الدوحة - سيف الحموري - ترأس حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى وفد دولة قطر في الجلسة الافتتاحية للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في دورتها الثامنة والسبعين التي عقدت صباح اليوم في مدينة نيويورك، بحضور أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والسعادة رؤساء الدول والحكومات ورؤساء الوفود والمنظمات الحكومية وغير الحكومية.
وقد ألقى حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى خطابا، فيما يلى نصه:
" بـسـم الله الـرحـمـن الـرحـيـم
سـعـادة رئـيـس الجـمـعـيـة الـعـامـة،
سـعـادة الأمـين الـعـام للأمـم المتـحـدة،
الحـضـور الـكـرام،
الـسـلام عـلـيـكـم ورحـمـة الله وبـركـاتـه،
بداية أهنئ سعادة السيد دينيس فرانسيس، على تولي رئاسة الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة، متمنيا له التوفيق، وأعرب عن التقدير لسعادة السيد تشابا كوروشي على جهوده في رئاسة الدورة السابعة والسبعين. وأشيد بالجهود التي يبذلها سعادة السيد أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، وموظفو الأمم المتحدة لتحقيق غاياتها النبيلة.
اسمحوا لي قبل كل شيء أن أتقدم بصادق التعازي لأخي جلالة الملك محمد السادس وللشعب المغربي الشقيق في ضحايا الزلزال المدمر، كما أتقدم بالتعازي لدولة ليبيا الشقيقة حكومة وشعبا على ضحايا الفيضانات هناك، سائلين الله تعالى الشفاء العاجل للمصابين وأن يتغمد الراحلين بواسع رحمته، وأؤكد على تضامننا الكامل معهم في هذا المصاب.
الـسـيـد الرئـيـس،
لقد حبانا الله أن نعيش في عصر التقدم المتسارع الذي لم يسبق له مثيل، والذي تسود فيه روح الابتكار في مجالات الطب والتكنولوجيا والعلوم عموما، وتتضاعف فيه قدرة البشر على تسخير الموارد التي تمكن من توفير حياة كريمة للبشرية جمعاء. لقد أتاحت الابتكارات المتواترة إنتاجية ورفاهية ودرجة تواصل بين البشر تكاد تحقق رؤى الخيال العلمي.
وبينما مكننا هذا التطور من تحقيق الكثير من الأمنيات، إلا أن ذلك لم يكن دون كلفة لشعوب العالم ولكوكبنا وموارده. لقد ارتفع معدل الأعمار، ومستوى المعيشة لغالبية الإنسانية وظهر ذلك بوضوح في التكاثر السكاني. ولكن معدلات الفقر والبطالة ارتفعت أيضا، وازداد الوعي بغياب العدالة في توزيع الثروات، فضلا عن التبعات الخطيرة على البيئة.
وفي مجالات مثل علم الجينات والذكاء الاصطناعي تزداد الإمكانيات لتحقيق الرفاه للبشرية جمعاء. لكن الفجوة بين الممكن والواقع تزداد أيضا. ففي نفس العصر الذي تظهر فيه هذه الإمكانيات تعاني فيه شعوب من عمالة الأطفال والجوع والبطالة والحروب الأهلية، وتدافع فيه دول متطورة عن حدودها أمام تدفق اللاجئين الهاربين من تلك المعاناة، وكأن شعوب الكرة الأرضية تعيش في عصرين مختلفين.
إن التطور التقني المتسارع وتزايد الاعتماد عليه يفتح آفاقا غير مسبوقة لتطور الإنسانية نحو الأفضل. ولا شك أن العلم والتكنولوجيا هما المفتاح لزيادة الإنتاجية وتحسين نوعية حياة البشر.
ولكن الاحتفاء بالوسائل من دون التفكير المسؤول بالغايات التي تستخدم من أجلها أدى إلى كوارث كبرى مثل استخدام السلاح النووي، وإجراء التجارب الخطيرة على البشر، والإبادة الجماعية في معسكرات الاعتقال.
من واجبنا مواكبة التطور العلمي والتقني وتشجيعه في بلداننا ويجب أن تزول الحواجز بين الدول في هذا المجال. وفي الوقت ذاته لا يجوز تجاهل تفاقم مخاطر مثل تزييف الواقع، واختراق المجال الخاص للأفراد، وتشويش العملية التعليمية بتسهيل الانتحال، ومضاعفة تأثير البروباغندا المضللة وأدوات خداع البشر.
وعليه، وإلى جانب ضرورة التعاون والاستثمار في تطوير هذه التقنيات نجدد الدعوة لتوحيد الجهود لمنع إساءة استخدام الفضاء السيبراني وتنظيم هذا الجانب الحيوي استنادا لأحكام القانون الدولي.
وفي هذا السياق ستنعقد في الدوحة "قمة الويب 2024"، ويشكل انعقادها فرصة هامة لاستعراض التطور في مجال التكنولوجيا، وخلق فرص تعاون جديدة في عالم التكنولوجيا لصالح البشرية جمعاء. وهذه مناسبة لأرحب بالجميع في الدوحة.
الـسـيـد الرئـيـس،
علينا ألا ننسى أن هناك شعوبا حول العالم، وبالأخص في منطقتنا تشغلها مآسي الحاضر، وتعد الانشغال بالقضايا التي ذكرتها نوعا من الرفاهية. ومن واجبنا، إذا كنا نشكل حقا مجتمعا دوليا، وليس مجرد كيانات مختلفة، أن نعمل على رفع الظلم الواقع عليها، على الأقل بموجب ما تقتضيه قرارات هذه الهيئة، وما يقتضيه القانون الدولي.
فلا يجوز أن يبقى الشعب الفلسطيني أسير تعسف الاحتلال الإسرائيلي الاستيطاني، ورفض الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أي حل سياسي عادل وفق مبادئ الشرعية الدولية. ولا يغيب عنكم أن تقاعس المنظمة الدولية عن اتخاذ إجراءات ضد الاحتلال أتاح ويتيح الفرصة لإسرائيل لكي تقوض أسس حل الدولتين بالتوسع والاستيطان حتى أصبح الاحتلال يتخذ شكل نظام فصل عنصري في وضح نهار القرن الواحد والعشرين. وقد لاحظ ذلك حتى بعض أصدقاء إسرائيل المقربين. كما وترد إسرائيل على مبادرات السلام والتطبيع العربية بالمزيد من التعنت والتطرف القومي- الديني الأصولي في الائتلافات الحكومية والمزيد من الاستيطان، وتهويد القدس والاعتداء على الأماكن المقدسة، والتنكيل بالواقعين تحت الاحتلال، وتشديد الخناق على قطاع غزة.
تقدم قطر الدعم السياسي والإنساني والتنموي للشعب الفلسطيني الشقيق، وتساهم في إعمار قطاع غزة الرازح تحت الحصار، علاوة على مساهمتها المتواصلة في تمويل وكالة غوث اللاجئين. وتواصل تمسكها بالموقف المبدئي من عدالة هذه القضية التي أصبحت امتحانا لمصداقية ساسة دول العالم تجاه منطقة الشرق الأوسط.
وبالنسبة لسورية لا يجوز التسليم بالظلم الفادح الواقع على الشعب السوري الشقيق كأنه قدر. فما زالت الأزمة بانتظار تسوية شاملة من خلال عملية سياسية تؤدي إلى انتقال سياسي، وفقا لإعلان جنيف -1 وقرار مجلس الأمن 2254، وبما يحقق تطلعات الشعب السوري، ويحافظ على وحدة سوريا وسيادتها واستقلالها.
ومن المؤسف أن نشهد هذا العام اندلاع العنف في السودان مما ترك آثارا خطيرة على الشعب السوداني الشقيق وفاقم من أزمة اللاجئين.
نحن ندين الجرائم المرتكبة ضد المدنيين في العاصمة الخرطوم وفي إقليم دارفور، وندعو لمحاسبة مرتكبيها، كما ندعو إلى وقف القتال والاحتكام لصوت العقل وتجنيب المدنيين تبعات القتال، ونؤكد دعمنا كافة الجهود الإقليمية والدولية، لتيسير التوصل إلى وقف القتال، والحوار بين القوى السياسية السودانية حول مستقبل للسودان بجيش واحد فقط، وبحيث يقوم بحماية البلاد ولا يحكمها.
وفي لبنان الشقيق حيث أصبح الخطر محدقا بمؤسسات الدولة، نؤكد على ضرورة إيجاد حل مستدام للفراغ السياسي وإيجاد الآليات لعدم تكراره، وتشكيل حكومة قادرة على تلبية تطلعات الشعب اللبناني والنهوض به من أزماته الاقتصادية والتنموية، فمن المؤسف أن يطول أمد معاناة هذا الشعب الشقيق، بسبب الحسابات السياسية والشخصية.
وفي اليمن ندعو أن تسوى الأزمة بموجب قرارات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
وفي الشأن الليبي نؤكد دعمنا الدائم لمساعي الممثل الخاص للأمين العام رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وجهوده المبذولة لتحقيق نتائج ملموسة لحل الأزمة الليبية.
من الواضح أن الحل في جميع الدول الشقيقة التي ذكرتها يكمن في الإجماع على كيان الدولة والمواطنة.
وفيما يخص الوضع في أفغانستان، نواصل تنسيق الجهود الدولية وتيسير الحوار بين الأمم المتحدة والدول المعنية وحكومة تصريف الأعمال الأفغانية لضمان الالتزام باتفاق الدوحة، بما يضمن عدم تكرار أخطاء الماضي، حتى نحول دون انزلاق أفغانستان نحو أزمة إنسانية يصعب التعامل معها أو أن تصبح ملاذا للأفراد والجماعات الإرهابية، ولنضمن حصول الشعب الأفغاني على ما يحتاجه من دعم ومساعدة دوليين، ويتمتع بحقوق الإنسان بما فيها حقوق الأقليات وحق المرأة في التعليم والعمل.
وفي سياق الحديث عن منطقتنا نجدد الترحيب بالانفراج الذي شهدته هذا العام والمتمثل بالحوار البناء وإعادة العلاقات بين كل من الدول الشقيقة المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية وبين جمهورية مصر العربية والجمهورية التركية.
الـسـيـد الرئـيـس،
تستمر الحرب في أوروبا. وهي تستنزف إلى جانب روسيا وأوكرانيا أوروبا بأكملها وأثرت وتؤثر على العالم بأسره في مجالات حيوية مثل الطاقة والغذاء.
وفي غياب أفق لحل سياسي دائم، ولأن لدى الكتل الدولية الكبرى المنخرطة في الحرب بشكل مباشر أو غير مباشر القدرة على مواصلتها لأجل غير محدود، أصبح جل ما يتطلع إليه الناس في أوروبا وفي كافة أنحاء العالم هو الهدنة الطويلة الأمد. وهذا لا يمكن أن يكون أساسا لاستقرار بعيد المدى. وانطلاقا من الضرر اللاحق بشعبي البلدين وبشعوب العالم، ولأنه لا يجوز التسليم بهذا الواقع، نكرر دعوتنا لجميع الأطراف إلى الامتثال لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي واحترام سيادة الدول وسلامة أراضيها واللجوء إلى الحل السلمي الجذري على هذه الأسس.