أوقات مضطربة لأسواق سندات الخزانة الأمريكية

ابوظبي - ياسر ابراهيم - الجمعة 27 أكتوبر 2023 11:32 مساءً - التاريخ: 28 أكتوبر 2023

Advertisements

مثلما هي الحال مع المتسوقين، غالباً ما يكون المستثمرون عرضة لما يسمى بالتحيز للرقم الأيسر، وهو الميل إلى التركيز بشكل أكبر على الرقم الموجود في أقصى اليسار من السعر. وعندما ارتفع عائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات، وهو المعيار المستخدم لتسعير الأصول في أمريكا وجميع أنحاء العالم، متجاوزاً الحد الأعلى لـلـ4 % وبالغاً 5.02 % يوم الاثنين، فقد أحدث ذلك ضجة في الأسواق المالية، وحتى بعد أن تراجعت العائدات الآن، فهي لا تزال تحوم حول أعلى مستوياتها بعد الأزمة المالية العالمية.

ويُعَد اختراق حاجز الـ5 % للمرة الأولى منذ عام 2007 علامة على مدى ضيق وتشدد الظروف المالية فيما يتعلق بدورة رفع أسعار الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والضغوط المتزايدة التي يواجهها الاقتصاد الأمريكي في المستقبل. وقد ارتفع العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات بأكثر من 3 نقاط مئوية في العامين الماضيين. لكن الأمر المثير للقلق كذلك هو التقلبات العالية وسرعة عمليات البيع في الأسابيع الأخيرة، في الوقت الذي لا تزال فيه السيولة في أسواق سندات الخزانة «تواجه تحديات»، وفقاً لتقرير الاحتياطي الفيدرالي الأسبوع الماضي.

وثمَّة العديد من العوامل الدافعة وراء القفزة الأخيرة في عوائد السندات لأجل عشر سنوات، والتي ارتفعت من 4.6 % في منتصف أكتوبر. أولاً، صدق المستثمرون رواية الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة «الأعلى لفترة أطول»، خاصة وأن عدداً كبيراً من البيانات الاقتصادية القوية قد دعمت خطاب المجلس. وثانياً، من المحتمل أن تكون «علاوة الأجل»، أو العائد الإضافي الذي يحتاجه المستثمرون للتعويض عن الاحتفاظ بالسندات طويلة الأجل، قد ارتفعت بالفعل، وفقاً للمحللين.

وقد أدى العجز المتزايد لدى حكومة الولايات المتحدة إلى ارتفاع إصدار السندات، في حين أن زيادة احتياجات الإنفاق والاضطرابات السياسية تزيد التوقعات بشأن المعروض من سندات الخزانة في المستقبل أيضاً. ولكن الطلب انخفض، وخاصة مع قيام الاحتياطي الفيدرالي بتقليص حيازاته من سندات الخزانة من خلال التشديد الكمي. كما يتنامى الاعتقاد بأن سعر الفائدة الأساسي يمكن أن يكون أعلى على المدى الطويل، وهذا يؤدي إلى ارتفاع العائدات، مع العلم بأن حالة عدم اليقين لا تزال سائدة أيضاً. وفي حين أن عوائد السندات لأجل 10 سنوات كانت في مسار متصاعد منذ أن بدأ الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة، فإن التقلبات اليومية شائعة هي الأخرى أيضاً.

وقد يؤدي ارتفاع العائدات إلى تفاقم المخاوف المالية، مع ارتفاع الإنفاق على مدفوعات الفائدة، وتصبح القروض العقارية وسندات الشركات، المرتبطة بعوائد سندات الخزانة طويلة الأجل، أكثر تكلفة، فضلاً عن اضطراب تقييمات الأسهم. ويؤدي ذلك معاً إلى زيادة احتمال حدوث تباطؤ اقتصادي أعمق وأطول أمداً، ما قد يترتب عليه انخفاض العائدات. والواقع أن تقلب السوق يفرض مخاطره الخاصة به، لاسيما عندما تظل سيولة الخزانة أقل من المعايير التاريخية.

وقد يصبح المستثمرون الذين يتطلعون إلى تحقيق عوائد عالية متحفظين بشأن الشراء إذا اعتقدوا أن الأسعار قد تنخفض أكثر. كما أن خطر التحركات الحادة للعائد يمكن أن يهدد أيضاً المؤسسات التي تعاني من خسائر كبيرة في السندات، ما يؤدي إلى زيادة مبيعات سندات الخزانة المتعثرة.

إن التقلب يعد نتيجة حتمية لمحاولة المستثمرين تسعير سندات الخزانة وسط تفاقم حالة عدم اليقين وبعد سنوات من شراء الاحتياطي الفيدرالي للسندات. كما يعني عدم الوضوح بشأن التوقعات الاقتصادية أن يصبح سيناريو تثبيت العائدات بعيد المنال. ويتعين على صناع السياسات أن يكونوا على دراية بالمخاطر التي قد تترتب على حدوث أي اضطراب بالأسواق المالية، كما أن بمقدورهم المساهمة في تحقيق الاستقرار.

وبالنسبة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، فإن ارتفاع عوائد سندات الخزانة سوف يغني عن الحاجة إلى رفع أسعار الفائدة في اجتماع تحديد سعر الفائدة الأسبوع المقبل. ومع ذلك، فإن تحديد رؤية واضحة للاقتصاد سيكون أمراً صعباً. ويتعين على جاي باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، أن يتحفظ بعض الشيء في رسائله لتجنب زيادة التوتر.

ويبقى استمرار مراقبة سيولة سوق الخزانة والجهود المبذولة لتعزيزها أمراً مهماً، والأكثر أهمية هو أنه يتعين على الولايات المتحدة أن تظهر الحكمة المالية. ومن المتوقع أن يتضخم العجز كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، وكذلك سيؤدي ارتفاع إصدار الديون في سوق تعاني من نقص المشترين إلى استمرار الضغط التصاعدي على العائدات.

ولا يساعد بالمرة وجود حالة من الشلل في الكونغرس الأمريكي. وتفضي أسعار الفائدة المرتفعة، المصحوبة بالسياسة المالية المتساهلة والفوضى السياسية، إلى وجود حلقة مفرغة من ارتفاع العائدات الحكومية، وهو ما يؤكده ما شهدته بريطانيا من اضطرابات قبل عام. لكن إذا كانت الولايات المتحدة بصدد المرور بتجربة ليز تراس الخاصة بها، فلن يكون الضرر قاصراً على داخل أراضيها فقط.

تابعوا حال الخليج الاقتصادي عبر جوجل نيوز

كلمات دالة:

أخبار متعلقة :