ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأربعاء 16 أكتوبر 2024 11:49 مساءً - ديفيد لوبين
الكاتب زميل باحث لدى «تشاتم هاوس» والرئيس السابق لاقتصاديات الأسواق الناشئة في «سيتي»
عندما بدأت ضغوط التضخم العالمي في الارتفاع أوائل عام 2021، كانت البنوك المركزية بالأسواق الناشئة، هي أول من استجاب لذلك. ورفعت البنوك المركزية في البرازيل وروسيا وتركيا أسعار الفائدة في مارس من ذلك العام، وتبعتها بعد ذلك بوقت قصير، مجموعة بنوك مركزية أخرى.
على النقيض من ذلك، اتسمت تحركات البنوك المركزية في الدول المتقدمة ببطء كبير، ولم يقرر الاحتياطي الفيدرالي رفع سعر الفائدة إلا في مارس 2022، وتبعه البنك المركزي الأوروبي في يوليو من العام نفسه. وقد يوحي ذلك بأن الاقتصادات الناشئة، كان يجب أن تكافأ بفوز مبكر وحاسم في السباق ضد التضخم، لأنها كانت سريعة منذ البداية.
لكن الأمور لم تسر على هذا النحو تماماً. فقد عاد التضخم في العالم المتقدم إلى المستهدف حالياً، ما يترك مجالاً واسعاً أمام المصارف المركزية في الاقتصادات المتقدمة لمواصلة خفض الفائدة.
في أغسطس الماضي انخفض متوسط معدل التضخم في اقتصادات مجموعة السبع دون مستهدفه البالغ 2%، للمرة الأولى منذ أواسط عام 2021. في المقابل، تواجه الاقتصادات الناشئة وقتاً عصيباً. وإذا نظرنا إلى مجموعة مكونة من 16 دولة نامية بارزة، باستثناء الصين، لوجدنا أن متوسط معدل التضخم ما زال عند مستوى 3.6%، متخطياً متوسط مستهدف التضخم البالغ 3%، بمقدار 0.6 نقطة مئوية.
صحيح أن هناك بعض الدول، مثل جنوب أفريقيا والمجر، التي نجحت في خفض معدلات التضخم من جديد إلى مستوياتها المستهدفة، لكن لم تتمكن بلدان كثيرة من فعل ذلك. إذن، كيف تمكنت دول مجموعة السبع، رغم بطء استجابتها، من التغلب على الأسواق الناشئة الأسرع استجابة؟.
أحد أبرز الأسباب يكمن في ديناميكية محددة بالأسواق الناشئة. وهي أنه عندما تتعامل الولايات المتحدة مع مشاكل التضخم الخاصة بها، فإن هذا يصعب على الاقتصادات الناشئة التعامل مع مشاكلها. ويرجع ذلك إلى أن تشديد السياسة النقدية في أمريكا يمتص رؤوس الأموال بعيداً عن الاقتصادات الناشئة، مع ما يترتب على ذلك من ضعف عملاتها، ويجعل من الصعب على هذه البنوك المركزية كبح جماح التضخم. وفي الواقع، كانت الأعوام القليلة الماضية فترة سيئة بالنسبة لعملات الأسواق الناشئة، وبشكل عام، ارتفع الدولار من حيث القيمة الاسمية بأكثر من 10%، مقارنة بما كان عليه منتصف عام 2021.
ولا يعود كل ذلك إلى تشديد السياسة النقدية الأمريكية. لكن هذه المفارقة، يجب أن تقدم بعض الأمل للبنوك المركزية في الأسواق الناشئة حالياً. وبما أن الاحتياطي الفيدرالي بدأ يخفض سعر الفائدة الآن، فمن المفترض أن يكون مفتوحاً بشكل أكبر، أما انخفاض قيمة الدولار مما كان عليه في الماضي، وأن يساعد تيسير السياسة النقدية في دفع رؤوس الأموال مرة أخرى نحو الاقتصادات الناشئة، بما يساعد عملاتها على تعزيز قوتها، وأن تصبح معدلات التضخم تحت السيطرة بشكل أكبر.
وهناك عوامل مرتبطة بالاقتصاد الصيني، تدعم تراجع التضخم. ورغم ميلها مؤخراً نحو التحفيز الاقتصادي، فإن نمو الصادرات سيستمر في الظهور بقوة في استراتيجية بكين الاقتصادية. وتبرز الواردات الصينية الرخيصة في كل مكان على نحو متزايد.
وفي حين يقترب معدل نمو حجم الواردات العالمية من الصفر، فإن معدل نمو حجم الصادرات الصينية يبلغ نحو 10%، بحسب معهد «سي بي بي» الهولندي للبحوث. واستحواذ الصين عل حصة متزايدة من السوق العالمي، يمضي قدماً. وينطبق ذلك على وجه الخصوص، على الدول النامية.
وكان عام 2023 الأول الذي يجيء فيه أكثر من نصف الفائض التجاري للصين من التجارة مع الدول النامية. ورغم أن هذا الفائض يمكن أن يكون مصدر إزعاج لكثير من الاقتصادات الناشئة، ما انعكس في زيادة استعدادها لفرض قيود تجارية ضد الصين، إلا أنه كان هناك جانب إيجابي مضاد للتضخم في كل ذلك.
في مقابل كل هذا، تقدم البرازيل، التي استأنفت تشديد سياستها النقدية، دعوة تحذير. فبفضل السياسة المالية مفرطة التيسير، تمتع الاقتصاد بنمو قوي، بطريقة تمكّنت من خلالها أسواق العمل من الحفاظ على قوتها، لكن تضخم مرتفع للغاية في قطاع الخدمات.
وفي تركيا، لا تزال السياسة المالية مفرطة التيسير، كما تعتمد استراتيجية المركزي في التصدي للتضخم كثيراً على إبقاء سعر الصرف مستقراً. ويساعد هذا على خفض معدل تضخم السلع الأساسية المتداولة، البالغ 28% حالياً، بينما يظل تضخم الخدمات غير المتداولة أعلى، حيث يتجاوز 73%.
وبما أن هناك دولاً أخرى قد يصبح فيها الانضباط في السياسة المالية موضع شك متزايد، مثل المكسيك أو بولندا أو إندونيسيا أو المجر أو تايلاند، فستحتاج بنوكها المركزية إلى أن تضع في اعتبارها مخاطر أن تؤدي الميزانيات المتساهلة إلى ضغوط تضخم غير مرحب بها.
وبشكل عام، لا داعي للقلق، ولا مجال للرضا عن النفس، في جهود الاقتصادات الناشئة لخفض التضخم إلى المستويات المستهدفة أو المعقولة. لكن إذا كان هناك شيء واحد يمكن أن يجعل الاقتصادات الناشئة تفقد المزيد من الزخم، فمن المرجح أن يكون عدم الانضباط المالي.
أخبار متعلقة :