«جوجل» في مواجهة القضاء.. تقييد الشركة أم تفكيكها؟

ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأربعاء 9 أكتوبر 2024 01:27 صباحاً - ستيفانيا بالم - ستيفن موريس - داريا موسولوفا

Advertisements

لم يكن الفوز في قضية مكافحة الاحتكار ضد «جوجل» مهمة سهلة. فقد تطلب الأمر 4 سنوات من التحضير الدؤوب من قبل وزارة العدل لجمع الأدلة وإثبات هيمنة الشركة على سوق محركات البحث. لكن الرحلة لم تنتهِ بعد، فما سينتهي إليه هذا الانتصار يتوقف على الخطوات القادمة.

قد تتراوح الجزاءات المقترحة بين تقييد قدرة «جوجل» على إبرام صفقات حصرية لمحرك البحث، لُب القضية، وقد تصل الأمور حتى إلى تفكيك الشركة قسراً. ومن المُقرر انعقاد جلسات استماع تدوم لأيام بشأن المُقترح في أبريل المقبل، وهناك مسعى لإصدار حكم بحلول أغسطس 2025.

ومن شأن العقوبات أن تؤدي إلى تحوّل كبير في أعمال «جوجل»، التي دفعت بالشركة الأم «ألفابيت» بقيادة الرئيس التنفيذي سوندار بيتشاي، إلى مصاف أعلى الشركات تقييماً على مستوى العالم. وبالمثل، قد تكون الأمور متأخرة للغاية لوضع حد لهيمنة «جوجل»، التي أصبح اسمها مرادفاً للبحث على الإنترنت.

ويرى ويليام كوفاسيتش، الرئيس الأسبق لمفوضية التجارة الفيدرالية وهو جمهوري: «أنها خطوة أولى مهمة نحو فرض مزيد من القيود على جوجل، لكن هناك الكثير من العقبات التي ينبغي تجاوزها أولاً».

ويسلّط الانتصار الذي حققته وزارة العدل في قضية مكافحة الاحتكار ضد واحدة من كبرى شركات التكنولوجيا، الضوء على الطبيعة الرتيبة والسياسية لإنفاذ قواعد مكافحة الاحتكار. وعلى سبيل المثال، فإن الحكم، الذي قضى في عام 2000 بتفكيك «مايكروسوفت» بسبب سحقها غير القانوني للمنافسة، جرى وقف تنفيذه في درجة الاستئناف. وتوصلت الشركة في النهاية إلى تسوية مع إدارة جورج دبليو بوش التي تعد الأكثر وداً تجاه الشركات.

وستتمثل أكثر الخطوات قسوة من جانب وزارة العدل في المطالبة بتفكيك «جوجل» أو فصلها أعمال المتصفح «كروم» أو نظام تشغيل «أندرويد» للهواتف الذكية المُتضمنين في محركها للبحث. ونادراً ما يكون هناك سعي لمثل هذا النوع من الإجراءات الهيكلية أو الموافقة عليها، لكن أشخاصاً مثل جوناثان كانتر، رئيس قسم مكافحة الاحتكار في وزارة العدل الذي يُعرف بإنفاذه الصارم للقوانين، قد يفكرون في طرح مثل هذه الأفكار.

وقال شخص مطلع على نهج وزارة العدل: «إن كنت تحاول إيجاد منافسة لكن سلوكك تسبب في وضع عراقيل أمام الدخول إلى السوق، فسيتمثل الحل في إزالة هذه الحواجز».

وتشمل العقوبات الأخف، فرض قيود على قدرة «جوجل» على دفع المُستحقات لشركتي «أبل» و«سامسونغ» المصنعتين للهواتف الذكية أو الحد منها، أو لـ«موزيلا» لتفرض نفسها كخيار بحث افتراضي.

وهناك حل آخر، تكون «جوجل» مُطالبة فيه بمشاركة ما جمعته من بيانات المستخدمين لمساعدة منافسيها في بناء أدوات البحث الخاصة بهم أو تحسينها، لكن من شأن ذلك أن يمثل انتهاكاً للقواعد الصارمة لحماية البيانات في كل من الولايات المتحدة وأوروبا.

يعتقد هربرت هوفينكامب، الأستاذ بكلية الحقوق في جامعة بنسلفانيا، أن جوناثان كانتر قد «يحاول على الأقل السعي إلى شيء أبعد من مجرد أمر تقييدي»، من شأنه منع الشركة من معاودة الانخراط في سلوكيات مخالفة.

وبحسب مارك شموليك، المحلل لدى «بيرنشتين»: «تواجه أشرعة جوجل رياحاً غير مواتية، بعد إبحارها السلس لقرابة 20 عاماً». ولفت إلى وجود «مئات الحلول المُحتملة لمحركات البحث»، وأنه «من المُستبعد للغاية أن تخرج جوجل من كل هذا دون أن تصاب بخدوش».

وتواجه «ألفابيت» هي أيضاً دعوى قضائية منفصلة رفعتها وزارة العدل إثر سلوك مُعادٍ للمنافسة في أعمالها للإعلانات الرقمية. وانتهت المحاكمة الأسبوع الماضي، ومن المُقرر الاستماع إلى المرافعات الختامية خلال الأسبوع الأخير من نوفمبر المقبل. أعلنت الشركة أنها مستعدة للاستئناف ضد قرارات القضاة حتى وإن وصل الأمر إلى المحكمة العليا إذا ما تطلب الأمر ذلك، ما يعني أن إنفاذ أي من الحلول قد يستغرق أعواماً.

وقال بين رايتزس، محلل التكنولوجيا لدى «ميليوس ريسيرش»: «لدى جوجل محامون أكفاء للغاية ولن تكف عن التصدي للقضايا بسهولة»، وتابع: «تتمثل رسالتنا إلى المستثمرين في وجوب عدم التوصل إلى استنتاجات نهائية في الوقت الراهن، إذ يراودنا شعور بأن الأمر ليس بالسوء الذي يبدو عليه».

وأشار القرار الصادر عن القاضي أميت ميهتا، إلى أن نحو 90% من الاستفسارات على محركات البحث في الولايات المتحدة خلال عام 2020 مرت عبر «جوجل»، وبلغت النسبة 95% بالنسبة للهواتف الذكية. ولا تواجه الشركة أي منافسة حقيقية، فقد شكّل أقرب المنافسين، وهو محرك بحث «بينغ» التابع لشركة «مايكروسوفت»، 6% من إجمالي عمليات البحث.

وتولّد أعمال الإعلان التي دمجتها «جوجل» بأعمال البحث إيرادات مهولة، حيث ولّدت ما قدره 175 مليار دولار في العام الماضي، أي أكثر من نصف إجمالي إيراداتها البالغ 307 مليارات دولار. وأنفقت الشركة بسخاء على حماية هذا المصدر المهم للدخل. ولفت القاضي ميهتا إلى أن مدفوعات الشركة لكل من «أبل» و«موزيلا» ليكون «جوجل» هو محرك البحث الافتراضي لهما فاقت 26 مليار دولار في عام 2021.

من جانبها، حاولت المفوضية الأوروبية كبح القوة السوقية التي تتمتع بها «جوجل» طوال أعوام. وعلى الرغم من فرضها عقوبات بمليارات الدولارات على الشركة، لكنها تمكنت من مواصلة الحفاظ على هيمنتها على المنطقة.

وبعد قرار المفوضية في عام 2018 الذي ذهب إلى استغلال «جوجل» لمكانتها المهيمنة على الهواتف الذكية، صار يتحتّم على مصنعي الهواتف التي يشغلها نظام «أندرويد» إتاحة اختيار المستخدمين الأوروبيين لمحرك بحث بأنفسهم لدى استخدامهم أجهزتهم للمرة الأولى.

وفرض قانون الأسواق الرقمية الجديد الصادر عن الاتحاد الأوروبي، التي تضمن إلزاماً بشأن ما يُدعى «حراس البوابات» دخل حيز التنفيذ في مارس هذا العام، العمل بـ«شاشات اختيار» جديدة على الهواتف المحمولة وقواعد تحول دون «تفضيل جوجل لخدماتها» في نتائج البحث.

ومع ذلك، لم تؤثّر تدخلات بروكسل كثيراً على الوضع المهيمن لـ«جوجل». وبحسب شركة ستات كاونتر لتتبع الأنشطة، واصلت «جوجل» الاستحواذ على أكثر من 90% من حركة البحث في أوروبا حتى يوليو الماضي.

ذهب بيل باير، الذي ترأس قسم مكافحة الاحتكار في وزارة العدل إبان فترة رئاسة باراك أوباما، إلى القول: «من الواضح أن كلاً من أوروبا والولايات المتحدة يتشاركان القلق بشأن إساءة استخدام جوجل لمكانتها المهيمنة، لكن ما يُظهره قانون الأسواق الرقمية للاتحاد الأوروبي حتى الآن هو وجود صعوبة شديدة في معاودة العمل بقواعد المنافسة بمجرد التخلي عنها. لكن ستكون الولايات المتحدة، بالاشتراك ومحكمة المقاطعة، حالياً في وضع يمكّنها من محاولة التوصل إلى حلول مُبدعة، للعمل على تفكيك هيمنة جوجل غير القانونية».

علّق شخص على اطلاع بتوجهات «جوجل»، على مواصلتها دفع مقابل لاتفاقيات محرك البحث الافتراضي، على الرغم من اختيار المستخدمين لـ«جوجل» على حساب منافسيها بغض الطرف عما إذا مُنِحوا الاختيار في أوروبا، وبين أن السبب يتمثل في كيفية اختيار مصنعي الهواتف الذكية والمتصفحات تشغيل منصاتهم. واستطرد: «تحظى أبل وموزيلا بالقدرة على تصميم المنتج ويقرران كيف ستنافس جوجل على المنتج وتقديمها العروض»، موضحاً: «تتماهى جوجل مع هذا الأمر للتنافس على مساحة العرض».

تتسم حركة الوكالات الفيدرالية الأمريكية تقليدياً بالبطء بينما تمضي «جوجل» قدماً في بناء إمبراطوريتها. وأجرت لجنة التجارة الفيدرالية تحقيقاً فيما سبق طوال عامين في شؤون الشركة لبيان مدى صحة مزاعم إعطائها الأولوية لمحتواها هي على صفحات نتائج البحث، لكن اللجنة تخلّت عن القضية في عام 2013 بسبب نقص الأدلة. ونمت حصة «جوجل» من استفسارات البحث داخل الولايات المتحدة منذ ذلك الحين، مما يمنح آفاقاً ضئيلة لمنافسيها من كبرى شركات التكنولوجيا والشركات الناشئة التي قد تضخ استثمارات في منتجات منافسة.

ويعتقد أحد المديرين السابقين لدى «جوجل» والذي يعمل حالياً لحساب شركة بحث منافسة، أن «الحُجة المحورية للقضية قد لا تكون ذات أهمية من الناحية العملية»، بحلول الوقت الذي ستُعلن فيه الحلول وتنتهي فيه عملية الاستئناف. وأسهب: «التأثير الحقيقي على جوجل يُبطئ من خطوات المسؤولين التنفيذيين في الوقت الحالي لانشغالهم في التعاطي مع هذه المشكلات، مما يتيح فرصاً كبيرة لشركات ناشئة أخرى».

ومع ذلك، أبدى محام متخصص في قضايا مكافحة الاحتكار على اطلاع بالأمر، عدم اتفاقه مع هذا الرأي، وذهب إلى احتمالية أن يتخذ القاضي أميت ميهتا «إجراءات مؤقتة بينما تُنظر الاستئنافات» وحتى «يتوفر لديه التقدير بشأن أي المسارات سيسلك». وأضاف أن الحكم ضد «مايكروسوفت» يظل مهماً. واستطرد: «كان له تأثير لأنه غيّر من ممارسات الشركة». ويُشار إلى أن الحجج التي دفع بها المحامون في تلك القضية كانت الأساس الذي استندت إليه الدعوى القضائية ضد «جوجل». وعقدت وزارة العدل مقارنة بين الاتفاقيات الحصرية التي أبرمتها «جوجل» واتفاقيات «مايكروسوفت» التي وقعتها مع مصنعي أجهزة حاسوب شخصي للترويج لمتصفحها «إنترنت إكسبلورر» ولتقويض منافستها «نتسكيب».

وأشار آخرون إلى أن قضية «جوجل» لا تناسب وقتها، بالنظر إلى التهديد الذي قد يمثله بروز الذكاء الاصطناعي التوليدي وروبوتات الدردشة على محركات البحث التقليدية. وتعمل شركة «أوبن إيه آي» على تطوير نموذج أولي لأداة بحث باسم «سيرش جي بي تي» للتنافس مع «جوجل»، وتمولها شراكة بقيمة 13 مليار دولار بالاشتراك مع «مايكروسوفت» ومليارات الدولارات الأخرى من أموال رأس المال المغامر. كما عقدت الشركة صفقة مع «أبل» لتضمين «تشات جي بي تي» في مساعدها «سيري» للإجابة عن التساؤلات، وهو تطور من شأنه التقليل من عدد عمليات البحث التي تمر عبر متصفح «سافاري» الذي يستخدم خدمات «جوجل». وهناك شركات ناشئة أخرى سريعة النمو في مجال البحث المدعوم بالذكاء الاصطناعي، مثل «بيربلكسيتي» و«يو دوت كوم»، لكن التهديد الذي تمثله لـ«جوجل» يبقى ضعيفاً.

ولفت المدير السابق لدى جوجل إلى أن «الطريقة التي يتطور بها «سيرش جي بي تي» ستؤثر كثيراً على الحل النهائي لهذه القضية وكيف ستتعامل الصناعة مع البروز المُحتمل للمنتج الجديد الذي يمكن أن يكون تأثيره مزعزعاً، خاصة أنه يمكن القول إنه لم يكن هناك شيء مزعزع حقاً بالنسبة لغوغل خلال العشرين عاماً الماضية».

وبغض النظر عن الحلول التي سيختارها القاضي، فإن استنتاجات ميهتا تؤكد مدى تغير وجهة النظر السياسية للحزبين في الولايات المتحدة بشأن إنفاذ إجراءات مكافحة الاحتكار ضد كبرى شركات التكنولوجيا. فطوال أعوام، تساهلت سياسة مكافحة الاحتكار مع نمو الشركات، طالما لا يتعرض المستهلكون لأذى عبر ارتفاع الأسعار.

من ناحية أخرى، سار دونالد ترامب عكس التوجه الأكثر تساهلاً في مكافحة الاحتكار مقارنة بأسلافه الجمهوريين، فقد انطلقت التحقيقات ضد محرك بحث «جوجل» خلال إدارته، وقبل تسلّم إدارة بايدن زمام الأمور، والتي عيّنت اثنين من التقدميين كمسؤولي إنفاذ للقانون بشأن قواعد مكافحة الاحتكار، وهما جوناثان كانتر، ولينا خان في لجنة التجارة الفيدرالية.

ويتولى كانتر تحقيقاً آخر ضد «أبل»، بينما تمضي لجنة التجارة الفيدرالية قدماً في قضيتين ضد «ميتا» و«أمازون». وذكر ويليام كوفاسيتش، أن قرار ميهتا كان بمثابة «دفعة قوية» لهذه الجهود «لأنه يُظهر أن الحكومة بإمكانها تحقيق الانتصار».

ومع ذلك، لا توجد ضمانات بأن تكون الإدارة الثانية لترامب، حال فوزه في نوفمبر، ستكون أكثر تهاوناً مع كبرى شركات التكنولوجيا، رغم أن مواجهة قوة هذه الشركات ثبُت كونها موقفاً يحظى بتأييد شعبي كبير من أنصار كلا الحزبين. وصرح مُرشح ترامب لمنصب نائب الرئيس، جيه دي فانس، لصحيفة «فاينانشال تايمز» مؤخراً، بأن «جوجل كبيرة للغاية وقوية جداً»، وأنه «يتعين تفكيكها».

وقد أدى ذلك بشركات التكنولوجيا إلى المسارعة للدفاع عن نفسها في القضايا التي تهدد إمبراطورياتها. وتعيد الآن كبرى شركات التكنولوجيا التفكير في قواعد عقد الصفقات، في ضوء الهوس الحالي بالذكاء الاصطناعي. وأجرت كل من «جوجل» و«مايكروسوفت» و«أمازون» بالفعل مجموعة من التعيينات تركز فيها على الموظفين من الشركات الناشئة الواعدة في مجال الذكاء الاصطناعي، في ما يعتقد نقاد أنه مُصمم بحيث تتفادى الشركات الوقوع في شرك قواعد مكافحة الاحتكار.

وقال بيل باير إن حكم ميهتا «يعزز مبدأ مكافحة الاحتكار بالولايات المتحدة، لأنه حتى إن كنت كبيراً في السوق لأنك كنت سبّاقاً إلى فكرة أفضل وكنت أول المنفذين لها، لكن ليس بإمكانك اتخاذ خطوات من شأنها الحيلولة دون تحدي آخرين لك وتحقيقهم النجاح في السوق». وأضاف: «ما فعله القاضي ميهتا كان وكأنه يقول: هذه هي الحدود، وقد تم تخطيها كثيراً».

أخبار متعلقة :