تقرير الوظائف الأمريكي.. بارقة أمل أم مجرد وهم؟

ابوظبي - ياسر ابراهيم - الخميس 10 أكتوبر 2024 01:23 صباحاً - روبرت أرمسترونغ - آيدن رايتر

Advertisements

فاق تقرير الوظائف بالولايات المتحدة، والصادر منذ أيام، كل التوقعات، حيث أظهر إضافة 254 ألف وظيفة جديدة خلال شهر سبتمبر الماضي، كما انخفض معدل البطالة من 4.2 % إلى 4.1 %. علاوة على ذلك، تم تعديل البيانات الهزيلة للوظائف خلال شهري يوليو وأغسطس، بزيادة قدرها 55 ألفاً و17 ألفاً على التوالي، ما خفف من حدة التباطؤ التي دفعت الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس.

وقد أعقب ذلك حماس عام، وقال أوستن جولسبي رئيس الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو، خلال مقابلة مع تلفزيون بلومبرغ، إن التقرير «رائع». ووصفته شروتي ميشرا الخبيرة الاقتصادية الأمريكية في بنك أوف أمريكا، بأنه «ممتاز». في حين أشار آخرون إلى أنه يمثل نهاية لمخاوف الركود.

يبدو هذا الثناء مبالغاً فيه بعض الشيء، فالصورة العامة لم تتغير كثيراً. فخلال الشهر الماضي، كتبنا «اهمس بها، أو اهتف، أو حتى اكتبها على شكل وشم، لا يزال هناك ركود في الأفق». وهذه حقيقة لا مراء فيها. فما حصلنا عليه من تقرير الوظائف، هو تأكيد لما كانت تشير إليه بيانات أخرى كثيرة. فقد كان نمو الناتج المحلي الإجمالي قوياً عند 3.0 %، (ولم يتم تعديله) في الربع الأخير، وكانت مسوحات المعهد الأمريكي لإدارة التوريد لشهر سبتمبر قوية، خاصة في ما يتعلق بالطلبات الجديدة.

وتفسيرنا للبيانات هو أن «الشهر الواحد يمثل شهراً واحداً فقط». وهذا ينطبق على الأخبار الجيدة والسيئة، على حد سواء. وما زلنا نملك فهماً محدوداً للاقتصاد ما بعد الجائحة، كما كانت البيانات المتعلقة بالعمالة متقلبة وتصعب قراءتها.

وفي وقت سابق من العام، نقح مكتب إحصاءات العمل تقديراته للعام السابق إلى 818 ألف وظيفة، بسبب مشكلات هيكلية في نموذج المواليد والوفيات. ويمكن أن تخضع بيانات هذا العام لمراجعات ضخمة. ورغم أن إضافة 254 ألف وظيفة جديدة، يعد تحسناً ملحوظاً، مقارنة بـ 159 ألف وظيفة في أغسطس، فقد لا يكون الرقم جيداً إلى هذا الحد. وكما ذكرنا مؤخراً، فقد أدت الهجرة إلى زيادة القوى العاملة في الولايات المتحدة. وعدد الوظائف المطلوبة للوصول إلى نقطة التعادل، أي الوظائف الجديدة الشهرية المطلوبة لمنع ارتفاع معدل البطالة، أقرب إلى 230 ألف وظيفة، بدلاً من التقديرات السابقة البالغة 100 ألف وظيفة.

وإن كان هناك أثر ما للتقرير، فهو تحويل تركيز الاحتياطي الفيدرالي بشكل هامشي، بعيداً عن مخاوف الركود، وتوجيهه نحو المخاوف من تسارع معدلات التضخم مرة أخرى. وفي الوقت الراهن، يبدو أن التضخم على وشك الخضوع للترويض، وإن لم يتم التغلب عليه تماماً. وأحد العوامل التي لا تزال تثير المخاوف عامل نمو الأجور، الذي ظل عند نسبة 4 %، أي أعلى بنقطة مئوية من الاتجاه السائد قبل الجائحة، وذلك لمدة ستة أشهر حتى الآن. وقد يؤدي اشتعال الصراعات في الشرق الأوسط، إلى استمرار ارتفاع أسعار النفط أيضاً. كما أن مقاييس التضخم تزحف ببطء.

وهذه المخاوف العالقة، رغم صغرها، إلا أنها كافية للدفع باتجاه استبعاد خفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في نوفمبر. وقد نكون أقرب إلى المعدل المحايد مما كنا نفترض سابقاً، وسترغب اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في مواصلة التحرك بحذر. وترجح جميع توقعات سوق العقود الآجلة تقريباً، إجراء خفض قدره 25 نقطة أساس الشهر المقبل.

لكن ماذا يحدث في الطرف البعيد من المنحنى؟ رغم أن التحرك ليس ضخماً، إلا أنه كبير بما يكفي ليتطلب تفسيراً: هناك حركة بيع للسندات طويلة الأجل. وبدأت العائدات في الارتفاع في اليوم السابق لاجتماع الفيدرالي الشهر الماضي، ولم تتوقف منذ ذلك الحين. وهذا التحرك غير منطقي إلى حد ما، لأن أسعار الفائدة طويلة، تتألف من أسعار الفائدة قصيرة الأجل المتوقعة، وهذه الأسعار آخذة في الانخفاض. ومن المفاجئ أيضاً، أنه عندما خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي بمقدار 50 نقطة أساس، ارتفعت العوائد، ثم عندما صدر تقرير الوظائف القوي، الذي قلل فرص خفض 50 نقطة أساس أخرى، ارتفعت العوائد مرة أخرى.

وقد تجاوز ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية زيادة معدلات الأسعار الاسمية. ومنذ يوم 16 من الشهر الماضي، ارتفعت العائدات الحقيقية (العائدات على سندات الخزانة المحمية من التضخم لمدة 10 سنوات)، بمقدار 19 نقطة أساس، في حين ارتفعت العائدات الاسمية بمقدار 15 نقطة أساس أخرى. وقد يكون هناك عدة تفسيرات، منها:

- ربما تم فهم خفض الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس وتقرير الوظائف القوي، على أنهما إشارة إلى انخفاض احتمالات الركود. وهذا يجعل سندات الخزانة أقل جاذبية، ويجعل الأصول الخطرة، مثل السندات التجارية والأسهم، أكثر جاذبية. وستكون إعادة موازنة المحافظ الاستثمارية نحو المخاطر أمراً مبالغاً فيه، إذا كان المستثمرون على المدى القصير يراهنون بقوة على أن بيانات الوظائف ستتراجع، وأن الفيدرالي سيضطر لإجراء خفض سريع للفائدة. ويشير جو ماهر من كابيتال إيكونوميكس، إلى أن تقرير الوظائف القوي كان مدعوماً ببيانات قوية أخرى، ما أثار تساؤلات حيال «ما إذا كان الفيدرالي بحاجة إلى خفض الفائدة في نوفمبر».

- ربما أصبحت الأسواق تشعر بالقلق من أن الفيدرالي قد خفض الفائدة بشكل كبير، وبالتالي، سيتعين رفع الفائدة بشكل أكبر العام المقبل وما بعده. ويزعم أنشول برادان وفريقه في باركليز، أن «رد فعل الفيدرالي المتساهل في مواجهة مرونة الاقتصاد، يبرر الحاجة إلى رفع سعر الفائدة، ولا تزال العائدات على السندات لأجل 10 سنوات منخفضة بنحو 20 نقطة أساس، وتركيز الفيدرالي لا يزال منصباً على خفض التضخم، ولا يزال يرى أن المعدل المحايد منخفض». كما أن ارتفاع أسعار النفط، يضمن بقاء خطر عودة التضخم مطروحاً.

- قد تأخذ الأسواق في الحسبان زيادة تقلبات أسعار الفائدة، ما يتطلب ارتفاع كل من الأسعار الحقيقية والاسمية. ويرى جيم سارني من بايدن آند رايجل، أن «تقلب العائدات الاسمية، هو المتسبب في ذلك، وليس النظريات المعقدة والعميقة حول العائدات الحقيقية... وهذا التقلب في العائدات كان متوقعاً في الفترات التي تلي تحركات كبيرة في الأسعار».

هذه التفسيرات لا تتعارض بالضرورة، لكننا نفضل التفسير الثالث، لأنه يعكس الاعتقاد بأننا في مرحلة غير مؤكدة للغاية بالنسبة لأسعار الفائدة، حيث يقوم الفيدرالي بتغيير اتجاه سياساته، وتستمر تداعيات الجائحة في التراجع. (وفي حين يمكن الشعور بعدم اليقين في كل مرحلة، فإننا نزعم أن هذه المرحلة هي الأبرز).

أخبار متعلقة :