عمل الزوجة.. هل يكون سبباً في ارتفاع حالات الطلاق بالمجتمع؟

الدوحة - سيف الحموري - شعور الزوجة بالاستقلالية المادية قد يورث لديها شعوراً باستقلاليتها عن زوجها

Advertisements

تولد الشعور والرغبة في التحكم والسيطرة بفرض بعض القرارات على الزوج

شعور الزوج بالغيرة من زملاء زوجته في العمل.. ومن  تفوق زوجته عليه في العمل وكسبها للمال

إهمال الزوجة لواجباتها الأسرية.. أو عدم قدرتها على الموازنة بين عملها خارج البيت ودورها داخل أسرتها

 

إن المعدلات المتزايدة لحالات الطلاق في المجتمع ليست مجرد أرقام، يحسبها القارئ يسيرة، بل هي أسر كثيرة تمزقت، وأطفال كثر سيعانون من انفصال الأب والأم، فهي آثار وخيمة على مستويات حساسة، لأن المحضن الأول للنشء هو الأسرة، فلو دُمر هذا المحضن، فأي محضن سينعم فيه هؤلاء الأطفال الصاعدون؟ إن الأمة كلها تحتاج إلى أن تلتفت إلى موضوع الأسرة، وتبذل جهودها من أجل حمايتها.

نعلم جميعا أن أعظم أسباب الطلاق منها ما يرجع إلى غياب الوازع الديني وضعفه، ومنه ما يرجع إلى التربية والأخلاق التي يتمتع بها الفرد، ومنها ما هو عائد إلى الجانب الاقتصادي وتقلب أحوال الإنسان بين اليسر والإعسار، ومنها ما هو اجتماعي كتدخل الأهالي في شؤون الأسرة، وطروء المتغيرات الاجتماعية كوسائل التواصل الاجتماعي، كما أن هناك أسبابا نفسية تؤدي إلى حدوث حالات الطلاق.

الطلاق العاطفي 
في نظري هناك أسباب خفية أظن أن وقعها على الأسر أخطر مما ذكر، وتؤدي إلى الطلاق الفعلي أو العاطفي، وهذا السبب الذي أريد إثارة انتباه القارئ له هو عمل الزوجة.
فواقع الحال الآن عَرَفَ تزايدا لأعداد النساء العاملات، خصوصا وأن دولة قطر عرفت احتياجا شديدا لليد العاملة في مختلف المجالات بعد الثورة التي عرفها المجال الاقتصادي باكتشاف النفط، والبدء في الاستثمار فيه، لكن الذي يهمني في هذا الصدد على وجه الخصوص، هو ما مدى تأثير عمل الزوجة على مكانتها في الأسرة؟ وإلى أي حد يمكن اعتبار عملها مسببا في تفاقم حالات الطلاق؟
بالرجوع إلى مجموعة من الأبحاث المنجزة في هذا المضمار نجد أن بعض الباحثين ربط بعض حالات الطلاق بسبب عمل الزوجة، وما يخلفه من آثار على مكانتها في الأسرة ووجودها فيها ومنافستها للرجل، وتمكنها من خلق التوازن بين العمل والأسرة.
إن عمل الزوجة قد يكون سببا من أسباب الطلاق، لأنه ينتج مشاكل متعددة منها الآتي: 
1. شعور الزوجة بالاستقلالية المادية قد يورث لديها شعورا باستقلاليتها عن زوجها، ما يؤدي إلى نزاعات أسرية قد تنتهي بالطلاق.
2. تولد الشعور والرغبة في التحكم والسيطرة، بفرض بعض القرارات على الزوج، أو التعدي على صلاحياته وقوامته على الأسرة.
3. شعور الزوج بالغيرة، من وجهين، الأول: الغيرة من زملاء زوجته في العمل؛ والثاني: الغيرة من تفوق زوجته عليه في العمل وكسبها للمال، ما قد يكون سببا في حدوث الطلاق.
4. عدم تلبية حاجيات الزوج والقيام بشؤونه.
5. إهمال الزوجة لواجباتها الأسرية، أو عدم قدرتها على الموازنة بين عملها خارج البيت ودورها المهم والسامي داخل أسرتها.

تقليص حالات الطلاق
ونظرا لمكانة الأسرة في المجتمع، ولحمايتها من هذه الأخطار المحدقة بها من كل جانب، أنشأت دولة قطر بعض المؤسسات الرسمية التي تقوم بالعمل على تقليص حالات الطلاق، ووقاية الأسر المعرضة لذلك من الوقوع في مغبة هذا الطريق، ومن تلك المؤسسات التي تعنى بشؤون الأسرة وتنمية الوعي بضرورة حمايتها من مزالق التفكك ما يلي:
أ‌- المجلس الأعلى لشؤون الأسرة: أنشئ هذا المجلس في دولة قطر بموجب القرار الأميري رقم 53/1998 ويهدف إنشاؤه إلى إيجاد مؤسسة عليا تقوم بوضع السياسات والخطط والمبادرات التي تهدف إلى بناء أسرة مستقرة وصالحة تحقق أهداف وغايات الدولة في مجال التنمية الاجتماعية، وذلك ضمن خطط وبرامج توعوية وتعليمية وتدريبية والسعي إلى تثقيف الأسرة والوصول بها إلى مستويات متقدمة ونتائج فعالة في الجوانب الصحية والتعليمية والاقتصادية.
ب‌- هيئات التحكيم الأسري: وهي مرحلة يمر بها النزاع بين الزوجين أثناء تداول قضيتهما في المحكمة بحيث يتم إحالتهما إلى هيئة تحكيم تتكون من حكمين يمثل كل واحد من أحد الأطراف ليتم تفهم مشكلتهما ونصحهما ومحاولة حل النزاع بينهما وديا وإصلاح ذات البين حفاظا على الأسرة والأطفال ويتم تقديم تقرير بنتائج التحكيم للمحكمة.
ت‌- معهد الدوحة الدولي للأسرة: تأسس معهد الدوحة الدولي للأسرة عام 2006 بمبادرة كريمة من صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر -رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر- تقديرا لأهمية الأسرة ودورها في المجتمع. وكان في بداية مسيرته يعرف باسم معهد الدوحة الدولي للدراسات الأسرية والتنمية حتى العام 2013. انطلق المعهد في مهمته مرتكزا على إعلان الدوحة الخاص بالأسرة، وهو عبارة عن وثيقة رائدة نتجت عن مؤتمر الدوحة الدولي للأسرة 2004 الذي نظمته دولة قطر احتفاء بالذكرى العاشرة للسنة الدولية للأسرة. يحمل المعهد صفة استشارية خاصة لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع لأمم المتحدة.
ث‌- مركز الاستشارات العائلية (وفاق): مؤسسة قطرية تعمل على المحافظة على الأسرة القطرية، وجعلها أسرة متماسكة مستقرة تعي حقوقها ومسؤوليتها، افتتح المركز في أغسطس عام 2003م، بهدف المساهمة في إيجاد أسرة واعية متمسكة بالقيم والأخلاق النابعة من ثقافتنا العربية الإسلامية؛ والمحافظة على الأسر من التفكك والانهيار؛ وتقديم خدمات الإرشاد الفردي لحل المشاكل المتعلقة بالحياة الزوجية قبل تفاقمها، ومشاكل الأحوال الشخصية؛ والمساهمة في التوفيق بين الأزواج من خلال الإرشاد والتوعية والتوجيه لكيفية خلق حياة زوجية مستقرة؛ وتجنيب الأبناء الآثار السلبية للطلاق من خلال توعية وإرشاد كل من الطرفين لكيفية التعامل مع الأبناء، وكيفية سد النقص الناجم عن غياب أحد الوالدين.
ج‌- مكتب التصالح الأسري: أنشئ المكتب في مارس 2020م، حيث يهدف للصلح بين أطراف الدعوى الأسرية قبل اللجوء إلى المحاكم، وذلك من خلال الجلوس مع المدعي والنظر في المشكلة سواء طلب الطلاق أو الخلع إلى جانب العضل -وهو منع الولي تزويج الفتاة دون أسباب مقنعة- بغية الحد من الخصومات، ومعالجة النزاعات، وتقليل القضايا، ومحاولة الصلح بين الزوجين، فإما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
إن الجهود المبذولة من الدولة من خلال هذه المؤسسات تسعى إلى حفظ الرابطة الزوجية وتقوية التماسك الأسري، وحماية الأسرة من مشاكل الطلاق عند وقوعه ومن آثاره الوخيمة على الفرد والمجتمع متى تفاقمت حالاته وارتفعت معدلاته.

عناية من الطرفين 
الخلاصة أن عمل الزوجة خارج بيتها قد يكون سببا في الطلاق، إذا لم يحط بالعناية الجادة والمسؤولة من الطرفين، وإذا لم يوف الطرفان بحقوقهما لبعضهما البعض، أما إذا توافرت الظروف المناسبة للزوجة لتحقيق التوازن بين عملها وواجباتها الأسرية، ومراعاة الضوابط الشرعية في ذلك، فإني أحسب أنه من الممكن للزوجة أن تعمل لأن عملها لن يكون مؤثرا في استقرار أسرتها ورعاية شؤونها.
إن الوعي بالأحكام الشرعية المرتبطة بالطلاق وإدراك كل طرف في الرابطة الزوجية لمقاصد الزواج في الإسلام رهين بأن يقلل من حالات الطلاق، ويجعل العلاقة قائمة على طاعة الله وابتغاء مرضاته، بالعمل على تنمية التساكن الروحي بين الزوجين، وجعلِ الرابطة الزوجية مبنية على المودة والرحمة، بذلك كله يرجى للأسرة أن تنعم بالتماسك والاستقرار وأن تنجو من أسباب التفكك والانفصال.

أخبار متعلقة :