هل تساهم مستودعات المعلومات في تحسين عملية صنع القرار؟

ابوظبي - ياسر ابراهيم - الجمعة 4 أكتوبر 2024 08:15 مساءً - أنجانا أهوجا
المعلومات عالية الجودة تمثل أهمية بالغة لمعالجة قضايا متنوعة، بداية من تغيرات المناخ إلى الجريمة تطرح الحياة العصرية أسئلة ملحة يتعين على الحكومات البحث عن إجابات لها، مثل: هل العمل من المنزل يضر بالإنتاجية؟ هل الأحياء التي تشهد حركة مرورية منخفضة تحد فعلاً من تلوث الهواء؟

Advertisements

ورغم أن التجارب السريرية يمكن أن تعطينا نتائج منطقية وموثوقة حيال ما إذا كان الدواء أو العلاج فعالاً، فإننا غالباً ما نفتقر إلى ثقافة تقييم مشابهة عندما يتعلق الأمر بالأمور الأخرى، مثل منع الجريمة. لكن حالياً، يعمل ممولو الأبحاث على سد هذه الفجوة من خلال تطوير «مستودعات الأبحاث» أو مستودعات المعلومات والبيانات: وهي مراكز شاملة ومتاحة عالمياً لتقييم المعلومات حول موضوع معين.

وخلال الشهر الماضي، تعهد مجلس البحوث الاقتصادية والاجتماعية بالتعاون مع مؤسسة «ويلكون تراست» بتقديم نحو 54 مليون جنيه استرليني لتطوير قاعدة بيانات وأدوات لجمع وتحليل المعلومات في مجالات معقدة، مثل تغير المناخ وتحسين صحة كبار السن.

ووفقاً لمجلة نيتشر، فقد جرى الإعلان عن ذلك بالتزامن مع قمة المستقبل للأمم المتحدة، وهو مؤتمر في نيويورك يركز على تحسين العالم للأجيال القادمة، وتعد المستودعات الموثوقة للمعلومات عالية الجودة ضرورة لتغذية عملية صنع السياسات، فهي تعمل على ترسيخ دور الأدلة القوية في الشؤون العامة، وهذا الأمر مهم: لأن وضع السياسات غالباً ما يفتقر إلى الحيطة اللازمة، وقد يعني ذلك إهدار الأموال العامة على أفكار غير فعالة، أو ما هو أسوأ.

ولنأخذ على سبيل المثال برنامج «سكيرد سترايت»، وهو برنامج للوقاية من الجريمة بدأ في الولايات المتحدة منذ قرابة 40 عاماً وتم تبنيه لاحقاً في المملكة المتحدة، وكان الهدف من برنامج وقائي لحماية المراهقين من ارتكاب سلوك إجرامي من خلال تعريفهم بالسجناء، لكن هذه العلاقات مع المجرمين أثبتت عدم فعاليتها، حيث كشفت إحدى الدراسات أن الأطفال المشاركين في البرنامج كانوا أكثر عرضة لارتكاب الجرائم مقارنة بأولئك الذين لم يشاركوا في البرنامج.

كما أوضح ستيان ويستليك، رئيس مجلس البحوث الاقتصادية والاجتماعية، أن «هناك عجزاً بالغاً في الأدلة الجيدة المتاحة للحكومات وصناع السياسات لتقييم السياسات الفعالة، فعندما تنفق الحكومات أموال دافعي الضرائب أو تحاول حل المشكلات الكبيرة، فإنها في الأساس تبدو متخبطة كمن يطلق النار في الظلام».

من ناحية أخرى، يسلط ويستليك الضوء على عمل صندوق المنح للشباب في المملكة المتحدة، الذي يقيم السياسات الرامية إلى منع الشباب من ارتكاب الجرائم. وقد انضم الصندوق إلى مبادرة (What Works Network) التي أطلقتها الحكومة عام 2013 لسن سياسات في قطاعات مثل الجريمة والتعليم وظاهرة التشرد.

وتعد الشبكة وسيلة جيدة، فخلال عملي مديرة مدرسة، كنت ألجأ كثيراً إلى أحد مراكزها، وهي مؤسسة المنح التعليمية، لتشكيل فهمي لأمور مثل الواجبات المنزلية، ولكن، بعد عقد من تطوير الشبكة، ثمة الكثير الذي يتعين إنجازه. ولا يمكن للأدلة والمعلومات أن تحدث فرقاً إلا إذا عرف واضعو الخطط مواقع البحث وكيفية التطبيق على مجال عملهم الخاص.

ويدعم التمويل الذي تم الإعلان عنه أخيراً جهود مؤسسة كامبل كوربورايشن المرموقة، وهي منظمة غير ربحية تركز على تجميع نتائج البحوث في العلوم الاجتماعية، كما أن الذكاء الاصطناعي سيؤدي دوراً في ذلك.

حيث تتضمن عملية جمع المعلومات والأدلة إجراء بحث في قواعد البيانات عن الدراسات، وتقليصها على أساس الجودة والموثوقية، واستخراج البيانات المهمة وتلخيصها في استنتاج موجز.

وقد تستغرق العملية وقتاً طويلاً بين طرح مسألة من مسائل السياسة العامة والحصول على إجابة واضحة، يصل إلى أشهر عدة، ويمكن تسريع هذه العملية من خلال دمج الذكاء الاصطناعي والإشراف البشري.

ومن المثير للاهتمام أن موظفي الخدمة المدنية يختبرون أداء أداة للذكاء الاصطناعي تدعي «ريدبوكس كوبايلوت» لتحليل وتلخيص الوثائق الحكومية.

وذكر أحد الباحثين في مجلس البحوث الاقتصادية والاجتماعية لمجلة نيتشر، أن إحدى المزايا المحتملة للأداة أنها تتمتع بالوصول الفوري إلى مستودعات الأبحاث بالإضافة إلى ذلك، يتيح الذكاء الاصطناعي عمليات التحديث المستمرة، ما يسمح بما يشار إليه بـ«تجميع الأدلة الحية» المحدثة دائماً.

وبالإضافة إلى بناء مستودعات شاملة للمعلومات، يجب أن تكون هناك توقعات باستخدام الوزراء وموظفي الخدمة المدنية هذه الأدوات، مع توفير التدريب إذا لزم الأمر.

وهذا يتماشى مع مبادئ نولا للشؤون العامة، التي تحث الأفراد على «التصرف واتخاذ القرارات بحيادية ونزاهة وبناءً على الجدارة، باستخدام أفضل الأدلة ودون تمييز أو تحيز»، كما تتيح قواعد البيانات التي يمكن البحث فيها تحديد الفجوات المعرفية - وإجراء الأبحاث لسد هذه الفجوات.

وأخيراً، فإن وضع الأدلة في مركز صنع السياسات لا يحل محل دور القيم في تشكيل سبل عيشنا، ولا يقوض الديمقراطية. بل، إنه يكشف عن مسارات محتملة داخل عملية صنع القرار، ويساعد المسؤولين المنتخبين في تجنب بلوغ طرق نهاياتها معروفة.

أخبار متعلقة :