هل يكرر الذكاء الاصطناعي الأخطاء التنظيمية للقطاع المصرفي؟

ابوظبي - ياسر ابراهيم - الجمعة 4 أكتوبر 2024 01:23 صباحاً - هناك طريقتان لفرض قواعد جديدة على أي مجال، إما قبل تسببه في مشكلة ما، أو بعد ذلك. ويبدو أن مجال الذكاء الاصطناعي يسلك الطريق الثانية.

Advertisements


لقد عارض غافين نيوسوم، حاكم ولاية كاليفورنيا نهاية الأسبوع الماضي مشروع قانون كان سيفرض بعض المعايير المعتدلة إلى حد ما على نماذج الذكاء الاصطناعي، مثل «تشات جي بي تي» الخاص بشركة «أوبن إيه آي» أو نموذج «جيميني» الخاص بـ«جوجل». ويطلب مشروع القانون من الشركات اتخاذ احتياطات معقولة لتفادي وقوع أضرار كارثية.


والتدابير التي احتواها مشروع القانون ليست كابوساً بيروقراطياً، وتتضمن نشر بيان للسلامة وتشترط اختبار النماذج الجديدة لإمكانية تسببها في فوضى محتملة. وكان من المرجح أن تكون هذه التدابير ملزمة حصراً لمحركات الذكاء الاصطناعي الأكبر حجماً من تلك الموجودة اليوم. وتقول غالبية الشركات الكبيرة بالفعل أنها ستعطي الأولوية للسلامة. كذلك، فإن المعايير المقترحة تم تخفيفها إلى حد كبير.


رغم ذلك، احتج بعض من أكبر الأسماء في عالم التكنولوجيا، بما في ذلك شركتا «أندريسن هورويتز» و«واي كومبينيتور» لرأس المال المغامر. وجادل البعض بأن القواعد يجب أن تأتي من واشنطن، وهو أمر مستبعد أن يحدث في ظل كونجرس منقسم، أو أن القواعد يجب أن تستند بشكل أكبر إلى أدلة على وجود أخطار فعلية قد تنجم من الذكاء الاصطناعي، وهي ما زالت أخطاراً نظرية في مجملها.


وهناك أوجه للتشابه هنا مع صناعة أخرى هددت العالم بأسره: وهي الصناعة المصرفية، فالبنوك الكبيرة، مثل «جيه بي مورغان» و«جولدمان ساكس»، تنفق أموالاً طائلة وتقضي وقتاً طويلاً في محاربة خطط تهدف إلى إبقاء هذه المؤسسات تحت السيطرة. وحققت هي الأخرى نصراً كبيراً في الآونة الأخيرة، بإجبار الاحتياطي الفيدرالي على تخفيف قواعد معقدة كان من شأنها إلزامها بالاحتفاظ بقدر أكبر من رأس المال.


ويميل رافضو القواعد التنظيمية في كافة القطاعات إلى ادعاء حجج متطابقة، قائلين إن القواعد المتسرعة تحبط الإبداع وتخنق الشركات الناشئة. وتشعر كل من وول ستريت ووادي السيليكون بالقلق من أن الإفراط في القواعد الصارمة قد تحول دون تحقيقهما لإنجازات جيدة. إذ قد لا تكون المصارف قادرة على خدمة الأمريكيين فيما يتعلق بالرهن العقاري، وقد يعزف المبدعون في الذكاء الاصطناعي عن إنتاج نماذج يمكن لمطوريها الإبداع فيها بحرية.


صحيح أن تنظيم الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أكثر إتقاناً. واشتكى غافين نيوسوم من أن شرط حجم الشركات المشمولة بالقانون سيستثني الكيانات الأصغر التي يمكنها أيضاً أن تسبب في أضرار جسيمة. وقد حدث ذلك في القطاع المصرفي، عندما انهار بنك «سيليكون فالي» المتوسط الحجم وغير الخاضع للرقابة بصورة صارمة بشكل فوضوي في عام 2023. رغم ذلك، من الأفضل تبني قواعد صارمة في البداية ثم تعديلها لاحقاً، ففي منع الكوارث تعد المثالية عدوة للصالح العام.


ربما يجب على العقول المدبرة وراء الذكاء الاصطناعي وداعميهم من أصحاب رؤوس الأموال المغامرة إيلاء قدر أكبر من الانتباه إلى تشابه موقفهم مع وول ستريت. فمثلاً، القواعد المكروهة لم ينتج عنها سوى أنها جعلت البنوك الكبيرة أكبر. ورغم الرقابة الصارمة، ما زالت المؤسسات الأمريكية هي المسيطرة لأن العملاء يعتبرونها أكثر أماناً. في الوقت نفسه، ما زال الإبداع المالي يمضي قدماً.


إلى جانب ذلك، من المؤكد أن القواعد التنظيمية التي تنجم عن الأزمات غير المسبوقة يمكن أن تكون مرهقة. لكن دعونا نضع في اعتبارنا القواعد التي صاغها قانون دود-فرانك بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2008، والتي ما زالت تكبح جماح المصرفيين اليوم. عموماً مع مضي الوقت، قد يتمنى رواد الذكاء الاصطناعي الذين عطلوا مشروع قانون كاليفورنيا لو فشلت محاولاتهم.

أخبار متعلقة :