كتاب موسوعي يرصد العلاقات القطرية - التركية

الدوحة - سيف الحموري - صدر حديثاً كتاب بعنوان «العلاقات القطرية - التركية» بين الماضي والحاضر في واقع جيوسياسي مُضطرب، وهو من تأليف الكاتب والأكاديمي القطري د. خالد الجابر، والباحث التركي أوزجور بالا. 
ويعتبر هذا الكتاب الموسوعي التاريخي الأول من نوعه، حيث يجمع بين باحثين مرموقين في كلا البلدين، ويستند إلى المراجع العلمية والمعلومات والوثائق الأرشيفية والتاريخية في عرض النظريات والحجج والأطروحات. وهو يصدر عن دار النشر الدولية «ليكسينغتون» في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو يتوافر بعدة لغات، منها العربية والتركية والانجليزية، وتم تدشين النسخة العربية المترجمة من دار خطوط وظلال للنشر والتوزيع الأردنية، وسيكون متوافرا في معرض الدوحة الدولي القادم للكتاب في منتصف شهر يونيو.
يتزامن إصدار الكتاب مع اختتام الانتخابات الرئاسية التركية الأخيرة والتي أسفرت عن فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بولاية رئاسية جديدة تمتد إلى سنة 2028. وقد شهدت العلاقات بين الجمهورية التركية ودولة قطر تطورا ملحوظا على مدار عقدين سابقين، حتى أضحت علاقات استراتيجية راسخة، وذات أولوية بالغة، وبرعاية خاصة من حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، والرئيس رجب طيب أردوغان. 
تحليل علمي وأكاديمي
وتكمن أهمية الكتاب في أنه يتناول بالتحليل العلمي والأكاديمي استكشاف كيفية أن قوة متوسطة إقليمية، مثل تركيا، ودولة خليجية طموحة، مثل قطر، من خلال توظيف العلاقات الثنائية وتفعيل الشركات والتحالفات الاستراتيجية، تمكنتا من العمل على تحقيق أهداف بعيدة المدى، والتأثير على السياسات الإقليمية والدولية في منطقة تعاني من واقع جيوسياسي متقلب ومتغير وغير مستقر.  يتناول الكتاب في فصوله العشرة مختلف جوانب العلاقات السياسية والاقتصادية والدفاعية والعسكرية والاجتماعية والثقافية بين الفاعلين التي بدأت تكتسب زخمًا مع مطلع الألفية، ووصلت إلى مستويات غير مسبوقة في أعقاب أحداث ما يسمى «الربيع العربي» والانقلاب العسكري في تركيا في ١٥ يوليو في عام ٢٠١٦، والأزمة الخليجية التي استمرت خلال الفترة من ٥ يونيو ٢٠١٧ إلى ٥ يناير ٢٠٢١، فضلًا عن التطورات الجيوسياسية الناشئة والتنافس وأشكال التعاون والتقارب إلى الوقت الراهن.
ويستعرض الكتاب بشكل مفصل تطور الروابط التركية-القطرية، منذ القرن التاسع عشر وحتى مطلع الألفية وحتى وقتنا الحاضر، مدفوعة في الغالب بالحسابات الجيو-استراتيجية والهموم الأمنية ورؤى وطموحات بناء قوى ناعمة إقليمية ودولية. حيث جمعت التطورات العالمية والإقليمية، رغم بُعدهم الجغرافي النسبي، بين الشعبين التركي والقطري منذ عام ١٨٧١.
ويتطرق الكتاب إلى بواكير العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وقطر والتي دشنت على مستوى السفراء في عام ١٩٧٣. تبع ذلك افتتاح السفارة التركية في الدوحة في عام ١٩٨٠ بالتزامن مع تحسن العلاقات مع دول الخليج العربية الأخرى. وكان هناك اتجاه تصاعدي مؤقت في العلاقات مع افتتاح السفارة التركية، مما أدى إلى اتفاقية في عام ١٩٨٥ من أجل «تعزيز العلاقات الودية القائمة بين البلدين» و»تعزيز وتطوير العلاقات في مجالات الثقافة والفنون والعلوم. والتكنولوجيا. ومع تنامي العلاقات دشنت دولة قطر سفارتها في أنقرة عام 1992م، وفي عام 2007 تمّ افتتاح القنصلية القطرية في إسطنبول، وفي عام 2009 تم افتتاح الملحقية العسكرية.
ويبين الكتاب ان تعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين تركيا وقطر دخل مرحلة جديدة من الشراكة النشطة والفاعلة والمتنامية مع تولي حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مقاليد الحكم. كما يتناول أهمية الدور الذي قام به سمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في بناء وتعزيز العلاقات الثنائية، وذلك تماشياً مع نهج سياسته الخارجية لتحسين العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية والثقافية والسياسية مع جميع القوى الإقليمية، حيث تم الاتفاق على إقامة اتفاقية ثنائية، وتم التوقيع على المشاورات بين كبار المسؤولين في وزارة الخارجية لكل من البلدين في عام ١٩٩٩. 
تركيا دولة موثوقة
ويرجح الكتاب أن اختيار الدوحة للتقارب مع تركيا استند الى حقيقة أن تركيا دولة موثوقة ذات اقتصاد متنامٍ وقوة عسكرية قوية وفاعلة، وعليه تم توقيع العديد من الاتفاقيات بين أنقرة والدوحة، منذ عام 2001 وخلال الأعوام التي تلتها وكان أهمها اتفاقية ٢ يوليو في عام ٢٠١٢ لنشر القوات التركية على الأراضي القطرية، وبالتالي تحول الاصطفاف السياسي بين تركيا وقطر الذي بدأ مطلع القرن مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، إلى شراكة استراتيجية دفعت وعززت من مصالح البلدين.
ويؤكد الكتاب أن ديناميكيات المتغيرات الجيوسياسية الإقليمية مهدت الطريق لأنقرة والدوحة لمتابعة أهداف السياسة الخارجية التي أصبحت متوافقة بشكل متزايد مع بعضها البعض. وبالتالي، فإن أهداف السياسة الخارجية ومقارباتها وكذلك الأدوات التي استخدمها كل من الفاعلين لتحقيق أهدافهما جعلت كلا من الفاعلين حلفاء بارزين في العديد من الملفات والمواقف والقضايا على الساحتين الإقليمية والدولية. 
ويخلص الكتاب في فصوله الأخيرة إلى أن تطور العلاقات التركية - القطرية، منذ القرن التاسع عشر وحتى مطلع الألفية وصولا إلى الزمن الراهن قد شكّلتها غالبًا الحسابات الجيو-استراتيجية والهواجس الأمنية ورؤى وطموحات السياسة الخارجية والمصالح الاقتصادية والسياسية المتباينة والمتنوعة. وقد سهّلت، بالإضافة إلى ذلك، عوامل فكرية واجتماعية وإنسانية، مثل: الهُوية، ورؤية صناع القرار وتعزيز وتقوية العلاقات بين القيادات في الجانبين التقارب آنف الذكر والذي تحول إلى اصطفاف وتحالف وشراكة استراتيجية فاعلة ونشطة ثنائية وإقليمية ودولية. 
ويشير الكتاب إلى أن العلاقة الاستراتيجية التي تشكلت بين تركيا وقطر لم تكن مجرد علاقة تتعلق بالمصالح الثنائية، بل كانت لها تأثيرات إيجابية على الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط. وكانت هذه العلاقة قادرة على مواجهة العديد من التحديات والأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية، حيث أظهرت الدولتان القدرة على التعاون والتنسيق في العديد من الأوقات الصعبة.
بالنسبة للمستقبل، يتوقع أن تستمر العلاقة الاستراتيجية بين تركيا وقطر في التطور والتعزيز. ويشمل هذا التعزيز تعميق التعاون في المجالات الدفاعية، والأمنية، والثقافية، إضافةً إلى المجالات الاقتصادية والتجارية.

Advertisements

أخبار متعلقة :