لماذا لا تستطيع أمريكا فرض إرادتها على سوق السيارات الكهربائية؟

ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأحد 6 أكتوبر 2024 12:57 صباحاً - ألان بيتي

Advertisements

طرحت الولايات المتحدة حظراً واسع النطاق على البرمجيات الصينية المستخدمة في أي مركبة كهربائية تباع داخل أراضيها. وبعد معركة ضغوط شرسة، صوتت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، لصالح فرض تعريفات جمركية على واردات المركبات الكهربائية من الصين.

يبدو الأمر كما لو أن الاقتصادات الثرية تتكاتف سوياً لبناء حواجز تجارية ضد المنافسة الصينية. لكن من الناحية العملية، فإن التكتيكات مختلفة تماماً، حيث يعمل الأوروبيون على الاندماج مع الصناعة الصينية، بينما يحاول الأمريكيون الانفصال عنها.

وكما هي الحال مع كثير من سياساتها الجيوستراتيجية تجاه بكين، تريد واشنطن أن يتبنى حلفاؤها نموذجها الأكثر تشككاً في الصين. رغم ذلك، فشلت الولايات المتحدة في وضع الأسس الاقتصادية على الصعيد المحلي، بما يمنحها نفوذاً طاغياً.

وتتسم الهيمنة الصينية على قطاع المركبات الكهربائية، بأنها استثنائية من حيث الحجم، إذ تصنع الصين وتملك أكثر من نصف المركبات الكهربائية على مستوى العالم، بما في ذلك السيارات الهجينة.

لكن أيضاً، على عكس الأجيال السابقة من السلع الاستهلاكية، مثل الإلكترونيات والملابس، تهيمن العلامات التجارية الصينية على السوق، وما إذا كان ذلك يعود إلى عقود من الدعم الحكومي، يظل أمراً خاضعاً للنقاش. لكن الأمر غير القابل للنقاش، هو أن الشركات الصينية تنطلق من سوق محلية شديدة التنافسية، ولديها فائض من العرض، وتتمتع بقدرات تنافسية شرسة على الساحة العالمية، وينطبق ذلك أيضاً على الشركات الأجنبية التي تصدر بشكل متزايد من قواعدها الصينية. وتحظى العلامات التجارية الصينية بالريادة في تطوير البرمجيات التي تحسن أداء مركباتها.

وبالنسبة للشركات ذاتها، فإنها تعي هشاشة وجودها في السوق الصينية، وتحتاج إلى إقامة مشروعات مشتركة في أوروبا، وهي تعارض فرض التعريفات بصفة عامة. أما الدول متوسطة الدخل، مثل تركيا والبرازيل، فترغب في زيادة الإقبال المحلي على المركبات الكهربائية، وتتودد إلى المنتجين الصينيين.

وحتى مع أخذ النزعة الحمائية في الاعتبار، قد يكون لدى إدارة جو بايدن وجهة نظر حول التهديدات الأمنية للمركبات الكهربائية، باعتبارها «هواتف ذكية على إطارات»، مع قدرة الشركات المصنعة على جمع بيانات شخصية، وربما التحكم في السيارات عن بعد.

لكن البيئة غير مواتية لمأمور الشرطة الأمريكي لوضع ملصقات «مطلوب لسرقة البيانات» في جميع أنحاء المكان، ومحاولة طرد المنتجين الصينيين من المدينة.

إن الإغراء بالوصول إلى السوق الأمريكية، الذي تمارس من خلاله واشنطن عادة السيطرة على السياسات التجارية والتكنولوجية لدول أخرى، أضعف مما ينبغي. فلقد تركت تفضيلات المستهلكين الأمريكيين، وهيمنة شركات تصنيع السيارات في ديترويت، سوق المركبات الكهربائية الأمريكية متخلفة بشكل مثير للشفقة.

وفي عام 2023، بلغت حصة المركبات الكهربائية من إجمالي المبيعات 10 %، مقارنة بـ 38 % في الصين، و21 % في الاتحاد الأوروبي، وحتى الإعفاءات الضريبية للسيارات الكهربائية في قانون بايدن لخفض التضخم، لم يكن لها حتى الآن سوى تأثير محدود.

ومن الواضح أن أسعار المركبات الكهربائية في السوق الأمريكية أعلى بكثير، مقارنة بمثيلاتها في الصين والاتحاد الأوروبي، وخاصة عند مقارنتها بالمركبات التقليدية. وقد عملت واشنطن على تخفيف الضغوط التنافسية، من خلال عزل سوقها أمام المصدرين الصينيين، بفرض تعريفات جمركية بنسبة 100 %.

ويشبه الأمر إلى حد ما، الجلبة التي أثارتها شبكات الجيل الخامس، وهو المجال الذي تتبنى فيه الولايات المتحدة أيضاً آراء قوية جداً بشأن المعدات التي يجب على الحلفاء الابتعاد عنها، مثل تلك التي تنتجها «هواوي»، رغم عدم وجود منافس أمريكي قوي.

وتمكنت واشنطن في هذا السياق من تحقيق «نصف نجاح»، في ما يتعلق بشبكات الجيل الخامس، حيث يتم ببطء، تنفيذ هذه القيود في الاتحاد الأوروبي، لكن ليس في العديد من الأسواق الناشئة. وبالمقارنة، فإن الولايات المتحدة في وضع أضعف، في ما يتعلق بالسيارات.

وبالنسبة للحلفاء الموثوقين في السياسة الخارجية الأمريكية، مثل أستراليا والمملكة المتحدة، حيث تم استبعاد «هواوي» كلياً من شبكات الجيل الخامس، فمن غير المحتمل تكرار الأمر نفسه، في ما يتعلق ببرمجيات المركبات الكهربائية الصينية.

فأستراليا، التي انتهت صناعة السيارات لديها قبل 40 عاماً، تعد مستوردة متحمسة للمركبات الكهربائية الصينية. والمملكة المتحدة، التي تسعى جاهدة لاستمرار صناعة السيارات لديها بعد صدمة «بريكست»، تتودد باستمرار إلى الشركات الصينية لاجتذاب استثمارات أجنبية مباشرة.

ولا توجد سوى علامات تجارية بريطانية قليلة تحظى بوجود عالمي أكبر من سيارات الأجرة السوداء، التي تعرف بها لندن، أو الحافلات ذات الطابقين. وفي هذا السياق، تصنع شركة جيلي الصينية، النسخة الهجينة من سيارات الأجرة، وتهدف «بي واي دي»، إلى استبدال حافلات «رودماستر» التقليدية، بنموذج «بي دي 11» الخاص بها.

وكما هي الحال مع اللوائح التجارية الأمريكية بصفة عامة، هناك مجال فسيح لدى الجهات التنظيمية في الولايات المتحدة، لإعفاء منتجين بعينهم من القواعد المنظمة للبرمجيات أو أنواع من الأنظمة.

وبحسب مايكل دون الرئيس التنفيذي لشركة «دون إنسايتس»، التي تتخذ من سان دييغو مقراً لها، فإن الكثير من برمجيات السيارات مفتوحة المصدر، ولا تتضح هوية من أضاف أي الأكواد في البرمجيات. وتساءل: «ما البرمجيات الصينية؟ وكيف يمكن تعريفها بدقة؟».

ويوجد للصين موطئ قدم ليس باليسير داخل السوق الأمريكية، وسيكون لزاماً على البلاد التكيف معه. تنتج «بي واي دي» حافلات كهربائية في مصنع بكاليفورنيا، ويوجد لدى «فولفو» التي تملكها «جيلي»، مصنع للسيارات في ولاية كارولاينا الجنوبية.

وقد يجبر التنفيذ الصارم صانعي السيارات، على إنشاء سلسلة توريد منفصلة في أمريكا الشمالية، تستخدم برمجيات غير صينية.

وفي هذه الحالة، يرى دون أن سوق السيارات العالمية قد تنقسم إلى جزأين، الأول عبارة عن جزيرة تضم الولايات المتحدة وكندا، وتنتج سيارات عالية السرعة، لكنها متأخرة تكنولوجيا، وسوق تتمتع بقدر أكبر من الاتصال الرقمي في بقية أنحاء العالم.

ومن المحتمل أن تجد المكسيك نفسها منقسمة بين الجانبين، وهي عضو في التكتل التجاري الذي يضم الولايات المتحدة وكندا، ولكنها تصدر السيارات خارجه.

وربما يكون تأخر الشركات الأمريكية تكنولوجياً، وضعف استهلاك الأسر في الولايات المتحدة، بمثابة خروج عن السياق التاريخي المعهود. لكن هذا هو الوضع في سوق المركبات الكهربائية.

ودون إنتاج محلي كافٍ، وملكية يعطيانها نفوذاً، ستواجه السياسة التجارية الأمريكية والتكنولوجية حيال المركبات الكهربائية صعوبة في أن تتمتع بنفوذ على سوق عالمية تتطور بسرعة.

أخبار متعلقة :