هاريس ليس بمقدورها التعويل على كسب أصوات الناخبين من الطبقة العاملة

ابوظبي - ياسر ابراهيم - الخميس 25 يوليو 2024 01:10 صباحاً - لقد وقع الأمر، انسحب جو بايدن من السباق الرئاسي وأيد كامالا هاريس باعتبارها المرشحة الديمقراطية المقبلة، وهما قراران صائبان، فخلال الأسابيع القليلة الماضية تراجعت أرقام استطلاعات بايدن، بينما ارتفعت أرقام هاريس بشكل مطرد. ووقوع فوضى في المؤتمر المفتوح (مؤتمر ترشيح المنافس الرئاسي الديمقراطي) هو أمر لا يريده أغلب الديمقراطيين، لذلك أتوقع أن الحزب سيلتف سريعاً حول هاريس. وبينما يضع هذا التغيير حداً للتشويق، إلا أنه لا يحل قضية مهمة بالنسبة للديمقراطيين، وهي كيفية كسب أصوات الناخبين من الطبقة العاملة في نوفمبر المقبل.

Advertisements

لم يكن الناخبون ذوو الياقات الزرقاء جمهوراً مستهدفاً لهاريس قط، حيث ينظر إليها على أنها محامية ومدعية سابقة لامعة من كاليفورنيا. في المقابل، واصل الجمهوريون بنجاح استمالتهم الناجحة للطبقة العاملة. وخلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري الأسبوع الماضي، ألقى شون أوبراين، رئيس نقابة سائقي الشاحنات، قنبلة باللعب على جانبي الطيف السياسي نيابة عن أعضائه.

ولأول مرة منذ 121 عاماً، كان أوبراين أول زعيم للنقابة يتحدث في مؤتمر للحزب الجمهوري. وكانت تلك خطوة سياسية ذكية، وكما أشار في خطابه، فإنها تعكس النهج التجاري نفسه. وقال «نحن بحاجة إلى تسمية غرفة التجارة والمائدة المستديرة بمسمياتها الحقيقية، أي (نقابات للشركات الكبرى)». وهذه تسمية دقيقة، فرغم أن هذه المنظمات تدعي أنها ليست مسيسة وتدعم السوق الحرة، إلا أنها في الواقع تشبه النقابات، فهي عبارة عن مجموعات ذات عضوية تمارس الضغط من أجل المصالح الخاصة لدافعي المستحقات.

وغالباً ما يقدم العديد من قادة الشركات والمجموعات الصناعية تبرعات لكلا الحزبين الرئيسين. في المقابل، يميل قادة النقابات إلى الالتحاق بصفوف الحزب الديمقراطي، وهذا هو الحال، حتى لو لم يصوت الأعضاء دائماً لصالح المرشح الديمقراطي مباشرة، كما شهدنا عام 2016 عندما دعم بعض أعضاء النقابات ترامب.

وبينما أيد الاتحاد الأمريكي للعمل ومؤتمر المنظمات الصناعية (AFL-CIO) -أكبر اتحاد نقابي في الولايات المتحدة- بايدن (وبالتأكيد سيؤيد هاريس)، فإن نقابة سائقي الشاحنات، التي تمثل العمال في النقل والخدمات اللوجستية، ليست جزءاً من هذا الاتحاد. وهي، إلى جانب بعض المجموعات العمالية الأخرى (وبالتأكيد العديد من العمال الأفراد)، يرون أنفسهم جهات حرة.

ما السبب وراء هذا؟ بادئ ذي بدء، ليست كل المصالح النقابية متشابهة. فقد كان نهج بايدن لإعادة البناء بشكل أفضل يركز إلى حد كبير على إعادة التصنيع، وهو ما يفيد في المقام الأول النقابات، مثل نقابات عمال الصلب، وعمال الكهرباء، وغيرها من النقابات الصناعية.

لكن نقابة سائقي الشاحنات لا تشارك في التصنيع، بل يقومون بشحنها ومناولتها. ورغم أنهم يصفقون للتعريفات من حيث المبدأ، إلا أن رفاهية أعضائها على المدى القصير تعتمد بشكل أكبر على تنظيم العمل في أمازون بدلاً من صناعة المركبات الكهربائية. وينطبق الشيء نفسه على العمال في قطاعات، مثل البناء والتشييد. ولا تعتمد وظائفهم على ما إذا كانت الألواح الشمسية مصنعة في الصين، بل على عدد الألواح المثبتة على الأسطح الأمريكية.

والحقيقة هي أن النقابات تلعب منذ فترة طويلة على جانبي الطيف السياسي. وخلال السنوات الأخيرة، دعمت بعض شرائح قطاع البناء الجمهوريين في الكونغرس مقابل دعمهم لقانون ديفيس-باكون، على سبيل المثال.

وينص هذا القانون على أن العاملين في المشاريع العامة الممولة فيدرالياً يحصلون على الأجور والمزايا العادلة السائدة في المجتمع الذي يتم فيه المشروع. ونظرياً، يمنع ذلك شركات البناء من إحضار عمال مكسيكيين غير مسجلين وتوظيفهم على أساس يومي بأجر منخفض (رغم أن هذا يحدث بالطبع).

وقضايا مثل ديفيس-باكون تتجاوز الخطوط السياسية وتتسبب في ضبابية القضايا السياسية. وفي حين يشعر الديمقراطيون العقلاء بالقلق من الأجور العادلة للعمالة الأمريكية (كما هو الحال مع العديد من المحافظين ذوي التفكير السليم)، فإن العديد من الجمهوريين قلقون بشأن الهجرة غير الشرعية. وهذا القلق ليس عنصرياً، لكن ترامب والحزب الجمهوري يحولونه إلى سلاح بطريقة عنصرية، حيث يستخدمون مثل هذه التكتيكات لتخويف العمال الذين قد تكون وظائفهم في خطر.

ويتماشى ذلك مع جزء من التاريخ المضطرب للحركة العمالية فيما يتعلق بالعلاقات بين الأعراق. وكثيراً ما يستشهد بالصفقة الجديدة لفرانكلين ديلانو روزفلت باعتبارها نموذجاً لذلك النوع من اقتصاد الرفاه الذي يركز على الإنتاج ويتعين على الولايات المتحدة إعادة بنائه.

لقد أفاد ذلك بالتأكيد أعضاء النقابات البيض، لكن تم استبعاد ذوي البشرة السوداء والبنية بشكل منهجي من مزايا، مثل الضمان الاجتماعي، وحماية المجلس الوطني لعلاقات العمل، في مقابل دعم الديمقراطيين في الجنوب للبرنامج.

ولم أستطع تجنب التفكير في هذا الأمر عندما شاهدت خطاب أوبراين الأسبوع الماضي. فرغم أن الطبقة العاملة في أمريكا شديدة التنوع، إلا أن أوبراين يبدو مثل قادة النقابات القدامى. ويكشف ظهوره في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري عن الخلاف المستمر داخل الحركة العمالية والحزب الديمقراطي نفسه.

كما تبادر إلى ذهني هذه القضايا المتعلقة بهاريس، حيث يتزايد اهتمام أغلب القادة التقدميين بالحديث عن العرق والهوية أكثر من الطبقية.

وبالتأكيد، ستجذب هاريس هذا النوع من القادة والديمقراطيين الذين يهتمون بهذه القضايا. لكن أحد أسباب نجاح بايدن في عام 2020 كان قدرته على مخاطبة الناخبين البيض من الطبقة العاملة في الولايات المتأرجحة. وهذه الولايات، ميشيغان ويسكونسن وبنسلفانيا، والتي لا تزال حاسمة للفوز بالسباق الانتخابي. ويتجلى هذا في تركيز الجمهوريين بقوة على القضايا الطبقية، والذي يتجسد في تعيين ترامب جاي دي فانس نائباً له، مؤلف كتاب «مرثية هيلبيلي»، وهي مذكراته تروي نشأته وسط الطبقة العاملة من ذوي البشرة البيضاء في أمريكا.

واسمحوا لي أن أكون واضحاً. لا أعتقد أن ترامب يهتم بالطبقة العاملة على الإطلاق، وأشك في أن فانس يوليها اهتماماً كذلك. فالعمال الداعمون لهم يصوتون لمقاومة التغيير، بدلاً من الاستعداد له. وقد تكون سياسات العمل التي ينتهجها الديمقراطيون أكثر فعالية، لكن الجمهوريين يتفوقون في التسويق. والمفارقة الكئيبة هي أن هجوم أوبراين على النخب التي «ولاؤها للميزانية العمومية وسعر السهم» جاء في مؤتمر لصالح رجل يجسد ذلك.

والمسألة المطروحة التي تواجه هاريس، على افتراض أنها مرشحة الحزب الديمقراطي، تتمثل فيما إذا كان يمكنها إقناع المزيد من العمال بأنها حقاً من يقف بجانبهم ويدافع عنهم.

تابعوا حال الخليج الاقتصادي عبر جوجل نيوز

كلمات دالة:

أخبار متعلقة :