أقام عدة معارض فنية في العديد من البلدان العربية والأجنبية.

أخبار متعلقة :